تعالوا إلى جولة سياحية في سوريا

2021.11.04 | 06:02 دمشق

thumbs_b_c_b0f09620059d17f3d3041d708bdf3903.jpg
+A
حجم الخط
-A

ازدهرت على موقع يوتيوب القنوات الخاصة بسوريا، أي تلك التي يقوم فيها هواة بتصنيع ونشر مقاطع فيديو، يصورون فيها المدن السورية، بشوارعها، ومعالمها، والأرياف بقراها وحقولها.

غالبية ما ينشر في هذه القنوات، يميل مع أهواء من يتابعونها، ونقصد السوريين المغتربين، الذين غادروا البلد منذ زمن طويل، أو المنفيين الذين يحنون إلى مدنهم وبلداتهم، أو المهجرين الذين يعصف بهم الشوق لرؤية بيوتهم، التي تفصلهم عنها مسافات، قريبة ربما، لكنها متخمة بالموانع، من حواجز، وميليشيات، وجلسات تحقيق محتملة، وسجون!

بعض هذه القنوات تقدم أفلاماً من مناطق سيطرة النظام، ولا سيما من مدينتي دمشق وحلب، وتعمل على إبراز الحياة اليومية لسوريين، معقمة من المواقف المحرجة، كإظهار فقر الحال، أو الطوابير، وغير ذلك.

بعض هذه القنوات تقدم أفلاماً من مناطق سيطرة النظام، ولا سيما من مدينتي دمشق وحلب

فيكون المشهد الذي تلتقطه كاميرات أصحابه سياحياً، متصلاً بسوريا السابقة، أي قبل عام 2011، حيث يجهد صناعه من أجل أن تبتلع الصور التي يقدمونها، عقداً كاملاً من الأذى الذي أصاب السوريين، فينجحون وعبر فلاتر شتى في مساعيهم، تبدأ باختيار ما يجب عرضه، وتمر عبر تحديد اللقطات العامة آلية للتصوير، وصولاً إلى التجميل اللوني للمشهد العام الباهت المقفر، وبذلك لا تظهر سوريا المصورة في الفيديو، مثل تلك التي يعيشها سكانها حالياً، بل أخرى منسية، يعرف المشاهدون أنها لن تستعاد بشكل حقيقي، إلا بعد نهاية الكارثة التي أصابتهم تحت حكم النظام الذي يحكمهم.

أتابعُ ومنذ فترة قناة شخصية على يوتيوب، تقدم شيئاً مغايراً، بشكل وأسلوب مختلفين عما هو سائد، تقوم صاحبتها بتقديم شوارع دمشق وأحيائها كما هي. فهي لا تفعل شيئاً في صناعة الفيلم سوى تصوير ما تشاهده في أثناء جولتها اليومية، والتي تقصد خلالها التسوق من متجر ما، أو سوق شعبي، أو قضاء بعض المعاملات في هذه الدائرة أو تلك المؤسسة.

ما يميز هذه القناة هو صدقها، وعدم زركشتها أو فلترتها لما تصوره، ويزداد محتواها إثراءً عندما تعرض في نهاية الفيلم المواد التي تم ابتياعها، والأسعار التي تم دفعها مقابلها!

وكخلاصة لما يُقدم هنا، لا يستطيع أحد أن يكذب عن سوء حال السوريين، في بلدهم، عبر الادعاء بأن الأمور جيدة، وأن البلد تستعيد عافيتها، فالصور لا تجمل الواقع، ففي وسط العاصمة على سبيل المثال، حيث لا يوجد أي بناء متهدم بسبب القصف، ثمة بؤس واضح يتخلل شوارع دمشق الخربة، وجدران أبنيتها، ومثلها الأرصفة! وإذا دقق المشاهد في وجوه العابرين، فهو بالتأكيد سيرى كيف يغيب الألق عنها، وتحل محله القتامة، والأسى.

وكخلاصة لما يُقدم هنا، لا يستطيع أحد أن يكذب عن سوء حال السوريين، في بلدهم، عبر الادعاء بأن الأمور جيدة

طافحة هذه الأفلام بتوثيق حال الناس، وأخشى أن نصحو ذات يوم، فنجد هذه القناة، وغيرها، قد أوقفت وحجبت عن النشر، على يد مخابرات النظام، الذي يسعى بوقاحة قل نظيرها، إلى إقناع دول العالم كلها بأنه مسيطر، وأن الأوضاع تحت إدارته جيدة، فتنشر وكالة سانا التابعة له تقريراً منقولاً عن موقع الإذاعة الألمانية (دويتشه فيله) جاء فيه أن وكالات سفر أوروبية استأنفت تنظيم رحلات سياحية إلى سوريا، تحت عنوان "زيارة إلى مدن الأديان والثقافات القديمة والمأكولات الشهية"!

احتفاء سانا بالتقرير، وتوظيفها له، في سياق بروباغندا الأمن والأمان في سوريا الأسدية، يختلف تماماً عن غاياته الأصلية، فالعودة إلى نصه الأصلي توضح أن الإذاعة الألمانية تنقل تفاصيل إعلانات بعض وكالات السفر المحلية، ولا تدعي توجه وفود سياحية ألمانية إلى سوريا، ويعرف كثيرون أن هذه العروض ليست جديدة، وهي مضافة دائماً إلى مواقع وصفحات كل وكالات السفر، فحين يفتش المرء عن اسم سوريا فيها، سيعثر على إشارة الوكالة عن قدرتها على تنظيم سفر وفود سياحية صغيرة بحسب الطلب، وهنا نضع خطاً تحت العبارة السابقة، أي أنها تبيع خدمة لمن يطلبها، ولا تقوم بعرض سلعة متاحة لديها، وهذا هو الفرق بين الحالتين، كما أن أهم عنصر في عملية تنظيم الرحلات أي توفر الأمان للسياح، وكذلك التأمين الخاص بهم، لا يقعان على عاتق الشركة المعلنة، لا بل إن العملية كلها مشروطة وقابلة للإلغاء بحسب الوضع الأمني، وهذا ما تشير له بعض الشركات التي تم ذكرها في تقرير سانا!

احتفاء سانا بالتقرير، وتوظيفها له، في سياق بروباغندا الأمن والأمان في سوريا الأسدية، يختلف تماماً عن غاياته الأصلية

ما الذي يفعله إعلام النظام، حينما يقوم بنشر مثل هذه التقارير؟ متجاهلاً تقارير أخرى على صفحة الإذاعة الألمانية ذاتها، تجاور التقرير الذي يحتفي به، تتحدث عن آلاف السوريين الذين يقصدون بيلاروسيا ليتسربوا عبر حدودها إلى بولونيا، وإلى ألمانيا من بعدها هرباً من جحيم بلدهم!

يمكن الإجابة على السؤال بأنه الكذب، وربما الإنكار، لكن بالتأكيد، وفي العمق هذا "تلفيق وطن" لم يعد متوافراً سوى في ذاكرتنا، أو في الأوهام، التي تروجها صحافة الأسد.

فحيث لا يمكن للسوري نفسه أن يجول في بلده، إلا تحت وقع الارتجاف والخوف من الحواجز والخطف، كما جرى مع بعض السوريين العائدين من الخليج، والأردنيين الذين حاولوا زيارة الشام أيضاً، لا وجود لسياحة حقيقية، وربما لا وجود فعليا للحياة، سوى ذلك العبور في أمكنة بات أصحابها يحاولون النجاة منها، بعد أن صارت أشبه بالجحيم.