تركيا في "المؤشر العربي"

2020.10.09 | 01:06 دمشق

ae4cc243c4ff5f3a570ce6ebbebe47ba4437a5b3.jpeg
+A
حجم الخط
-A

أعلن المركز العربي في 6 أكتوبر 2020 استطلاع المؤشر العربي والذي شمل 13 بلدا عربيا بهدف الوقوف على اتجاهات الرأي العام العربي نحو عدد من القضايا في الفترة بين نوفمبر 2019 ويوليو 2020،  وقد حقق الاستطلاع الذي يقيمه المركز العربي نجاحا وجذب اهتمام العديد من الباحثين والمتابعين.

ومن الأسباب التي تجذب الاهتمام أن المسح الذي أتم من خلال الإعلان الأخير دورته السابعة يعد أضخم مسحٍ للرأي العام في المنطقة العربية؛ سواء أكان ذلك من خلال حجم العينة، أم عدد البلدان التي يغطيها. فضلا عن أن الجهة التي تمول المسح هي جهة عربية معروفة وليست جهة من خارج المنطقة.

مع أن المؤشر غطى قضايا عدة مثل المشاركة السياسية والديمقراطية والثورات العربية والإنترنت والدين وغيرها فسوف أسلط الضوء في هذا المقال على النتائج المتعلقة بتركيا لأن هذا متعلق بمجال اختصاصي من جهة وللنظر في الفارق بين الرؤية الرسمية والشعبية تجاه الدور التركي في المنطقة، وربما تكون فرصة لمقارنة النتائج باستطلاعات رأي تركية للاطلاع على كيفية نظر الشعوب إلى بعضها البعض.

وفي هذا السياق أذكر هنا أيضا أن أكاديميا تركيا طلب مني في حال اطلعت على نتائج المؤشر العربي أن أحيطه بأهم النتائج وذلك لأن لديه اهتماما بمعرفة توجهات الرأي العام العربي. وتجدر الإشارة أنه قد يكون من المهم ترجمة النتائج أو تحليلها من خلال مقالات أو ملخصات للغات أخرى.

لعل أهم ما جلب الاهتمام في نتائج المؤشر العربي لهذا العام أنه بالرغم من حملات التطبيع إلا أن اتجاهات الرأي العام نحو الدول الأكثر تهديدا للمنطقة العربية بقيت ترى إسرائيل والولايات المتحدة في رأس قائمة التهديد.

لعل أهم ما جلب الاهتمام في نتائج المؤشر العربي لهذا العام أنه بالرغم من حملات التطبيع إلا أن اتجاهات الرأي العام نحو الدول الأكثر تهديدا للمنطقة العربية بقيت ترى إسرائيل والولايات المتحدة في رأس قائمة التهديد حيث كانت نسبة إسرائيل 23% في حين كانت نسبة الولايات المتحدة 14% وهذا يدل بوضوح على الهوة بين الرأي العام والسياسات الرسمية العربية.

وبهذا يكون قد وافق 66% من المستجيبين على أن إسرائيل والولايات المتحدة مجتمعتين هما الدولتان الأكثر تهديدا لأمن الوطن العربي وجاءت إيران في المرتبة الثالثة بنسبة 12%.

وهذا ينسجم مع نظرة الرأي العام التركي فقد أشار استطلاع رأي سنوي ( أجري على 1000 شخص في 26 محافظة تركية) تجريه جامعة قدير خاص في نسخته التي صدرت في يوليو 2020 أن 70% من المشاركين يرون الولايات المتحدة ضمن الدول التي تشكل تهديدا لتركيا وتليها إسرائيل بنسبة 66% ثم النظام السوري ثم إيران واليونان.

أما حول النظرة لدول المنطقة التي تعتبر تهديدا في استطلاع المؤشر العربي فقد حلت إيران بنسبة 13%  ودول عربية مجاورة كتهديد لدول عربية أخرى بنسبة 11%  ودول عربية بنسبة 4% . كما جاءت فرنسا بنسبة 5% بالرغم من أن النسبة الأعلى كانت في المغرب العربي. وكما أشارت النتائج فقد كان هناك انقسام حول الدور الفرنسي لدى المستجيبين بينما الحال في استطلاعات تركيا أكثر وضوحا حيث اعتبر ما بين 53% في 2020، و65% في 2019 أن فرنسا تعتبر تهديدا لتركيا.

أما حول نظرة المستجيبين في البلدن العربية إلى تركيا وبالنظر إلى قائمة الدول التي تعتبر مهددة فلم تكن تركيا بين أول 6 دول تعتبر مهددة للمنطقة العربية وفق نتائج المؤشر حيث حلت تركيا في المرتبة السابعة في قائمة الدول التي تعتبر تهديدا للمنطقة العربية بنسبة 2% وقد كانت أعلى منطقة عربية تتفق مع هذه الرؤية هي وادي النيل  (مصر والسودان حسب المؤشر) وقد يعد هذا منطقيا بالنظر إلى العلاقة التركية المصرية الحالية والتغطية الإعلامية لتركيا في الإعلام المصري.

ولعل اللافت للانتباه هنا أن دولا عربية اعتبرت تهديدا لدول عربية أخرى جاءت في المرتبة الرابعة والخامسة بعد الولايات المتحدة واسرائيل وإيران.

حصلت السياسة الخارجية التركية على أعلى نسبة إيجابية بين السياسات الخارجية لبعض الدول الكبرى والإقليمية تجاه بلدان المستجيبين في المؤشر العربي حيث رآها 58% أنها إيجابية وتلتها السياسة الخارجية الصينية ثم الألمانية وقد انقسم الرأي العام العربي في المؤشر حول السياسة الفرنسية.

أما بخصوص السياسة التركية تجاه فلسطين فقد انقسم الرأي العام حول سياسات تركيا نحو فلسطين حيث قُيّمت السياسة التركية هنا بأنها إيجابية بنسبة 42% وأنها سلبية بنسبة 41%، ومع أن العلاقات التركية الإسرائيلية في وضع متدهور الآن فقد شهدت العلاقات صعودا وهبوطا في مراحل سابقة، وبالرغم من أن تركيا تدعم القضية الفلسطينية دبلوماسيا وإنسانيا فإن هناك تطلعا فلسطينيا لدور تركي أفضل.

على جانب آخر قيم 38% من المستجيبين سياسات تركيا تجاه سوريا بأنها إيجابية مقابل 46% بأنها سلبية وهذا أيضا يبدو رقما منطقيا بالنظر للانقسام في سوريا  حتى بين المعارضين للنظام تجاه الموقف التركي من سوريا.

من الأرقام التي كانت لافتة للانتباه أن 42% من المستجيبين قد وصفوا سياسات تركيا تجاه ليبيا بالسلبية في حين رآها 31% إيجابية وكذلك الحال بالنسبة للسياسات التركية نحو اليمن حيث رآها 32 إيجابية بينما رآها 47 سلبية، ولعل النقطة التي نقف عليها هنا أن استطلاع المؤشر العربي لم يتم إجراؤه في اليمن أو ليبيا.

مقارنة بالسنوات الماضية فقد تراجع عدد الذين يعتقدون أن سياسات تركيا تشكل تهديدا للمنطقة العربية من 38% في 2016 إلى 35% في 2020 فيما اعتقد 53% أن تركيا لا تشكل تهديدا للمنطقة العربية، وهذه النسب تعتبر إيجابية في النظرة العربية مقارنة بالنظرة لبقية سياسات الدول حيث يعتقد 89% أن سياسات إسرائيل تهدد أمن المنطقة واستقرارها، ثم سياسات الولايات المتحدة بنسبة 81% وسياسات إيران بنسبة 67%، وبنسبة 55% لسياسات روسيا، وبنسبة 43% لسياسات فرنسا.

لعل أكثر الأرقام التي بدت أنها ترى في سياسات تركيا تهديدا جاءت من مصر ثم العراق وهذا أيضا ليس بالغريب في ظل العلاقات الحالية بين تركيا والبلدين ومع ذلك لا تبدو هذه النسب عائقا أمام تحسين العلاقات بين تركيا والبلدين بالنظر للمستوى الشعبي. أما على المستوى الحكومي فإن الاصطفافات الإقليمية وتحديدا في حالة مصر تصعب من أي محاولات تقارب.

ما يبدو واضحا في تقرير المؤشر العربي هو الفجوة الكبيرة بين الرأي العام العربي والحكومات العربية والجامعة العربية في معظم القضايا سواء في التطبيع مع الاحتلال أو في العلاقة مع القوى الإقليمية والدولية وحتى في أولويات التهديد.

وعلى صعيد موضوع النقاش في هذا المقال فقد وصف بعض مسؤولي الدول العربية سابقا خلال العامين الماضيين تدخل تركيا في الشأن العربي بأنه سافر وأنه تهديد لأمن واستقرار المنطقة وقد أشار بعض الكتاب "إلى تهديد تركيا لأمن واستقرار الخليج بل اعتبار ذلك تهديدا جديا واستراتيجيا"، ومع أن هناك اختلافات مع تركيا وهذا منطقي وأن تركيا دولة تسعى لمصالحها كجميع الدول وتنافس لتحصيل أكبر قدر من المكاسب  إلا أن النظرة الرسمية العربية لها كتهديد والدرجة التي تصنفها بها على أولويات التهديد لا تنسجم بل تتعارض مع استطلاعات الرأي العام العربي ورؤيته لأولويات التهديد.