تركي علم الدين: ضابط الأمن صديق البيئة

2020.09.07 | 00:01 دمشق

02.jpg
+A
حجم الخط
-A

منذ حوالي شهر منحت «جمعية أصدقاء البيئة في السويداء» العميد المتقاعد تركي علم الدين شهادة شكر وتقدير «لمواقفه الوطنية والاجتماعية والإنسانية والبيئية». المواقف «الوطنية» للرجل قابلة للفهم، في سياق سوريا الأسد، بالنظر إلى أكثر من ثلاثة عقود قضاها في جهاز المخابرات العامة (أمن الدولة). أما مواقفه الاجتماعية فيشهد عليها مكتبه في الفرع الداخلي (251)، في جادة الخطيب بدمشق، مستقبِلاً زواراً كثيرين من أبناء محافظته، ساعياً في ترقية هذا أو تعيين تلك أو نقل ابن ذاك من قطعته العسكرية بعيدة أو تأمين سكن في المدينة الجامعية لطالب مستجد. لكن، في الحقيقة، يصعب علينا تبيّن مواقفه «الإنسانية» إذا أخذنا في الاعتبار شهادات الكثيرين الذين ذاقوا التعذيب أثناء تحقيقه معهم. أما نشاطاته البيئية، التي حملت هذه الجمعية المختصة على تكريمه، فلا يمكن فهمها إلا إن تذكّرنا الوصف الذي أطلقه رئيسه بشار الأسد على معارضيه بأنهم جراثيم.

رغم قلة أهميته الشخصية، سيعثر دعاة حقوق الإنسان على اسم تركي علم الدين في مذكرات سجنية كثيرة بشكل لافت. من نقيب إلى عميد يمكنك تتبع مسيرة هذا الضابط المهنية الوئيدة وتسلسل رتبه منذ أواسط السبعينات؛ يعتقل الإخوان المسلمين ويداهم قواعد الطليعة المقاتلة، يقود الدوريات للقبض على أعضاء حزب العمل الشيوعي (الرابطة) أثناء لقاءاتهم في مقاهي العاصمة وكافيترياتها، يسجّل إفادة هبة الدباغ ويستدعي علي فرزات ويحقق مع فراس السواح ويُجبر نزار نيوف على التوقيع على أوراق غامضة، وأخيراً يبلغ ميشيل كيلو أن القيادة الأمنية قررت اعتقاله، بعد صدور إعلان دمشق-بيروت في أيار 2006، في إحدى مهام ضابط الأمن الأخيرة.

ولد تركي علم الدين عام 1943. وهو من بلدة القريّا الشهيرة في ريف السويداء. جاء إلى الفرع الداخلي بجهاز المخابرات العامة في ظل رئيسه الشهير محمد ناصيف (خيربك)، وبقي في الظل ينفذ أوامر «المعلّم» بتفان حتى صار أشبه بنائب لأبو وائل أو معاون له، يثق به في قسم الأديان، ثم ينقله إلى قسم الأحزاب، فيحوّله إلى قسم التحقيق مع استلام المفرزة (قسم المدينة)، وهكذا أينما احتاجه. خلال هذه التنقلات كلها يؤدي تركي عمله بإخلاص لقائد الوطن ودون تذمر، ويتعلم ما يلزمه، ويبني علاقات.

ببشاشته الظاهرة تجاه سلسلة رؤسائه المعلّمين، وبعض مرؤوسيه المدعومين، وحتى بعض الموقوفين الذين يعرف، بخبرته العريضة، أن توصية عاجلة ستأتيهم؛ كان أبو فراس يريد سلّته بلا عنب أو بقليل منه. لم يكن فاسداً بالمعنى المتعارف عليه بين نظرائه. كان حذراً وخبيثاً كخلد. يدرك أن وضعه كضابط درزي بين كثرة علوية يحتّم عليه أن يصانع كثيراً وأن يثبت ولاءه على الدوام. تلك أعراض «عقدة سليم حاطوم».

في «التحقيق» يظهر لعلم الدين وجه آخر، هو وجهه الحقيقي المكبوت ربما. يصبح بذيئاً فجأة. يوعز لعناصره باستخدام أقسى أنواع التعذيب، بينما يكتفي هو بصفع المعتقل أو لبطه ومراقبة ما يفعله رجاله بتلذذ. هدفه الأول هو الاعتراف: من نظّمك؟ من معك في التنظيم؟ أين تقع المقارّ؟ وحين يحصل عليه «كان يكافئ نفسه بسيجارة، ويترك السجين لمساعديه يتسلون به» حسب وائل السواح، أحد معتقلي رابطة العمل الشيوعي، الذي يضيف أن تركي كان «نجم اعتقالات أيار 1978» في الحملة التي طالت تنظيمه. أما الإخوان فقد أثخن فيهم حتى صار أحد المشاركين الهامشيين في التفاوض معهم في الخارج، ثم مرّت السنين وأصبح، بالتقادم، «مستشاراً» رسمياً لهذا الملف حين أعيد طرحه عشية الثورة.

01_0.jpg

في لقاء أجرته معه صفحة «رادار السويداء» الموالية قبل عام مضى، قدّمته فيه على أنه العميد «الذي خدم وطنه وأهله» دون أي إيضاح، ووصفته بأنه «علَم ورمز من رموز» المحافظة؛ كرر الضابط المتقاعد ولاءه للحكم الذي ورثه ويقوده بشار الأسد. لكنه بدا عجوزاً إلى درجة لا يمكن تتطابق مع أي من الصور التي وُصف بها، مستعجلاً بعد أن شارك في تكريم «شهيد حيٍّ» في إحدى البلدات القريبة، ربما لمتابعة أعماله الزراعية التي انشغل بها بعد التقاعد، محترّاً تحت شمس آب.

الرجل، الذي عرف خفايا كل التيارات السياسية السورية أكثر من أي موسوعة، بدا عادياً و«تافهاً»، كما وصفتْ أرندت نظيراً نازياً له، لكن كما عاش دوماً.