ترامب ومستقبل الحزب الجمهوري

2022.11.24 | 07:06 دمشق

دونالد ترامب
+A
حجم الخط
-A

بعد النتائج الهزيلة التي حقّقها الحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية، حيث تمكّن بصعوبة من الفوز في مجلس النواب فقط، حيث تمكّن الديمقراطيون من الاحتفاظ بالسيطرة على مجلس الشيوخ، بعد أن كانت التوقعات تعطيهم فوزاً مريحاً في غرفتي الكونغرس أو ما أطلقت عليه استطلاعات الرأي "الموجة الحمراء" في كناية لفوز الحزب الجمهوري المتوقع.

بعد هذه النتائج تركّز لوم الجمهوريين على الرئيس السابق دونالد ترامب ودوره في فرض مرشحين على مجلس الشيوخ ليسوا أكفاء كفاية حتى يتمكنوا من الفوز على مستوى الولايات المختلفة، خاصة في بنسلفانيا وأريزونا وجورجيا ونيوهامبشر، وبالتالي خسروا الفرصة في السيطرة على مجلس الشيوخ.

لكن ترامب يضع اللوم على قيادة الحزب في مجلس الشيوخ، وخاصة ما يسميهم الجمهوريين التقليديين وعلى رأسهم ماكونيل، وهكذا يزداد الصراع داخل الحزب الجمهوري الذي على ما يبدو سيزداد صراعا داخليا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية حيث أعلن ترامب عن ترشيح نفسه لكن كل استطلاعات الرأي تضعه في المرتبة الثانية بعد حاكم ولاية فلوريدا الذي فاز بفارق 20 نقطة كحاكم للولاية.

ترامب بدأ بتوجيه التهديد والاتهامات لحاكم فلوريدا دي سانتوس من أجل ثنيه عن الترشح، مذكرا في كل مرة أن من شأن ذلك أن يضعف الحزب الجمهوري وفرصه للبيت الأبيض في انتخابات 2024.

بالرغم من أن نظام الثنائية الحزبية يبدو الأقدم في الولايات المتحدة والأكثر رسوخاً ومؤسساتية إلا أن تاريخ الأحزاب في الولايات المتحدة يشهد تعدداً وتنوعاً اختلف عبر الأجيال، لذلك فانقسام الأحزاب وتحولها ممكن بشكل كبير، فإذا فاز حاكم ولاية فلوريدا بترشيح الحزب الجمهوري فإن ترامب من المؤكد أن يؤسّس حزبا جديدا كي ينافس في انتخابات عام 2024 إلى البيت الأبيض، وهو ما من شأنه أن يشق الحزب الجمهوري ويكلفه الخسارة مجدداً حيث كل استطلاعات الرأي تضع أن أي مرشح ديمقراطي يمكنه هزيمة ترامب بشكل كبير.

صحيح أن الأحزاب في الولايات المتحدة يطلق عليها اصطلاحا أحزابا لكنها في الحقيقة أقرب إلى ائتلاف حزبي "Coalition"، فكلا الحزبين يعبران عن تحالف طبقي اجتماعي واقتصادي وسياسي يضم إثنيات وأقليات أميركية مختلفة يجمعها فقط تعبير الحزب عن مصالحها لأنها تعرف تماماً أن وجودها منفرداً لن يضمن مصالحها في هذه القارة الشاسعة التي تضم خمسين ولاية وتمتد على مدى آلاف الأميال

المشكلة اليوم في الحزب الجمهوري أنه فقد ما يسمى "Center" أو المركز أو البعض يستخد تعبير "Mean Stream" يعني التيار الرئيسي داخله، فصحيح أن الأحزاب في الولايات المتحدة يطلق عليها اصطلاحا أحزابا لكنها في الحقيقة أقرب إلى ائتلاف حزبي "Coalition"، فكلا الحزبين يعبران عن تحالف طبقي اجتماعي واقتصادي وسياسي يضم إثنيات وأقليات أميركية مختلفة يجمعها فقط تعبير الحزب عن مصالحها لأنها تعرف تماماً أن وجودها منفرداً لن يضمن مصالحها في هذه القارة الشاسعة التي تضم خمسين ولاية وتمتد على مدى آلاف الأميال، وبالتالي لا بد لها ولأسباب ذرائعية محضة أن تدخل في تحالف حزبي يعبر عن الحد الأدنى من المصالح التي ترغب بها، فالحزب الجمهوري بات يضم الملاك وأصحاب العقارات والمحافظين والمتدينين على اختلاف أديانهم، لكن الإنجيليين منهم وبشكل خاص معارضو الإجهاض وحقوق المثليين وغيرهم.

وكما نجد أن هناك ائتلافاً عريضاً يضم كل حزب فإن ما يدفعهم للدخول في هذا الائتلاف هو رغبتهم في هزيمة الطرف الآخر ذي الائتلاف الواسع، ولتحقيق ذلك لا بد من ائتلاف واسع أيضاً قادر على هزيمة الطرف الآخر.

لكن وجود ترامب دفع قاعدة الحزب الجمهوري نحو اليمين وهي قاعدة صلبة تمكن ترامب ومرشحيه من الفوز في أي انتخابات تمهيدية لكنها تخسر على المستوى الوطني وهو ما حصل بحضور ترامب في انتخابات عام 2018 و2020 وثم 2022، لكن ترامب المهووس بذاته من المستحيل أن يقرأ الأرقام على هذه الطريقة حيث يصر على أنه الورقة الرابحة لدى الحزب الجمهوري.

المشكلة اليوم في الحزب الجمهوري كما ذكرت أنه فقد مركزه تماماً وائتلافه بدا متصدعاً للغاية وغير قادر على تمييز الوسط، فهناك داخل الحزب ما يسميه علماء الاقتصاد "Volatility" ويعني التذرر، وأعتقد أن الظواهر الثلاث التي شهدها الحزب في العشر السنوات الأخيرة هي تعبير واضح عن هذا التذرر الكبير، وهو ما يحمل بداخله مؤشراً واضحاً على انفراط عقد الائتلاف وبالتالي الحزب، ربما يبقى الحزب حزبا بوصفه تعبيراً واضحاً عن إحدى فئاته وهو ما يعني اليمين المحافظ في حالة الحزب الجمهوري وهو ما سيعني بشكل آلي خسارته على المستوى الوطني أمام منافسه في الحزب الديمقراطي، فلا قدرة على حزب فئوي في الولايات المتحدة على هزيمة ائتلاف حزبي واسع الانتشار على مستوى وامتداد الولايات المتحدة.

ربما يستطيع الحزب الجمهوري الاحتفاظ بمواقع حكام بعض الولايات أو الاحتفاظ بتمثيل بعض الولايات على مستوى الكونغرس بغرفتيه مجلس النواب ومجلس الشيوخ، لكنه حتما لن يستطيع الوصول إلى البيت الأبيض.

إن الصراع على السلطة داخل الحزب تدفع سياسييها قصيري النظر إلى الحصول على دعم قاعدة الحزب اليمينية وحين يحصل عليها المرشح في الانتخابات التمهيدية يكون قد أضاع جمهوره الأوسع الذي يضمن له الوصول إلى البيت الأبيض، ولا أعتقد أن الحزب سيعي أثر هذه التحولات داخله حتى يخسر البيت الأبيض لمرتين متتاليتين كما يتوقع حدوث ذلك، بعدها سيعيد الحزب حساباته لأنه سيكون خارج البيت الأبيض على مدى 16 عاماً متتالية وهو ما لم يحدث منذ قرن تقريباً أن سيطر أحد الحزبين على البيت الأبيض لهذه الفترة الطويلة جداً، وبالتالي سيكون درساً قاسياً للجمهوريين للعودة إلى الأصول التي أسس عليها حزبهم من حزب مدافع مستميت عن حقوق السود وحريتهم، وانتهى اليوم على يد ترامب إلى حزب يستهدف الأقليات الدينية لأنها تختلف "عنهم".