تقصير الإعلام السوري في تركيا

2020.12.22 | 23:08 دمشق

1035374653_0_13_1280_706_1000x541_80_0_0_e9a435aa48295eb1eaf1432216d7e1aa.jpg
+A
حجم الخط
-A

صدمت الأوساط التركية والسورية خلال الأيام الماضية بواحد من أشهر الإعلاميين والكتاب الأتراك بحديثه عن اللاجئين السوريين في تركيا مستخدما أوصاف وعبارات غير لائقة وغير مناسبة للعلاقات الثنائية والأخوية المشتركة بين الشعبين، مقدما مجموعة من الاتهامات الباطلة بحق السوريين دون تقديم دليل واحد على ما ذهب إليه، ما أدى لردود فعل كبيرة على كلماته المفترية على السوريين عبر إحدى القنوات التركية الإخبارية المعروفة، وبناء على ما ذهب إليه أعلنت جمعية اللاجئين الدولية عن رفعها دعوى قضائية بحق الإعلامي فاتح ألطايلي، عقب تصريحاته هذه على الهواء مباشرة، ولم يكتف الكاتب والإعلامي التركي بما ساق من تهم عبر الهواء مباشرة، بل واصل كتاباته في مقالاته اليومية، مواصلا الحديث عن اللاجئين الأفغان والعراقيين متحدثا في مساحة مختلفة دون تقديم دليل واحد.

وعلى الرغم من أن هذه الحملات الإعلامية الممنهجة بحق السوريين ليست جديدة، وكانت تصدر عبر قلة من السياسيين أيضا، وفي كل مرة لم يكن هناك دليل واحد على ما يتم الذهاب إليه من اتهامات، إلا أن هذه الحادثة ألقت بظلالها كثيرا على الواقع، وجعلت هناك ردود أفعال سورية عبر شبكات التواصل الإعلامي، وصلت حد تهديد الكاتب، وهذه التهديدات معروف عنها أنها لا تؤدي للنتيجة المطلوبة، وبخلاف أن الورقة السورية مستخدمة من قبل المعارضة التركية إلا أنه من المهم الإشارة إلى ضرورة أن يكون للسوريين دور مؤثر وهام، وخاصة عبر الإعلام من أجل التواصل مع شرائح المجتمع التركي، وهو ما يمكن وصفه بتقصير في الإعلام العربي عموما والسوري خصوصا، في نقل وجهات النظر العربية والسورية إلى المجتمع التركي، فضلا عن التقصير بتعلم اللغة التركية التي تشكل عائقا في التواصل ونقل وجهات النظر.

ومن الضروري معرفة أن الحدث العربي والسوري هو جديد على المجتمع التركي، رغم السنوات العشر الماضية، وهو لا يعرف عنه إلا العموميات والسطحيات، حتى المواطن الذي يعرف اللغة العربية ليس على دراية كاملة بحقيقة ما يحصل في البلدان العربية عموما وسوريا خصوصا، كما أن المجتمع التركي المختلف عن نظيره العربي والسوري، في ساعات العمل الطويلة، وتركيز المواطن على الهم الاقتصادي وهو الشغل الشاغل له، وتطورات الحالة الاقتصادية وأسعار صرف العملات وقوانين المصارف وأسعار العقارات، والحد الأدنى للأجور، كلها الهم الأول للمواطن، كما أن المدن الكبرى وخاصة إسطنبول، يتحمل فيها المواطن العادي ضغط ساعات العمل والمواصلات، ومن هنا تأتي أهمية وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي يلجأ لها المواطن العادي في معرفة الأخبار والتطورات، وبما أن وسائل التواصل الاجتماعي مليئة بصفحات تبث الشائعات والأخبار الكاذبة، فإن نسبة تأثيرها مرتفعة في ظل الحالة السابقة التي تفرض على المجتمع هذا المجرى للوصول إلى المعلومة، ولربما صورة تحمل معلومات مضللة، قد يكون لها وقع أكبر من كثير من خطابات السياسيين المدافعين عن حقوق السوريين، خاصة أن الدراسات تشير إلى أن نسبة المتابعة التلفزيونية للخطابات المباشرة منخفضة جدا وبحدود 10-12٪ فقط، وبالتالي تأثيرها محدود ويلجأ السياسيون للتكرار في خطابهم.

رغم الجهود الاجتماعية والسياسية التي يتم إجراؤها عبر منظمات المجتمع المدني والهيئات السورية في تركيا بالتواصل مع وزارة الداخلية ودائرة الهجرة، إلا أن هذه الجهود بحاجة إلى رافعة إعلامية من جهة، ولحملة إعلامية مكثفة باللغة التركية من جهة ثانية.

وبناء على ما سبق لفقت أخبار كاذبة بأن السوريين يتلقون المعونات المالية شهريا مباشرة من الحكومة، والمواطنون والمستثمرون معفيون من الضرائب، ويقبل طلابهم مباشرة في الجامعات، ويتلقون كافة الخدمات الصحية بشكل مجاني، فضلا عن مزاعم وادعاءات أخرى، منها أيضا أن السوريين يغادرون في الأعياد للداخل ويعودون بأريحية، وانتهت الحرب في سوريا وعاد الأمان، وبخلاف الخدمات الصحية في المشافي الحكومية والمراكز الصحية الممولة أوروبيا فإن كل هذه المزاعم غير صحيحة، وكان من المفهوم أن يؤمن بذلك المواطن العادي فقط، ولكن أن يتطور الأمر إلى تأثر نخب مؤثرة في الحياة العامة التركية والرأي العام التركي، فهنا مكمن الخطورة، والتي قد تتسبب في مزيد من الخطاب السلبي بحق السوريين، واليوم إن كان الكاتب فاتح ألطاي قد وقع في هذا المطب، فيمكن أن يلحقه في الأيام القادمة مزيد من الشخصيات الأخرى، ومن هنا يجب رفع حالة الطوارئ من أجل مواجهة هذا الفهم الخاطئ، وطرح خطاب مضاد يعكس حقيقة الأمور، وحقيقة أوضاع السوريين في تركيا فضلا عن حقيقة الأوضاع السياسية في سوريا.

وللتصدي لهذه المهمة يجب العمل على عدة مستويات، إعلامية واجتماعية وسياسية، ورغم الجهود الاجتماعية والسياسية التي يتم إجراؤها عبر منظمات المجتمع المدني والهيئات السورية في تركيا بالتواصل مع وزارة الداخلية ودائرة الهجرة، إلا أن هذه الجهود بحاجة إلى رافعة إعلامية من جهة، ولحملة إعلامية مكثفة باللغة التركية من جهة ثانية، ومن المستغرب أن الاستثمار العربي والسوري الإعلامي في تركيا مخصص فقط لنقل أخبار تركيا بالعربية، وكأن المجتمع التركي ليس بحاجة إلى معرفة أخبار الجالية العربية والسورية الموجودة في تركيا عبر اللغة التركية، ووسائل الإعلام التركية التي تتبنى وجهات النظر السورية المحقة، ليست كافية لأنه ينظر لها بأحكام مسبقة، وهو ما يعرضها لتجاهل شريحة محددة، لهذا يتوجب وبشكل عاجل التأسيس لوسائل إعلام عربية وسورية ناطقة باللغة التركية بشكل احترافي، عبر قنوات تقدم برامج تلفزيونية حوارية تستضيف النخب التركية والعربية والسورية من أجل مناقشة هذه المواضيع بشكل شفاف وتوضيح الحقائق، وترجمة هذه البرامج والأخبار وجعلها متاحة باللغتين التركية والعربية، واستخدام مختلف منصات التواصل الاجتماعي بشكل احترافي ونشر هذه المقاطع بشكل يصل مباشر للمواطن بشكل مؤثر دون تضييق عليه، وخطابه بدون حواجز أو عوائق، ونفس الأمر ينطبق على وسائل التواصل الاجتماعي، والأخبار، ومختلف المنصات الإعلامية، والأهم ليس فقط أن تكون هناك أخبار وترجمة جافة، بل عمل احترافي يستند إلى المعرفة الصحيحة في الوصول إلى المواطن ودحض كل الاتهامات والتهم المطروحة ونقل الحقائق بشكل مباشر.

ولا ينكر أنه كانت هناك جهود محدودة عبر أعمال فردية، ومقاطع صورت بالتركية كانت تترك أثرا ويتابعها عدد كبير من المشاهدين، وهذه الجهود يجب أن تتوسع، وباستثناء تجربة يمنية في البث باللغة التركية، تكاد تخلو وسائل الإعلام الناطقة بالتركية بشكل احترافي، كما أن قسم اللغة التركية في الائتلاف السوري أيضا غير قادر على القيام بمهامه لأنه ينقل أخبار جهة رسمية فقط وبإمكانيات بسيطة جدا، ولتطوير كل الجهد الإعلامي في التواصل مع المجتمع التركية، لا بد من دعم مالي قوي يقوم به أبناء الجاليات ورجال الأعمال والمنظمات المختلفة، ومن الطبيعي والمهم أن يكون هناك استثمار إعلامي يخاطب المجتمعات المضيفة، وهو مطلوب في تركيا أكثر لأنها تستضيف لاجئين أكثر من بقية دول العالم، وتقدر الجالية العربية فيها بنحو خمس ملايين مقيم، على عكس ألمانيا على سبيل المثال التي لم تستضف سوى قرابة مليون حسب ما هو معلن وغير مؤكد، وبالتالي فإن الاستثمار الإعلامي مهم جدا في المجتمعات المستضيفة إضافة للإعلام المخاطب للشعوب العربية، كما أن الأجيال الجديدة التي أتقنت لغة المجتمعات أيضا بحاجة إلى خطاب تواصل باللغة التي تعلموها للبقاء على اتصال مع مجتمعهم ومعرفة حقائق ما يجري في دولهم، ولهذا ليس من المخيف الاستثمار الإعلامي داخل المجتمعات المستضيفة، وربما تحمل هذه الاستثمارات الإعلامية فرصة كبيرة لمن يقوم بذلك بشكل احترافي في المستقبل.

وخلاصة الكلام يجب وبأسرع وقت الاهتمام بالخطاب الإعلامي الاحترافي عبر وسائل الإعلام وعبر إعلام المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني المعنية بتذليل الخلافات وسوء الفهم بين المجتمعات المستضيفة والجاليات العربية، خاصة أن هناك جهات تسعى لتغذية حالة العداء بين هذه الأطراف، وطرح ادعاءات وأكاذيب تصل صداها لمستويات عليا تماما كما حصل في حادثة الأيام السابقة مع الكاتب والإعلامي التركي، ولهذا يجب العمل سريعا دون تردد أو توقف، لسد الطريق أمام مزيد من النزيف في العلاقات المشتركة، وقطع طرح الأكاذيب والتضليل الإعلامي.