تنظيم بل تصفية اليرموك وقضية اللاجئين

2020.07.25 | 00:05 دمشق

cgscn0xlvln83rcbunrgxttiukymg06jh42thcgt.jpeg
+A
حجم الخط
-A

أعلن نظام بشار الأسد الأسبوع الماضي عما سماه مخطط تنظيم "مخيم اليرموك"، علماً أن هذا اسم حركي لتصفية لا لتنظيم المخيم، ونهب ثروات وممتلكات أصحابه. وفي السياق تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين في خدمة موصوفة لصفقة القرن الأميركية الهادفة أساساً لشطب حق العودة والقضية الفلسطينية بشكل عام، وهي الصفقة نفسها التي طلب رئيس الصدفة محمود عباس مساعدة رئيس الصدفة والبيولوجيا بشار الأسد في مواجهتها.

المخطط  الجديد تضمن حل اللجنة الإدارية للمخيم، ونقل ملكيته إلى محافظة دمشق وتحويله عملياً إلى حيّ من أحياء المدينة، كما أزال نصف بيوته ومبانيه وشوارعه وقسّمه إلى ثلاثة أجزاء منفصلة بعدما كان وحدة إدارية واحدة وفق آخر مخطط تنظيمي له صدر في العام 2004.

معروف طبعاً أن اليرموك ليس مخيما عاديا للاجئين، بل عاصمة الشتات الفلسطيني، خزّان ومستودع الثورة والثوار، والذي عبّر دوماً عن العقل الجمعي للاجئين وتمسكهم بحق العودة إلى فلىسطين ورفض التفريط به أو التنازل عنه.

مبدئياً يمثل المخطط انتقاما من أهالي المخيم لأنهم استضافوا أهلهم من النازحين السوريين بعد الثورة، علماً أن الانتقام منه وقصفه بالمدفعية وطائرات الميغ المقاتلة جرى حتى قبل ظهور داعش والنصرة بالمخيم، ولم يكن مطلوباً حياده، وإنما الاصطفاف إلى جانب النظام وشبيحته ضد الثورة، علماً أن تاريخ النظام في الانتقام من المخيم قديم، حيث تم اعتقال مئات من أبنائه في ثمانينيات القرن الماضي عندما حرض نظام الأسد الأب على الانشقاق داخل حركة فتح ومنظمة التحرير سعياً للهيمنة على قرارها، وبالتالي بالإمساك أو بالأحرى المتاجرة بالقضية الفلسطينية.

هنا ومن الزاوية التاريخية أيضاً يندرج الانتقام من المخيم وتدميره في نفس سياق الانتقام وتدمير مخيمات تل الزعتر والبداوي ونهر البارد وبرج البراجنة بعدما رفضت الانصياع والخضوع للنظام وشبيحته من الفصائل الفلسطينية واللبنانية.

المخطط يعبّر من جهة أخرى فكرة سياسية عن نظرة النظام تجاه اللاجئين وعدم اعتبارهم مقيمين أو حتى ضيوف في سوريا الأسد الطائفية المتجانسة المفيدة لإيران وحشودها الشعبية الموتورة باعتبار اللاجئين تصرفوا بعقلهم الجمعي الوحدوي طيلة فترة وجودهم في سوريا العظيمة، كما بانحيازهم إلى مطالب الشعب الثائر المحقة والمشروعة في الحرية والكرامة وتقرير المصير، حيث فهموا بوعيهم الجمعي أيضاً أن تحرّر الشعب السوري العظيم وفرض إرادته يعني أن تحرير فلسطين والعودة إلى مدنهم وقراهم فيها ستصبح مسألة وقت فقط.

المخطط تضمن إزالة نصف المخيم تقريباً، في نهب موصوف لثروات وأملاك اللاجئين بحجة أنهم يملكون ما فوق الأرض لا الأرض نفسها أو ما تحتها حسب تعبير مسؤول من النظام – تماماً كحجة الوفد الإسرائيلي في كامب ديفيد الثانية صيف العام 2000 أثناء التفاوض حول المسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف بشكل عام - ما ينسف بالتأكيد أي حديث عن دعم مزعوم لفلسطين من قبل نظام الأسد أخطر الأنظمة العربية على القضية الفلسطينية حسب تعبير الشهيد ياسر عرفات والذي قتل من الفلسطينيين أضعاف ما قتلت إسرائيل حسب تعبير ضمير الثورة وحكيمها جورج حبش.

المخطط ترك مساحة أو فراغا يشبه المنطقة الفاصلة جنوباً بحجة حماية منطقة السيدة زينب وزوّراها الشيعة، علماً أن ثمة تصوراً لتحويل المنطقة كلها بما فيها مخيم اليرموك إلى ضاحية جنوبية لدمشق في تكرار للنموذج اللبناني، ما يعني أننا أمام تغيير ديموغرافي يلحظ توطين مجرمين من عصابات الحشد الشعبي في المخيم وجواره مع بعض أفراد من فصائل العار للتمويه والزعم أنه ما زال مخيماً فلسطينياً.

بدا لافتاً وغير مستغرب طبعاً الموقف الخجول بل المخزي والمشين من قبل الفصائل الفلسطينية والطبقة السياسية بشكل عام، العاجزة بل المتواطئة والتي صمتت عن تدمير المخيم والمخيمات في سوريا بشكل عام وتشريد أهلها، بل إن بعضها شارك النظام في جرائمه بحق الفلسطينيين والسوريين، وهي أي الفصائل تصرفت بشكل عام وكأنها في سلة واحدة أو بالأحرى بخندق واحد مع النظام حسب تعبير رئيس سلطة أوسلو محمود عباس في رسالته الأخيرة إلى بشار الأسد.

في السياق نفسه كان لافتاً تصريح خالد أحمد جبريل المسؤول في جبهة أبيه "القيادة العامة" والذي حمل فيه اللاجئين المسؤولية عن تدمير المخيم وتصفيته كونهم لم يقاتلوا مع النظام دفاعاً عنه حسب تعبيره. القيادة العامة التي كانت منبوذة وهامشية بعد دورها في حصار وتدمير المخيمات بلبنان وإضعاف وابتزاز منظمة التحرير تحوّلت إلى مكوّن من مكونات الطبقة السياسية الفلسطينية إثر اقتراب فتح وفصائل أخرى منها ومن النظام بشكل عام، وهي التي تباهت دوماً أنها جزء منه، علماً أن تصريح جبريل الابن يسعى إلى تبرئة الجلاد وتجريم الضحية، ناهيك عن الموافقة الصريحة على المخطط نفسه رغم ما يتضمنه من دلالات تتعلق بتصفية حق العودة والقضية الفلسطينية التي يدّعي جبريل والنظام الدفاع عنها.

إلى ذلك كان لافتاً الصمت المدوّي لزياد أبو عمرو مبعوث محمود عباس الذي زار دمشق منتصف الشهر الجاري، حيث لم ينطق ولو بكلمة عن مخطط تصفية المخيم وكأن الأمر لا يعنيه في تغطية ودعم للنظام من جهة. وتأكيده على عجز الطبقة السياسية برمتها عن حفظ حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

طبعاً يقدم المخطط ودون أدنى شك خدمة موصوفة لصفقة القرن الأميركية، ويمكن حتى اعتباره كعربون وبادرة حسن نية من النظام لأميركا وإسرائيل عبر التماهي مع مخططات تصفية قضية اللاجئين، وهي واحدة من الركائز الاساسية للقضية الفلسطينية التي سعت إدارة دونالد ترامب إلى شطبها عن جدول الأعمال السياسى والتفاوضي.

يجب الانتباه كذلك إلى حقيقة أن المخطط يعبر عن نوايا النظام ورغبته في تصفية وشطب المخيم والانتقام من اللاجئين ولكنه يأتي على الأغلب في سياق دعائي بحت كون النظام وحليفته إيران المفلسة والمنهارة اقتصادياً عاجزين سياسياً ومالياً عن إطلاق عملية إعادة الإعمار في المخيم أو سوريا بشكل عام. ومن هنا يمكن وضعه في نفس السلة مع الاتفاق العسكري الأخير الدعائي والمنفصم بينهما.

مع ذلك حتى لو كان المخطط نظرياً ودعائياً لا يجب تجاهله ولا بد من الضغط على وكالة الأنروا المسؤولة عن اللاجئين لإعلان موقف صريح وحاسم منه، كما على هؤلاء أنفسهم التمسك بحقوقهم والدفاع عن ممتلكاتهم وثرواتهم ورفع قضايا دولية حيثما أمكن ضد النظام الذي ارتكب جرائم حرب موصوفة في سوريا بما فيها تدمير المخيم وتشريد أهله ونهب ممتلكاتهم ثم السعي لتصفيته نهائياً بكل ما يحمل من خصوصية ورمزية.

في كل الأحوال نحن أمام دليل آخر على حقيقة نوايا نظام بشار الأسد تجاه اللاجئين والقضية الفلسطينية بشكل عام، كما على ضعف واهتراء الطبقة السياسية الفلسطينية العاجزة عن حماية اللاجئين وحقوقهم والمتواطئة حتى مع قتلتهم وجلاديهم.

كلمات مفتاحية