ترحيل السوريين من الدانمارك: العنصرية ترتدي وجه الديمقراطية

2021.04.13 | 06:53 دمشق

almanya-tstqbl-allajyyn.jpg
+A
حجم الخط
-A

منذ أن دخلت قضية اللاجئين في بازار المنافسات الانتخابية بين الأحزاب الأوروبية، تصاعدت وتيرة الإجراءات غير العادلة بحقهم في بعض الدول الأوروبية، وعمل معظم اليمين الأوروبي جيداً على تغذية نزعة شعبوية متطرفة، تقترب في أحيان كثيرة من عنصرية واضحة، من أجل كسب مزيد من أصوات الناخبين.

لعل الحكومة الدنماركية هي الأكثر وضوحاً في تطرفها حيال قضية اللاجئين، فقد ألغت هذه الحكومة تصاريح الإقامة لـ 135 (بعض الجهات تتحدث عن 205) لاجئًا سوريًا، بعد أن قررت أن دمشق وريفها، ومناطق أخرى من سوريا كمحافظة الحسكة، ومحافظتي اللاذقية وطرطوس، لم تعد خطرة، وبالتالي فإن أسباب منح الحماية الدولية للقادمين من هذه المناطق قد انتفت، وأنها – أي الحكومة – تراجع تصاريح الإقامة لنحو 900 لاجئ سوري. 

وطالما أن دائرة الهجرة الدنماركية ألغت بالفعل إقامة عدد من السوريين، هذا يعني أن بقاء هؤلاء في الدنمارك يجعلهم مقيمين غير قانونيين، وبالتالي فإن كامل حقوقهم التي حصلوا عليها بموجب إقامتهم سيتم سحبها منهم، بما في ذلك الحقوق المتعلقة باستمرار العمل، والسكن والدراسة.

دعا المرصد "الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان في بيان له الدنمارك، إلى إعادة النظر على الفور في هذا الإعلان الخطير

في شهر آذار الماضي أيضاً، وقبل إجراءات الحكومة الدنماركية بوقف تمديد الإقامات، صدر تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، والمشكّلة بقرار من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ويقول التقرير بوضوح إن سوريا التي مزقتها الحرب، لا تزال تشهد جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وظروف معيشية مزرية، كما أشار التقرير أيضاً إلى أنه لا يزال عشرات الآلاف من المدنيين محرومين بشكل غير قانوني من حريتهم، بينما تعرض آلاف آخرين للتعذيب، أو العنف الجنسي، أو الموت أثناء الاحتجاز. وبدوره دعا المرصد "الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان في بيان له الدنمارك، إلى إعادة النظر على الفور في هذا الإعلان الخطير، الذي يشير إلى انحراف في السياسة الدنماركية نحو اليمين المتطرف.

رئيسة وزراء الدنمارك "ميت فريدريكسن"، كانت قد صرحت في الشهر الأول من هذه السنة بأن الدنمارك لا ترغب باستقبال المزيد من اللاجئين، وهدف حكومتها هو تقليل عدد اللاجئين، للوصول إلى "صفر" طالب لجوء.

قد يكون من حق بلد ما أن يرفض استقبال لاجئين على أرضه، رغم أن هذا يُشكّل تجاوزاً للقوانين والاتفاقات الدولية واستهتاراً فاضحاً بقيم الإنسانية، لكن هذا "الحق" لا يسمح لهذا البلد أن يمتهن حقوق اللاجئين الموجودين فعلاً على أرضه، وإن كانت السيدة "ميت" لا ترغب باستقبال المزيد من اللاجئين، وتصفير عدد طلبات اللجوء المقدمّة لبلادها، فهذا لا يعطيها الحق بأن تحوّل حياة اللاجئين في الدانمارك إلى جحيم، فقط كي تُرهب من يفكر في اللجوء إلى الدانمارك مستقبلاً، وتصل بذلك إلى هدفها "العظيم"، بمنع أي إنسان من التفكير في اللجوء للدنمارك. (بالمناسبة هكذا فعلت عائلة الأسد بالسوريين، عندما كانت تعتقل معارضيها لسنوات طويلة، وتقتلهم في سجونها كي لا يفكر سوري في معارضة هذه العائلة).

رغم أن الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان، والاتحاد الأوروبي كلَهم لا يعتبرون سوريا بلداً آمناً، إلا أن الحكومة الدنماركية تصرّ على اعتبار سوريا بلداً آمناً، ومؤخراً انتشرت في شوارع العاصمة "كوبنهاغن"، ملصقات تدعو السوريين إلى العودة لوطنهم المشمس، ويظهر الإعلان رملاً وشمساً، ونظارات شمسية ارتسم فوقها علم سوريا "بعينيه الخضراوين"، إعلانات تدفع بمن لا يعرف حقيقة الوضع في سوريا، للاعتقاد أن هذه البلاد رائعة للاستجمام، وآمنة، فلماذا لا يعود إليها هؤلاء الحمقى الذين غادروها؟

في حكايات من حرموا حق الإقامة في الدانمارك ما يبعث على الحزن، وعلى الاستياء الشديد، فهناك عائلات طُبق عليها قانون جديد ابتدعته الحكومة الدنماركية، وهو (تفريق الشمل)، وهناك أطفال لا يتكلمون العربية إلا قليلاً، لأنهم عاشوا معظم سنوات حياتهم في الدنمارك مهددين الآن بسحب إقامتهم، هناك طلاب، وهناك عاملون، وعائلات مضى على وجودها ما يزيد على ست سنوات، اجتهدوا خلالها كثيراً، لكي يؤسسوا حياة لائقة بعدما رُحِّلوا قسراً من بلادهم، لكن ها هم الآن وببساطة شديدة يفقدون كل شيء، وعليهم أن يفكروا من جديد بهجرة أخرى.

في رسالة صوتية باللغة الدنماركية، وجهتها طفلة سورية اسمها "ميرال" لرئيسة وزراء الدنمارك ووزير الهجرة، قالت فيها:

  • عندما رحلنا أنا وأمي من سوريا بسبب الحرب، كان عمري شهراً ونصفاً، حملتني أمي وركبت مركبا صغيراً لتعبر بحراً كبيراً، في رحلة خطيرة جداً جداً تسمى رحلة الموت، واليوم ستعيدوننا إلى سوريا، رغم أن الحرب لاتزال هناك، أنا لا أريد الموت هناك، وهل تقبلين أنت السيدة رئيسة الوزراء، والسيد وزير الهجرة أن ترسلوا أطفالكم برحلة قصيرة إلى دمشق الآن؟

وتسأل ميرال:

  • أنا لا أستطيع أن أفهم كيف سترسلونني أنا وأمي إلى سوريا، بينما يبقى أبي وأخي الصغير في الدنمارك.

وتنهي ميرال رسالتها بالقول:

  • يجب أن تعلموا أن بشار الأسد دمّر مستقبلنا وأحلامنا، عندما كنا في سوريا، والآن أنتم تدمرون مستقبلنا، وأحلامنا في الدنمارك.

الإجراء الذي تقترحه الحكومة الدنماركية، هو نقل هؤلاء إلى معسكرات الترحيل سيئة الذكر

قد لا تستطيع الدنمارك ترحيل من تحرمهم من حق الإقامة الآن، لأسباب تتعلق بقرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فهي لا تستطيع أن تضمن عدم تعرض المبعدين لخطر التعذيب أو الاضطهاد السياسي، وحتى التصفية الجسدية، وأيضاً بسبب أن الدنمارك لا تزال تعلن رفضها التفاوض والتعاون مع نظام الأسد، ولا يمكنها إعادة اللاجئين السوريين دون التنسيق مع سلطة الأمر الواقع التي تحكم سوريا، لكن الإجراء الذي تقترحه الحكومة الدنماركية، هو نقل هؤلاء إلى معسكرات الترحيل سيئة الذكر، والتي تعيد إلى الذاكرة معسكرات الاعتقال النازية، حيث سيقيم من ألغيت إقاماتهم حتى يصبح الوضع في سوريا مهيئاً لإعادتهم، الأمر الذي قد يستغرق سنوات.

يعيش اللاجئون السوريون في الدنمارك اليوم في رعب دائم، فهم مهددون بفقدان حق الإقامة، وهم يائسون ولا حافز يدفعهم للعمل والاجتهاد من أجل تحقيق شروط الإقامة والجنسية القاسية، فهم على قناعة أن ما من شيء يفيدهم، وأن الحكومة الدنماركية ستجد سبباً ما لحرمانهم من حق الإقامة، وتقرير ترحيلهم.

لا يأبه بعض ساسة الحكومة الدنماركية المهووسين بالشعبوية، ولعبة الانتخابات بأحلام اللاجئين السوريين، ولا بحقهم في حياة آمنة مع عائلاتهم، ويسخرون من حالة الإحباط واليأس والإحساس الدائم بالخوف التي يعيشها هؤلاء اللاجئون، ويفرحون وهم يشاهدون كيف يرحل السوريون سراً من الدنمارك إلى بلاد أخرى باحثين عن حياة أقل اضطهاداً، وأكثر أمناً.

لقد انتصر قادة "عظماء" في الحكومة الدنماركية في معركتهم "العظمى" ضد لاجئين مستضعفين، بقي أمامهم فقط أن يثبتوا نقاء العرق الدنماركي، بعد نظريتهم بأن الجريمة محمولة على جينات هؤلاء اللاجئين.