تشويه تاريخ سوريا.. من حزب البعث إلى هيئة تحرير الشام

2021.10.03 | 07:17 دمشق

anosra.jpg
+A
حجم الخط
-A

استغلّت التنظيمات الجهادية في سوريا التحوّل التاريخي والاستثنائي في أفغانستان بعدما وصلت جماعة تؤمن بالدولة الدينية (الثيوقراطية) إلى الحكم والسلطة بعد توافق بين جماعة طالبان والولايات المتحدة الأميركية قضى بانسحاب الأخيرة وتسليم الدولة للجماعة.

رأت بعض التنظيمات الجهادية العاملة في سوريا في النموذج الأفغاني فرصة للوصول إلى السلطة في مستقبل سوريا أو المشاركة بها، بعدما بدأت بالفعل بحراك واسع على مستوى المحاضرات والندوات الفكرية للحديث عن التجربة الأفغانية ومقارنتها بالتجربة السورية وبطبيعة الشعبين السوري والأفغاني والتشابه الكبير بينهما، والاستشهاد بتاريخ سوريا وإسقاطه على الواقع الحالي من حيث الطبيعة المجتمعية للشعب السوري الميّالة للدولة الدينية أكثر مِن تلك الديمقراطية فهل بالفعل الشعب السوري عندما كان صاحب كلمة منح السلطة للتكتلات والتيارات الدينية؟

حزب الشعب.. الليبراليّة السوريّة المنسيّة عمداً

لا شكّ أن التجربة السورية إبان الحقبة الديمقراطية كانت مميزة للغاية تخللها منافسة بين العديد من الأحزاب التي تحمل الفكر والتوجه الوطني كمنطلق أساسي للمنافسة في السلطة، تشكلت الأحزاب السورية من السياق السوري والتفاعلات السياسية حول قضايا عديدة مثل المواقف من دستور 1930 والموقف من اتفاقية الاستقلال 1936 والموقف من التعديلات الدستورية فيما يتعلق بولاية ثانية للرئيس شكري القوتلي كذلك التوجهات الرأسمالية والبرجوازية.

في البداية نشأت الكتلة الوطنية ثم انشق قسم منها وشكلوا ما عُرف بالكتلة الدستورية قبل أن تتحول تلك الكتلتان بعد الاستقلال إلى أحزاب فالكتلة الوطنية تجسّدت بالحزب الوطني الوسطي المحافظ، أما الكتلة الدستورية تبلور عنها حزب الشعب الليبرالي الكلاسيكي.

حزب الشعب برئاسة رشدي الكيخيا الرجل الذي رفض رئاسة سوريا بعد الانفصال تصدر خلال حقبة الديمقراطية السورية أصوات السوريين في البرلمان السوري بين الأعوام 1949-1963 مع الآخذ بعين الاعتبار فترة الوحدة 1958-1961.

إنّ تصدر هذا الحزب لعدد أعضاء البرلمان السوري المكوّن من 104 مقاعد يعكس بُنية المجتمع السوري بعد الاستقلال الذي كان يحمل أفكارًا حداثية متقدمة ليس فقط على مستوى سوريا وحدها وإنما على مستوى الوطن العربي بالعموم، وهذا على عكس ما تدعيه بعض التنظيمات الإسلامية السورية ولا سيما العسكرية على أنّ الشعب السوري لا يؤمن بالقيم الديمقراطية بل هو أقرب للنموذج الديني الثيوقراطي وهذا بالطبع غير صحيح وتزوير للتاريخ السوري فحتّى الأحزاب المحافظة السورية كانت تؤمن بالقيم الديمقراطية كالحزب الوطني على سبيل المثال.

المجتمع السوري بعيد كل البعد عن التشدد وعن النماذج التي تقوم بطرحها الجماعات الجهادية أو حتى الإسلامية المتطرفة، ولعلّ انضمام الكثير من الشباب إلى هذه التنظيمات سببه إفراط النظام السوري باستخدام العنف والطائفية وإحداث انزياح في الحواضن الاجتماعية السنية مقابل تمدد مكونات غير سورية طائفية في الجغرافيا السورية، وبكل تأكيد هذه الحالة لا يستغلها نظام الأسد فقط وإنما كذلك التنظيمات الجهادية للتأكيد أنّ الاصطفاف الطارئ لدى الكثير من الشباب والانضمام لتشكيلاتهم كان من جراء بنية المجتمع السورية الطائفية المعادية غير المتقبلة للطوائف والمكونات الأخرى.

هيئة تحرير الشام.. نموذج دخيل

منذ تحول جبهة النصرة الجناح القاعدي السوري إلى قوة محلية تمثّل العقيدة الجهادية التي تؤمن بالدولة الدينية وترفض كل مبادئ وقيم الديمقراطية سعت إلى القضاء على كل خصومها السوريين الذين يؤمنون بالقيم الديمقراطية ويحاربون النظام السوري ضمن تشكيلات عسكرية مختلفة كالجيش السوري الحر صاحب التوجه الوطني الخالص، وذلك بما يشكلونه من خطر على مشروعهم.

وبعدما استطاعت جبهة النصرة سابقاً وهيئة تحرير الشام حديثاً ذات اللباس المدني الذي لا يؤمن بأي من القيم الديمقراطية ويعتبر الليبرالية كفرا وإلحادا، استطاعت التفرد بالساحة السورية والعسكرية في محافظة إدلب بشكل شبه كامل، بدأت عبر الندوات والمحاضرات الحديث عن التاريخ السوري بكل تأكيد بالطريقة التي تراها تتقاطع مع عقيدتها فركزت بشكل أساسي على الاستشهاد بتنظيمات جهادية مثل الطليعة المقاتلة للتأكيد على بنية المجتمع السوري الدينية الطائفية، بالرغم من أنّ حتى تلك الفترة كانت استثنائية استخدم نظام حافظ الأب ذات الأدوات الطائفية التي استخدمها بشار الأسد في حربه ضد الشعب السوري وكذلك استهلت الهيئة الفرصة للحديث عن تنظيم الإخوان المسلمين ونجاحه في فرض تعديلات على الدستور السوري لذات الأغراض بالرغم من أنّ هذا التعديل ما كان يمكن تحقيقه لولا موافقة الأحزاب الديمقراطية التي تؤمن بمفهوم المواطنة وحتى تنظيم الإخوان ذاته كان يحمل فكراً ديمقراطياً مختلفاً بشكل كلّي عن ذاك الذي تحمله هيئة تحرير الشام والفصائل الجهادية الأخرى.

العطوان.. تزوير مقصود للتاريخ

ظهر الشرعي العام في هيئة تحرير الشام عبد الرحيم عطوان الملقب بـ بأبي عبد الله الشامي في ندوة فكرية في المركز الثقافي في مدينة إدلب للحديث عن مدى التقارب بين التجربتين السورية والأفغانية وكيف يمكن التعلّم من التجربة الأفغانية واسقاطها على سوريا، العطوان يعلم جيداً مدى الاختلاف الكبير بين الشعبين السوري والأفغاني وكذلك يدرك مدى التفاوت في الأهداف الأساسية التي قام لأجلها السوريون.

لم يسعَ الشعب السوري للتحرر من سلطة الاستبداد فقط وإنما كانت الشعارات الوطنية واضحة من خلال مطالب بناء الدولة المدنية التي تستوعب كل السوريين بصرف النظر عن توجهاتهم، ولكن نجح النظام السوري والمجتمع الدولي بتقاعسه عن نصرة السوريين في آخذ الثورة إلى مكان آخر مختلف، بالرغم من ذلك قفز العطوان عن كل هذه السيرورة كعادته وكعادة التنظيمات الجهادية وشكل صورة مضللة على أنّ الثورة السورية قامت لأهداف دينية خالصة ليس للخلاص من الاستبداد وإنما للخلاص من العلوية السياسية هذا التضليل ليس غريباً عن هيئة تحرير الشام والتنظيمات المشابهة لها التي شاركت النظام السوري في مساعيه لتطيّف الثورة.

لم يكتفِ بذلك بل حاول تزوير التاريخ السوري دون أن يتحدث عن الحقبة الديمقراطية وعن الشخصيات السورية الوطنية أو حتى عن الأحزاب التي كانت انعكاساً للبنية الاجتماعية السورية المتفاعلة بشكل كبير في تلك الحقبة، ركّز العطوان على القتال الذي حدث بين النظام السوري وبين الإخوان المسلمين ليقول إنّ الحرب السورية لطالما كانت بين طائفية فقط وليس صراع بين فئة مستبدة تحكم بالحديد والنار وبين شعب مضطهد بكل "أطيافه"، بكل تأكيد هذه الطريقة في تزوير التاريخ عبر التركيز على حدث دون الآخر وإغفال عناصر مهمة تدحض الرواية المزعومة، هذه السياسة كان يتبناها ويطبقها النظام السوري في تسخيف الحقبة الديمقراطية عبر وصفها أنّها مرحلة عدم استقرار، في مشهد يعكس مدى التشابه بين الجانبين.