تقاسم الشرق الأوسط

2021.07.12 | 07:07 دمشق

medium_2021-07-10-78dc6ac8e0.jpg
+A
حجم الخط
-A

من الواضح أن المنهج القديم للشكل الاستعماري لم يعد نافعاً في القرن الواحد والعشرين، بسبب تطور الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ونهوض الديمقراطية في بلدان الاستعمار القديم حيث باتت الشعوب الغربية قادرة على إسقاط حكومات تزج بشعبها في حروب تقتل منهم الأعداد الكبيرة أو تتسبب في مجازر كبيرة يشاهدها المواطن الغربي عبر التلفزيون بسهولة وبتتابع يومي عبر الإنترنت أو التلفزيون، وفي ذات الوقت باتت مشاهد التوابيت العائدة إلى البلدان الغربية كفيلة بإسقاط أعظم الحكومات حتى صاحبة المنجز الكبير منها..

في حين بقيت العقلية الاستعمارية الاستعلائية قائمة في ذهنية الحكومات العميقة التي تسيّر العقلية التوسعية للبلدان الكبرى التي ترغب في التوسع والنفوذ وتجنب الخوض في مستنقعات الحروب الاستنزافية التي سيساهم الخصوم فيها حتماً، فجميع خصوم أميركا كانوا سعداء في غرقها في المستنقع الفييتنامي، و كذلك الوضع حينما سقط الاتحاد السوفييتي في المستنقع الأفغاني..

جُل منطقة الشرق الأوسط من أفغانستان إلى المغرب ستتعرض وفق خطة ممنهجة لعملية إعادة الهيلكة والتشكيل

من أجل هذا بدأت مؤخراً تتضح معالم الشرق الأوسط الجديد الذي لم ينكفئ عنه الاستعماريون التقليديون، عبر الزج بجيوشهم وتلك الكلفة التي باتت غير معقولة على الحكومات الديمقراطية في الغرب..

يقول أحد المحللين الاستراتيجيين في حديث شبه شخصي نشر عبر الإعلام الاجتماعي، بأن جُل منطقة الشرق الأوسط من أفغانستان إلى المغرب ستتعرض وفق خطة ممنهجة لعملية إعادة الهيلكة والتشكيل، عبر نظرية كانت قد أعلنت عنها مسبقاً وزيرة الخارجية الأميركية علناً وهي (الفوضى الخلاقة) ولكن صدق من قال بأن العرب لا يقرؤون، فكرة النار تلك التي تتدحرج من غرب الشرق إلى شرقه، ملتهمة معها دولاً ومجتمعات ومشكلة انزياحات بشرية هائلة مع كل تلك الكلمة من معاني ديموغرافية واجتماعية واقتصادية.. ليس الهدف منها هو توطين إسرائيل في المشرق العربي، فتلك المهمة أتمها حلف المقاومة على أكمل وجه، ولكن الهدف الرئيسي من الفوضى الخلاقة في الشرق، يكمن بعيداً في الشرق الأقصى حيث تتمترس الصين متحينة الفرصة للانقضاض غرباً، ولكن وحسب تقارير الأمن القومي الأميركي للأعوام الماضية وخاصة تقرير هادلي\أولبرايت بخصوص مستقبل الأمة الأميركية في المحيط العالمي "فإنه يجب على الولايات المتحدة وضع العراقيل أمام التقدم الكبير للصين باتجاه الغرب" وتلك العراقيل لا يمكن أن تكون عسكرية فذلك يعني نهاية العالم الذي نعرفه، وإنما تتبدى الاستراتيجية الجديدة في إيقاع الخصم في اضطرابات عنيفة تدمر اقتصاده و تعرقل نموه و تفكيره في النهوض خارج أسواره، بحيث يجب فعلياً إعادة النمر الصيني إلى ما قبل الحدود التاريخية لسور الصين العظيم، حيث مكثت الصين قروناً، و يجب أن تمكث لقرون كذلك.

ومن أجل الوصول بالاضطراب إلى منطقة الشرق الأقصى لا بد من التسلسل عبر الشرق الأدنى، الذي يجب إعادة استعماره عبر وكلاء محليين وإقليميين.

من هنا ينطلق الصراع بين القوى الإقليمية الكبرى كي تكسب مشروعية القبول كشرطي للمنطقة، ولكن الأميركي يرفض "تلزيم المنطقة" لمتعهد واحد، وإنما يباشر في توزيع المهام حسب التنازع المناطقي والطائفي، من دون الوصول إلى أي إمكانية للحل بين المحتل الإقليمي والشعوب التي سيتم احتلالها، ولنا في أمثلة سوريا وتقاسمها بين تركيا وإيران وروسيا مثال ناصع، وحضور الدور العربي الخجول فيها ممثلاً بدعم العنصر الكردي، وكذلك الأمر في ليبيا والعراق واليمن ولبنان، ولكن الصورة الأنصع تتبدى في أفغانستان حيث يبدو أن تسخين المشهد يتفاعل بدون تهاون، فبعد الانسحاب الأميركي من القواعد العسكرية هناك التي تم تجهيزها وصرف المليارات عليها خلال عشرين عاماً من وجود حلف الأطلسي في بلاد الأفغان، تتعالى الأصوات الإقليمية لتبني وساطات سياسية مع حركة طالبان التي استأنفت نشاطها بشكل مباغت وكبير، وباتت تستولي على عدد كبير من المناطق الأفغانية.. فاستقبل الروس وفداً من مجاهدي الأمس في موسكو  لضمان أمن وسط أسيا من خلال وقف التواصل بين طالبان والحركات المسلحة في طاجسكتان وتركمانستان وأوزبكستان، بينما تتجهز الصين للضغط على حليفها الباكستاني صاحب النفوذ الكبير في حركة طالبان من أجل ضمان عدم التأثير على منطقة تركستان ومسلمي الأويغور المضهدين، بينما الهند العدو التقليدي للصين والباكستان استنفرت علاقاتها مع طالبان خوفاً من دعم الأخيرة لمجاهدي كشمير، وتبقى إيران ذات الخلاف المذهبي الكبير مع طالبان متوترة إلى الحد الأقصى من المتغير الأميركي الكبير في البلد الجار، ولكنها كانت قد استفادت من الحرب الأفغانية الطويلة عبر تجنيد مئات آلاف اللاجئين الأفغان من معسكرات لجوئهم في إيران لتجهيزهم عسكرياً ضمن ميليشيات جابت سوريا والعراق والآن تتحضر في شمال أفغانستان لدعم نجل أحمد شاه مسعود، الذي اغتالته طالبان في عام 2001، لتكون الميليشيات تلك قوة ضاربة في وجه حركة طالبان إن فكرت في دعم معارضي نظام الملالي..

في هذه الأثناء ظهرت فكرة رعاية تركيا لمطار "حامد كرزاي الدولي" في كابول وتأمينه عسكرياً وأمنياً، لضمان استمرار التواصل الدولي مع كابول وعدم انقطاعها عن العالم كما حصل في الثمانينات، بينما تتشدد الدول العربية وعلى رأسها قطر والسعودية من أجل ضبط المجاهدين العرب وعدم انزياحهم مجدداً نحو أسيا وتكرار تجربة "الأفغان العرب".

ببساطة يتبدى المشهد الشرق أوسطي واضحاً أمام الغرب في وضع شعوب المنطقة تحت سلطات إقليمية، ريثما ينتهي الصراع الكبير مع العملاق الصيني

لقد باتت حركة طالبان تتحكم بمفصل أساسي يحكم العالم، فهي بوابة النار على الصين وكذلك على العالم العربي، ومنها من الممكن أن تتحطم أمال ملالي طهران في السيطرة على الشرق إيديولوجياً، وهي بوابة تتحكم في قوة باكستان ضد خصمها التاريخي "الهند" فإن تدحرجت كرة النار صوب الشرق أو صوب الغرب، فإن هنالك من سيعمل على تحقيق مكتسبات من تلك الفوضى.

ببساطة يتبدى المشهد الشرق أوسطي واضحاً أمام الغرب في وضع شعوب المنطقة تحت سلطات إقليمية، ريثما ينتهي الصراع الكبير مع العملاق الصيني، بحيث إن أي تغيير حقيقي في الواقع السياسي العربي لن يتحقق طالما لم تنتهِ تلك المعركة الكبرى، ويبقى الحظ سيد الموقف، بحيث إن تلك الشعوب التي سيتولاها الروس ستكون لديها حظوظ مختلفة عن تلك التي سيتولاها الإيرانيون، أو الأترك، أو الإسرائيليون.. أو..

فلكل أجندته وبرنامجه، وسيئ الحظ وحده من ستكون بلاده مشاعاً للطائفيين والإيدولوجيين المتاجرين بدماء الشعوب. لقد استوعب الفكر الكولونيالي خطيئة إغراقه في مستنقع حروب لا منتهية، فابتكر كولونيالات صغيرة تنوب عنه وتحميه من الغرق، أو لنقل فهي مستعدة للغرق بدلاً عنه حيث لا حسيب ولا رقيب، بينما يبقى هو المتحكم الأساسي بكرة النار وبتوجيهها.