تركيا وثّقت نفوذها غرباً وتتمدد شرقاً

2020.10.08 | 00:50 دمشق

54270.jpg
+A
حجم الخط
-A

وثّقت الأمم المتحدة الأسبوع الفائت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا. إنه أحد أبرز المكاسب التركية في البحر الأبيض المتوسط، بالنظر إلى خريطة الترسيم، يتضح الخط التركي الليبي كيف تتكامل المنطقة الاقتصادية المائية الخالصة التركية الليبية، بشكل لن يتمكن أي تحالف نفطي آخر من تجاوز حضور أنقرة التي تفتح جبهات متعددة من القوقاز إلى الشرق الأوسط. ستكون تركيا حاضرة بقوة في رسم خرائط ومعابر أنابيب الغاز والنفط. حتى الصراع بين أذربيجان وأرمينيا له خلفيات نفطية وغازية حول أحد الأنابيب، إلى جانب الصراع ضمن إطار السيطرة على مساحة جغرافية مطلّة على بحر قزوين.

 لم تكن الأمم المتحدة لتقدم على توثيق هذا الاتفاق، بدون موافقة أميركية، تشير إلى حجم التقارب الأميركي التركي في هذه المرحلة، من سوريا إلى ليبيا، وفي أذربيجان والحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. خطوة الأمم المتحدة من شأنها أن تحرج أيضاً حلفاء واشنطن وخصوم تركيا، ذلك الدور التركي الآخذ في التوسع من القوقاز إلى الشرق الأوسط، أو من بحر قزوين إلى البحر الأبيض المتوسط، سيكون عنصراً جديداً من عناصر تنامي الطموح التركي في المنطقة، ولن يقتصر على سوريا وليبيا إنما سيطول لبنان في مرحلة لاحقة. ولبنان قد أعلن إطلاق صفارة مفاوضات ترسيم الحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، أيضاً بهدف الالتحاق بأحد كونسورتيومات النفط والغاز. كل هذه الملفات مترابطة ببعضها بعضا، إنكفاء إيران عن دعم أرمينيا له خلفيات سياسية استراتيجية بأنها لا تريد خسارة التعاون مع تركيا.

 بحال كان لبنان يريد الالتحاق بأحد خطوط تحالف النفط والغاز في المنطقة، فعليه الاختيار بين ثلاثة خطوط، إما الخط الخليجي الإسرائيلي، أو الخط المصري العراقي الأردني والذي سيكون بأحد جوانبه خاضعاً لمعيار إسرائيلي وتفاهم مع إسرائيل. أو الخط الثالث الذي تتصدره تركيا ويرتبط بليبيا نفطياً وبحرياً، ويمتد سياسياً من باكستان وأفغانستان إلى قطر وليبيا وجزء من سوريا وغزة.

 في العام 2008 في إحدى محاضرات هيلاري كلينتون في جامعة tufts  في بوسطن، قالت يومها إن أميركا في الشرق الأوسط لديها حلفاء كثر في الشرق الأوسط، ولكن اعتبرت حينها أن تركيا أهم حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، فتركيا هي الناتو، وعلى مشارف أوروبا، وما بين الشرق والغرب، وتمثل موقعاً استراتيجياً.

نظرة كلينتون ليست بعيدة عن نظرة هنري كيسنجر، الذي يعتمد في كل رؤاه على التحالف الاستراتيجي مع أنقرة في الشرق الأوسط، وكيسنجر هو أحد أكبر المتأثرين والمحبذين لبرنارد لويس، صاحب وجهة النظر التي لا تعترف بالإبادة التركية للأرمن، لأن الأرمن الذين كانوا في أنقرة وإسطنبول لم يتم التعرض لهم، ولو كان الاضطهاد عرقياً أو إثنياً لكان تم ذبح الأرمن في كل الأماكن. حتى داخل الولايات المتحدة هناك نصائح كثيرة بعدم اتخاذ مواقف معادية لتركيا، جانب من هذه النصائح وجهت إلى المرشح الرئاسي جو بايدن الذي كان قد أطلق تصريحات عنيفة جداً.

تشكل تركيا حليفاً استراتيجياً لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط، أولاً في مقابلة إيران وطموحها ومشروعها، ثانياً في حضورها كقوة تجعل كل حلفاء روسيا القدامى يلجؤون إلى واشنطن طلباً للتحالف والحماية، كاليونان وقبرص وصربيا، وحتى أرمينيا التي وجدت نفسها قد خذلت من موسكو وطهران. كما أن تركيا قادرة على لعب دور أساسي بالتعاون مع الأميركيين بما يبقي الاتحاد الأوروبي على قلق، وبما يمنع روسيا وإيران من تحقيق كل ما تريدانه في سوريا.

 في تموز الفائت أرسلت تركيا طائرات مروحية لإجراء تدريبات روتينية في أذربيجان، يعني ذلك أن ما يحصل هو أمر مخطط له

في تموز الفائت أرسلت تركيا طائرات مروحية لإجراء تدريبات روتينية في أذربيجان، يعني ذلك أن ما يحصل هو أمر مخطط له. من جهة أخرى أيضاً تحولت أذربيجان إلى حقل تجارب للصواريخ الإسرائيلية، هذه الصواريخ يرجح أن إسرائيل ستعمل على استخدامها في أي مواجهة مع إيران أو حزب الله في لبنان، لأن هذه الصواريخ الذكية قادرة على استهداف أي موقع تخرج منه صواريخ الحزب. ويمكن التحكم بها عبر تقنية gps. ولن يكون هناك حاجة لتسيير الطائرات واستهداف المواقع الأمر الذي يستغرق وقتاً.

 موقف إيران مما يجري في أذربيجان وأرمينيا من أسوأ المواقف على الإطلاق، وعينها تتجه إلى أفغانستان وهي تعلم أن السيطرة هناك ستكون لحركة طالبان، ولن تكون طهران قادرة على حماية الهزارة والشيعة هناك بدون تفاهم مع تركيا.

يأتي ذلك بعدما حصل صدام تركي إيراني في سوريا، وفي أذربيجان، وهذا سيؤسس لصدامات متعددة في وقت لاحق، طالما أن تركيا لن تمضي بالمزيد من التوسع غرباً بعد رسم حدود النفوذ في البحر المتوسط والعمل على عقد جلسات تفاوض بين تركيا واليونان وقبرص.

وبالتالي التوجه التركي سيكون شرقاً المرحلة المقبلة. وهنا لا بد من الإشارة إلى موقف تركيا من الإيغور في الصين، وهي الدولة الوحيدة التي انتقدت ممارسات الصين ضد هذه الأقلية المسلمة، وقد حظي الموقف التركي بدعم أميركي، سيكون له أبعاد استراتيجية على الصعيد الدولي يعزز متانة التحالف التركي الأميركي وسيؤسس لمزيد من توسع تركيا ودورها في منطقة الشرق الأوسط.