ترامب والقيادة وإظهار العطف

2020.05.07 | 00:00 دمشق

2020-05-05T223847Z_1366102628_RC2MIG9NLQB0_RTRMADP_3_HEALTH-CORONAVIRUS-USA.JPG
+A
حجم الخط
-A

في عام 2006 نشرت المؤرخة ألأمريكية الشهيرة دوريس كيرنز غودوين (Doris Kearns Goodwin ) كتابها ", Team of Rivals: The Political Genius of Abraham Lincoln, , 2006. ( فريق المتنافسين: العبقرية السياسية لإبراهام لينكولن) وفيه حللت الدور القيادي الذي لعبه الرئيس لينكولن خلال حقبته كرئيس من قراره بتحرير العبيد إلى إدارته الحرب الأهلية إلى حفاظه على الاتحاد الذي هو اليوم الولايات المتحدة الأمريكية ، كل هذه القرارات بوَّأت لينكولن ليكون الرئيس الأكثر شعبية وشهرة إلى اليوم في الولايات المتحدة والأهم وصفه بأنه الرئيس الأكثر نجاحاً في إدارة دفة السياسة خلال فترته كرئيس في فترة تعتبر الأكثر اضطراباً في عهد الولايات المتحدة.

المهم في كتاب دوريس أنها ركزت على طريقة إدارة لينكولن لحكومته والتي اعتمدت على جلب الأشخاص ذوي الشخصيات ألأكثر قوة وتأثيرا خلال عهده كي يعملوا إلى جانبه وداخل حكومته، فقد رفض مفهوم أن فريقه يجب أن يكون متجانسا بالكامل واعتمد أسلوبه في القيادة على جلب الأشخاص ذوي القدرات التأثيرية الكبيرة والمعارضة له من حزبه كي يعملوا داخل حكومته لأنه واثق جدا من قدرته على إدارتهم من داخل حكومته، هذا الكتاب قرأه الرئيس السابق أوباما في عام 2007 وهو الذي دفعه إلى اختيار منافسته كلينتون للترشح باسم الحزب الديمقراطي كي تعمل داخل حكومته كوزيرة للخارجية، وهو ما صرح به أوباما نفسه في اتصال هاتفي مع المؤلفة التي التقاها أكثر من مرة، وفي مقابلة أخرى مع صحيفة النيويورك التايمز.

خلال كتابها فوجئت بمدى تركيزها على التعاطف كمصدر رئيسي للقيادة ليس للنكولن فحسب، بل أيضًا لروزفلت وجونسون. فهي تتعمق في سمات الشخصية القيادية التي تفعل ما أصبح يعرف اليوم بالذكاء العاطفي

بعد ذلك تفرغت لقراءة كتبها خاصة كتابها الأخير ( Leadership: In Turbulent Times) القيادة في الأوقات المضطربة وفيه تحلل القيادة السياسية لأربعة رؤساء أمريكيين واجهوا لحظات عصيبة خلال فترات رئاستهم وهم كل من لينكولن وتيودور روزفلت وجونسون وفرانكلين روزفلت، وكيف يصنع القادة ، ولا يولدون كما يعتقد الكثيرون، وتستكشف بعناية المستويات العالية والمنخفضة لكل شخصية قيادية، وكيف عالجوا الصراعات التي مزقت الولايات المتحدة خلال فتراتهم الرئاسية.

خلال كتابها فوجئت بمدى تركيزها على التعاطف كمصدر رئيسي للقيادة ليس للنكولن فحسب، بل أيضًا لروزفلت وجونسون. فهي تتعمق في سمات الشخصية القيادية التي تفعل ما أصبح يعرف اليوم بالذكاء العاطفي وتسخره لتحقيق الأهداف العليا وعلى رأس قدرات الذكاء العاطفي هذا يأتي إظهار العطف. فالناس المتعاطفون يقرؤون ما بين السطور كما يقال، وهذا يجعلهم جيدين بشكل خاص في فهم ودعم ديناميكيات الجماعة أو المجتمع ككل.

وأعتقد أن هذا المناسب تمامًا مع أن التعاطف مرتبط بالشخص كجزء من تعليمه وثقافته. فالتعاطف ليس سوى عنصر واحد من الذكاء العاطفي الذي يشمل الوعي الذاتي، والتنظيم الذاتي، والتحفيز، وتطوير المهارات الاجتماعية على النحو الذي حدده عالم النفس دانييل جولمان باعتبارها خمسة مكونات للذكاء العاطفي.

على عكس التعاطف، لدينا الديكتاتورية والمصالح الذاتية والأنانية كأفضل الكلمات لوصف المديرين أو الرؤساء الذين لا يمكنهم أن يكونوا قادة فعالين.

هذه السمة القيادية تعتبر الغائب الأكبر في شخصية ترامب وهي إظهار العطف، خلال مدته كرئيس كان يظهر دوما القدرة على الرد بشكل أعنف عندما يتعرض لانتقادات

هذه السمة القيادية تعتبر الغائب الأكبر في شخصية ترامب وهي إظهار العطف، خلال مدته كرئيس كان يظهر دوما القدرة على الرد بشكل أعنف عندما يتعرض لانتقادات، اعتقد حينها أن هذا مصدر قوته وشعبيته، لكن ذلك بالضبط مكمن فشله وعدم قدرة الشعب الأمريكي على النظر إليه كقائد في فترة صعبة مثل فترة انتشار وباء الكورونا، خلال مؤتمراته الصحفية لم يستطع سوى أن يكرر كل كلماته ومفرداته المحدودة جدا ولم يتمكن من إظهار أي تعاطف مع الضحايا، لم يستطع سوى القول "سيكون هناك الكثير من الموت" لم يبد قدرة على التواصل مع الضحايا ومع الشعب الأمريكي من خلفهم، ولذلك أعتقد أن فرصه في النجاح في دورة ثانية تبدو معدومة للغاية، طبعا كل ذلك يعتمد على مدى القدرة على السيطرة على الفيروس وعلى كيفية إعادة إقلاع الاقتصاد المنهار.

لكن، بكل تأكيد، إذا ما خيل لدوريس أن تكتب كتابا جديدا عن ترامب فربما سيكون في فشل القيادة لفشله في إظهار العطف الذي هو مصدر القيادة الرئيسي في زمن التواصل الإعلامي الكبير.