تغريبتان.. في موت حاتم علي

2021.01.01 | 23:03 دمشق

whatsapp_image_2020-12-29_at_1.18.04_pm.jpeg
+A
حجم الخط
-A

لم تكن وفاة حاتم علي مجرد صدمة لمحبيه من السوريين جميعاً لأنه قدم لهم وجبة دسمة وصادقة في مشواره الفني فقط، بل لجملة من الأسباب العالقة في حلوقهم وضمائرهم، وهذا ما أسال دموعهم معاً في أول توافق على رثاء سوري لا يحمل أبعاد الصراع الدموي باستثناءات بسيطة مدفوعة للقول بأن السوريين بينهم ما صنع الحداد ولم يعد بينهم ما يوحدهم.

تبدو التغريبة الفلسطينية كأهم أعمال حاتم التي أجمع عليها السوريون كجزء من ذاكرتهم المشتركة، وهنا ينهض التساؤل عن سر هذا التوافق هل لأنهم جميعاً تربوا على حب فلسطين وسيرة فقدانها، ولأنها جارتهم السليبة التي طالما دفع أبناؤهم الدم والمال كرمى لعودتها، ولأن سوريا بالتحديد ضمت لعقود نخباً وقامات فلسطينية كان لها الأثر في الوجدان الجمعي العربي وساهمت في صناعة مفاهيم الثورة والحرية والعودة؟.

في تفاصيل التغريبة الفلسطينية يعود حاتم إلى ما يشبه الحدث السوري سنة النكسة ودلالاته فمفاتيح البيوت كانت أمل النازحين في العودة إلى بيوتهم كما أقرانهم في النكبة

بالطبع كل تلك الأسباب مجتمعة بالإضافة إلى ما قدمه هذا العمل من إسقاطات على الواقع السوري فثمة تغريبة أخرى ينتمي إليها جيل حاتم علي كله سواء من أبناء الجولان الذين رحلوا على أكتاف أقربائهم مثل (حاتم) أو في بطون أمهاتهم عندما كانت صيحات الفزع تدب بين الهاربين سنة النكسة (1967) مثلي أنا، وعلموا فيما بعد من روايات الجد أو الأب أن الجنود السوريين فروا من الجبهات قبلهم بأوامر عسكرية، وهذا خذلان مزدوج تغريبة ضياع الأرض وخذلان حماتها.

في تفاصيل التغريبة الفلسطينية يعود حاتم إلى ما يشبه الحدث السوري سنة النكسة ودلالاته فمفاتيح البيوت كانت أمل النازحين في العودة إلى بيوتهم كما أقرانهم في النكبة، كذلك اللباس واللهجة والدموع وكبار السن.. لكن باستثناء سوري خالص هو أن حدوداً سيحميها جنود الوطن ستكون فاصلة بينهم وبين الحلم على عكس ما حصل في تغريبة الفلسطيني الذي حمل السلاح ليصير لاجئاً ثم فدائياً أما السوري المطرود فبقي نازحا فقط ثم نازحاً مرة أخرى بقصف الطائرات السورية.

في كل موت تخرج أصوات ناشزة لتتهم وتصنف، ومع موت حاتم أعاد البعض سيمفونية التخوين والطائفية سواء ممن يحسبون على الثورة أو النظام، وفي المقلب الأول أراد البعض من الرجل مواقف وتصريحات واضحة تجرّم النظام القاتل وتنتمي للثورة، وفي المقلب الثاني طالب البعض بتخوينه واحتسابه على من فروا من الوطن.

أمام هذا التوافق مرت هذه الأصوات الناشزة كأنها لم تكن وتكفل بها من أسكتها، وعاد حاتم إلى الشام بنعوة خالصة وخالية من شعارات مؤسسات النظام، وبعراضة شعبية أصيلة سورية لا تنتمي إلا إلى سوريا التي يريدها الجميع..سوريا التي تشبه السوريين فقط.

بكى السوريون في حاتم غربتهم وهجرتهم ونزوحهم، وكذلك خذلانهم ممن كانوا حماة أرواحهم وبيوتهم، وبكوا افتراقهم ودماءهم الرخيصة، وكذلك رجلاً وثّق كل ذلك وأكثر من أحلامهم وأحزانهم، وحملوه كمن يقول: واغربتاه.. في اشتهاء لوطن حطمه الطغاة والخونة واللصوص على أمل لحظة عودة من تغريبتهم السورية.

كلمات مفتاحية