تصعيد ما قبل "النووي".. تموضع مستجد على ركام المنطقة

2021.10.29 | 06:28 دمشق

87.jpg
+A
حجم الخط
-A

ترتفع مؤشرات التوتر والقلق في المنطقة، إما العودة إلى الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران، وإما زيادة منسوب القلاقل والفوضى. تحاول الولايات المتحدة الأميركية إيجاد الأرضية اللازمة للعودة إلى المفاوضات والاتفاق.

داخلياً هي غير قادرة على تقديم أن تنازل لطهران، أما خارجياً فتبذل واشنطن جهوداً كبيرة لإقناع الحلفاء بصوابية السير نحو الاتفاق وتجديده. إيران في المقابل تبحث عن تعزيز فرصها أكثر أكثر وزيادة شروطها.

بحال كانت العودة قريبة وجدية، يمكن حينذاك الحديث عن إعادة تحريك سياسي للبحث في الوصول إلى تسويات حول الملفات العالقة بالمنطقة ككل. أما في حالة الفشل، فيمكن عندها توقع كثير من التصعيد العسكري والأمني في المنطقة، ولكنه لن يصل إلى حدود الصدام المباشر.  

سلكت إيران مع حلفائها سلوكاً يعرفه اللبنانيون جيداً وخبروه قبل سنوات عندما كان لبنان هو ساحة التماس المباشر بين واشنطن وطهران.

على وقع هذه التطورات، ثمة حركة إسرائيلية مشهودة لا بد من التوقف عندها، لا سيما زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى روسيا والبحث مع الرئيس فلاديمير بوتين في المخاوف الإسرائيلية من تنامي دور إيران الإقليمي ونشاطها النووي. تعيش إسرائيل على قلق كبير في هذه المرحلة، تحاول بكل قوتها أن تعرقل مساعي الاتفاق بين واشنطن وطهران، فيما تسعى الإدارة الأميركية إلى طمأنة الإسرائيليين من خلال القول إن البند الأساسي والأول في أي مندرجات للاتفاق النووي هو توفير أمن إسرائيل، هو البند المقدس بالنسبة إلى واشنطن وإن لم يكن بشكل علني.

وكنوع من زيادة منسوب التطمين الأميركي للإسرائيليين، يتم البحث بما يسمى الخطة "ب" بحال لم ينجز الاتفاق الأميركي الإيراني. والتي تقوم على رفع منسوب التنسيق السياسي والأمني والعسكري، ليس بين أميركا وإسرائيل فقط إنما مع روسيا أيضاً، ما قد يشكل مزيدا من عناصر التطويق لطهران. لن يعني ذلك الاستعداد للدخول في مواجهة عسكرية مباشرة، ولكن بالتأكيد سيزداد منسوب الضربات الأمنية والعسكرية التي ستوجهها تل أبيب ضد مواقع إيرانية أساسية. 

حادثة الطيونة والتي أعطت انطباعاً أن الحرب قابلة لأن تتجدد في أي لحظة بلبنان، حرب لا يريدها أحد حتماً، ولكنها ورقة تخويف جديدة تعرف إيران وحلفاؤها كيفية استخدامها لتحسين الشروط السياسية

كانت طهران قد استبقت ذلك بمجموعة خطوات تصعيدية في المنطقة، خصوصاً بعد نتائج الانتخابات العراقية، فسلكت إيران مع حلفائها سلوكاً يعرفه اللبنانيون جيداً وخبروه قبل سنوات عندما كان لبنان هو ساحة التماس المباشر بين واشنطن وطهران. اتخذ العراقيون المحسوبون على طهران وخصوصاً الحشد الشعبي موقفاً واضحاً في رفض نتائج الانتخابات، ودعوا إلى اعتصامات هدفها شل الحركة السياسية في العراق لتلبية شروطهم وهي تشكيل حكومة متوازنة يكون لهم حصة مؤثرة ومقررة فيها، هذا على الصعيد السياسي. في سوريا، عاد منسوب التوتر الأمني من خلال رسائل بعمليات متنوعة يتقدم على ما عداه، وصولاً إلى حدّ استهداف قاعدة التنف بطائرات مسيرة، كنوع من تبادل الرسائل مع الأميركيين، في حين ذلك سيكون له أثر سلبي على الإسرائيليين الذين يعتبرون أن مشروعهم الأساسي يجب أن يتركز على ضرب مرتكزات مشروع الطائرات المسيرة الإيرانية لأنه قابل لأن يتحول إلى سلاح مخيف جدا ومهدد للأمن الإسرائيلي. يأتي هذا التصعيد الإيراني في موازاة التصعيد العسكري في اليمن وسط إصرار بالدخول إلى مأرب والسيطرة عليها، وهذا سيكون له انعكاسات متوترة بين طهران والمملكة العربية السعودية.  

يشعل الإيرانيون جبهات متعددة من بينها الجبهة اللبنانية سياسياً وأمنياً، وصولاً إلى مقتضيات تعطيل عمل الحكومة ومنعها من عقد الجلسات الوزارية إلى حين اتخاذ قرار حاسم يقضي بوقف التحقيقات بتفجير مرفأ بيروت أو بتجويفها من مضمونها، يتزامن ذلك مع تصعيد شعبي وسياسي على الأرض خصوصاً بعد حادثة الطيونة والتي أعطت انطباعاً أن الحرب قابلة لأن تتجدد في أي لحظة بلبنان، حرب لا يريدها أحد حتماً، ولكنها ورقة تخويف جديدة تعرف إيران وحلفاؤها كيفية استخدامها لتحسين الشروط السياسية. إنها مرحلة مفصلية تعيشها منطقة الشرق الأوسط ذات الجبهات المشتعلة أمنياً وسياسياً. التصعيد القائم قد يكون مقدمة للعودة إلى الاتفاق النووي وفق شروط سياسية تراعي مصالح الجميع، لكنها لا تنهي الأزمات والخلافات القائمة بين القوى الإقليمية وحلفائها المحليين في كل دولة. أما بحال لم ينجح التصعيد بالوصول إلى وضع أرضية لاتفاق معين، فذلك يعني أن المنطقة مرشحة للدخول في دوامة جديدة من الفوضى.