تغيير سلوك نظام الأسد

2021.11.08 | 05:09 دمشق

tdwyr2.jpg
+A
حجم الخط
-A

من المعلوم أن هذه السلطة الحاكمة غير قادرة على تغيير سلوكها وأسلوبها القمعي في تثبيت قبضتها وهيمنتها على الدولة السورية، وأي تغيير حقيقي في سلوكها يعني بالضرورة نهايتها الحتمية فهي لا تمتلك أدوات التغيير على افتراض الإرادة فيه.

وفي الآونة الأخيرة ازداد الحديث عن مفهوم أو لنقل تعبير (تغيير سلوك النظام) يقصد فيه العصابة الحاكمة في دمشق، استخدمته الإدارة الأميركية في تعاطيها مع القضية السورية وخاصة فيما يتعلق بإسقاط السلطة الحاكمة المغتصبة للدولة السورية، ومن خلال تصريحات متكررة على لسان مسؤولين أميركيين بما في ذلك الرئيس بايدن ووزير خارجيته بلينكن، حيث كان لها أثر سلبي لدى الكثير من السوريين الذين يعولون على الموقف الأميركي من هذه السلطة الحاكمة، بل ليس فقط لدى السوريين بل تعدى ذلك للقوى المنخرطة بشكل مباشر في القضية السورية أو التي تتأثر بها بشكل أو بآخر، بل ربما أبعد من ذلك، حيث فهمت بعض الأنظمة أنه قد يكون ضوء أخضر لعودة علاقات من نوع ما مع من يسكن قصر المهاجرين.

حرصت الإدارات الأميركية على التأكيد أنها تدعم الشعب السوري وأنها لا تسعى لتغيير النظام بالقوة وإنما إلى إيجاد حل سياسي يتفق عليه السوريون

ولفهم مرامي وأبعاد استخدام هذا التعبير لابد من تسليط الضوء على معنى ذلك في سياق الصراع الدولي الإقليمي والتناقض في المصالح الذي طبع المواجهة في سوريا، وأدى إلى الجمود والتعثر في إيجاد حل سياسي أو حتى تطبيق القرارات الأممية التي صدرت دون اعتراض "فيتو" من أي دولة عضو دائم في مجلس الأمن، وهنا أركز على الدولتين الأكثر حضورًا وتأثيرًا دوليًا، وهي روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية.

فبعد اتهام روسيا لأميركا بأنها تسعى لإسقاط الأنظمة بالقوة وتغييرها وخاصة بعد الفوضى التي ماتزال ماثلة أمام الجميع في العراق وأفغانستان حرصت الإدارات الأميركية على التأكيد أنها تدعم الشعب السوري وأنها لا تسعى لتغيير النظام بالقوة وإنما إلى إيجاد حل سياسي يتفق عليه السوريون، هذا من جهة ومن جهة ثانية انتهجت الدول الفاعلة سياسية إدارة الأزمة السورية والمصالح المتناقضة من خلال آليات عمل المنظومة الدولية ممثلة بالأمم المتحدة شكلاً والعمل على تثبيت قواعد لإدارة الصراع ميدانياً، دون المواجهة المباشرة حفاظًا على هذه المنظومة التي تلبي مصالحها العالمية دون التأثير عليها بما يؤدي إلى انهيارها وخاصة مع عدم تبلور نظام دولي  جديد -وهذا  سبب رئيس في تعثر الوصول إلى تسوية أو اتفاق يوقف المأساة الإنسانية التي هي في آخر اهتمامات هذه القوى على الرغم من استخدامها في الصراع وتبرير التدخلات الخارجية من منطلق إنساني في بعض الأحيان-.

مالذي تقصده الإدارة الأمريكية بتغيير سلوك النظام؟

من السهل ملاحظة ومعرفة ما تقصده الإدارات الأميركية المتعاقبة في تعبيرها الملتبس من خلال بعض المؤشرات، فبعد استخدام النظام الأسلحة الكيماوية والتي أثبتت التحقيقات استخدامها مرات متكررة ليس فقط في غوطة دمشق والتي راح ضحيتها قرابة ألف وخمسمئة ضحية، بل في أكثر من منطقة خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، وكما هو معلوم لدى المجتمع الدولي فإن هذه الأسلحة المحرمة دوليًا ضد القوات العسكرية المعادية فكيف إذا تم استخدامها ضد المدنيين والعزل؟

كان تغيير سلوك النظام بالنسبة لواشنطن يعني تسليم السلاح الكيماوي حماية للكيان الإسرائيلي، ورخصة لإجرام النظام من خلال استمرار القتل بأسلحة أخرى خاصة بعد تراجع أي تهديد بالمحاسبة أو القيام بعمل جدي لحل سياسي أو حتى إقامة منطقة آمنة تحمي المدنيين الهاربين من الآلة العسكرية الوحشية! وهذا ما فسره النظام وحلفاؤه برخصة للاستمرار بنهج التهجير والقتل!

ومن الواضح هنا أن المقصود بتغيير سلوك النظام لا علاقة له بتعامله مع أفراد الشعب السوري على اختلاف مواقعهم السياسية، ولا باحترامه لإنسانيته، بل المقصود تغيير سلوك النظام خارج هذه الإطار الإنساني واستغلال الجرائم التي ارتكبها لانتزاع تنازلات خارجية متعلقة بالمصالح الأميركية واستراتيجيتها المتبعة في المنطقة والعالم.

تركت الولايات المتحدة الأميركية وجوداً عسكرياً رمزياً لكن لا يمكن لأحد أن يتجاوزه أو يتجاهله في أي حل سياسي

والبعد الآخر  في انتهاج سياسة تغيير السلوك المعلنة هي تعميق لسياسية الإغراق المتبعة للحلفاء وللخصوم لاسيما وأن العديد من الدول الإقليمية والعالمية انخرطت بشكل مباشر في الصراع على سوريا وفوق أراضيها، مما ترك الجميع يخمّن ويحاول تحقيق مكاسب في ظل تراجع ميداني أميركي في المنطقة، كل هذا جعل هذه القوى تحاول ملء هذا الفراغ والذي هو باعتقادي تقليص للتكاليف السياسية والبشرية والمالية للإدارة الأميركية لأسباب داخلية واقتصادية، دون أن يترك ذلك فراغًا فعليًا، فهي ما تزال تحتفظ وتملك القدرة على التحرك نظرًا للتفوق التكنولوجي والعسكري وامتلاكها أدوات وأسلحة غير عسكرية قد تكون أكثر فاعلية، خاصة مع الهيمنة على النظام المالي ونظام الاتصالات وأهما الإنترنت، ومن خلال العقوبات التي يمكن تطبيقها بشكل منفرد بعيداً عن المنظومة الدولية والفيتو أو الحاجة للتوافق أو المقايضات مع القوى الدولية الفاعلة.

وضمن هذه القدرة تركت الولايات المتحدة الأميركية وجوداً عسكرياً رمزياً لكن لا يمكن لأحد أن يتجاوزه أو يتجاهله في أي حل سياسي، وهي ماتزال تستنزف كل المنافسين وتمنع أي حل مهما كان نوعه دون العودة لمسار جنيف كميدان يؤكد أنه لا حل دون موافقتها ودون أخد مصالحها بعين الاعتبار.

أما في ما يتعلق بتغيير سلوك النظام في مواجهة شعبه فلا يمكنني الجزم أن الأميركيين وخاصة إدارة بايدن موافقون بشكل ضمني على هذا الإجرام، خاصة أن هذه الإدارة ذات مرجعية تميل لمسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولا يمكن لها تحمل تكاليف إعادة تعويمه أخلاقيًا، ويمكن قراءة ذلك من موقف الإدارة الواضح في قضية التطبيع مع النظام حيث أكد وزير الخارجية بلينكن "نحن لن نطبع مع نظام الأسد ولا نشجع على ذلك".