ترامب والقضية السورية

2021.02.16 | 00:02 دمشق

151.jpg
+A
حجم الخط
-A

بدا واضحاً حزن عدد من المنتمين إلى التيار المؤيد للتغيير السياسي الجذري في سوريا إثر نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة التي أخرجت دونالد ترامب من البيت الأبيض ليدخل مكانه الديمقراطي جون بايدن.

وقد استند هؤلاء في موقفهم إلى خشيتهم من أن تعمد إدارة بايدن الجديدة إلى إعادة إنتاج المواقف الرخوة وغير المؤثرة بحسب تقديرهم والتي تُنسَب إلى إدارة باراك أوباما التي كان بايدن نائباً للرئيس فيها. وقد تعزّز هذا الموقف من خلال استعراض انتقائي لأسماء بعض أعضاء الإدارة الجديدة، وخصوصاً من يتولى ملفات لها علاقة بالمنطقة العربية، للإشارة إلى أنهم قد أتوا من ثنايا إدارة الشؤون الخارجية التي سبق أن عملت مع أوباما. وقد بلغ هذا الحزن أقصى درجاته من خلال بعض النصوص التحليلية التي توقعت إهمال القضية السورية من قبل الإدارة الجديدة إضافة إلى سعي متوقع لها باتجاه تحسين العلاقات مع الجمهورية الإسلامية في طهران.

أكدت الوقائع التي عرفتها مساعي المعارضات السورية تجاه البيت الأبيض في الفترة الأوبامية على أنها كانت فاشلة ومتضاربة وكذا، تميّزت بشحنة سذاجة تجعل من الممكن التندر بسرد مروياتها

وبعيداً عن الخوض في السياسة الأميركية التي لها أهلها من المتابعين ومن المتخصصين، يمكن في الحد الأدنى مناشدة أصحاب هذا الحزن بأن يسعوا إلى تخفيفه أو مداراته من خلال التمعّن ببعض العناصر المرتبطة بهذا الملف المعقد.

مبدئياً، لقد أكدت الوقائع التي عرفتها مساعي المعارضات السورية تجاه البيت الأبيض في الفترة الأوبامية على أنها كانت فاشلة ومتضاربة وكذا، تميّزت بشحنة سذاجة تجعل من الممكن التندر بسرد مروياتها. وهناك تفاصيل عديدة منها الصحيح ومنها غير الصحيح وما بينهما من المبالغات التي استندت إلى صحيح نسبي. وفشل المعارضات السورية لم يقتصر على البيت الأبيض بل امتد إلى جميع العواصم صاحبة القرار من أصدقاء المعارضة السورية ومن أصدقاء النظام السوري. سيأتي بالتأكيد في اليوم الذي سيجرؤ فيه بعضهم على توثيق هذه النوادر السياسية والإجرائية التي يدخل جزء منها في مفهوم مسرح العبث الذي لا يختلف جذرياً عن مسرح البعث.

كما يُشير خبراء الشأن الأميركي الخارجي، إلى عدم أولوية الملف السوري لدى الإدارة الجديدة إلا من خلال الجانب الإنساني الذي يبدو أن تعزيز دعمه سيتزايد رقمياً. والتوجه القائم لفتح ملفات جانبية في المنطقة هو في أكبر احتمالاته لإطفاء شعلة التوتر في الخليج بين طهران والعواصم الصديقة لأميركا تاريخياً وبنيوياً. وسيقول قائل: إن الملف السوري يدخل في إطار هذا التوتر. إلا أن حل هذا التوتر بعيداً عنه ليس مستبعداً خصوصاً مع تبيان سعي بعض دول المنطقة إلى "فصل الملفات" قبل أن تعمد الإدارة الأميركية إلى تبني ذلك. فالحديث إذاً عن إدراج حل القضية السورية في حزمة التفاوض المتجدد مع طهران غير وارد في المراحل الأولى على الأقل.

أما خبراء الشأن الأميركي الداخلي، وبعد إصرارهم على ميل الإدارة الجديدة إلى الانشغال بمعالجة فاجعة كورونا التي أماتت أكثر من نصف مليون أميركي، كما انعكست ركوداً اقتصادياً مقلقاً، فهم ينبهون إلى ضرورة التوقف عند مفهوم المؤسسات وتقاليدها ليتوسعوا باتجاه الفصل بين الأسماء والسياسات، معتبرين أن بعض الأسماء التي لاح لبعض السوريين أنه يجب الحذر منها لن تقوم إلا بتنفيذ ما يرسم لها من قبل المؤسسة وليسوا بأفراد منعزلين ينفذون سياسات شخصية. كما يشير آخرون إلى أن الحكم المطلق الذي أصدره بعض "المنجمين" من المعلقين السياسيين السوريين على بعض الدبلوماسيين الأميركيين كان في أحسن الأحوال مبالغاً فيه.

الوقوف إلى جانب دونالد ترامب مبني على عدة عناصر أولها كلامه النابي بحق القيادة السورية والذي أثلج صدور البعض والذين غاب عنهم بأن السياسيين يقولون الشيء وضده في زمن قياسي في المطلق. أما فيما يتعلق بالكلام النابي مهما كان موجها لمن يستحق أو لا يستحق، فلم يشكل يوماً منهجاً سياسياً واضحاً يُبنى عليه. بالمقابل، فقد شكل عنصر جذب للمثخنة قلوبهم بالغضب ليساعدهم على رفع الضغط الآني من خلال "فشة خلق" لا أكثر ولا أقل، فالبعض يتوقف عند القصف الأميركي لمطار الشعيرات الذي كانت تخرج منه الحوامات التي تستهدف المدنيين بالبراميل المتفجرة. متناسين في الوقت ذاته أن الأمر تم بعد إبلاغ ولي الأمر الروسي بساعات طويلة.

الرئيس الأميركي السابق المتهم بقضايا تحرش وفساد، والمعادي للأجانب والمصاب برهاب الإسلام وصديق الدكتاتوريين والساعي إلى تدمير البيئة، وهذا غيض من فيض صفاته "الحميدة"، لا يمكن أن يكون مأسوفاً عليه

وأخيراً، يُشكل قانون قيصر وما تمخّض عنه من عقوبات سبباً أساسياً لموقف بعض السوريين المؤيد لترامب. علماً بأنه قانون، مهما كان الاتفاق عليه بين السوريين المعارضين أنفسهم متفاوتاً، تم تبنيه من غرفتي الكونغرس بديمقراطييه وبجمهورييه، مما يعني استمرار العمل به مع بعض التعديلات التي تسمح بتحسين شروطه الإنسانية.

إن مجرد الاعتقاد بأن ترامب كان أشد صرامة فيما يخص قضية السوريين العادلة، وإن لم يكن هذا دقيقاً، وبالتالي اعتماده وكأنه "مقاتل من أجل الحرية"، فهو يدخل ضمن الحسابات الخاسرة التي ما فتئنا ندفعها منذ عقد من الزمان. إن الرئيس الأميركي السابق المتهم بقضايا تحرش وفساد، والمعادي للأجانب والمصاب برهاب الإسلام وصديق الدكتاتوريين والساعي إلى تدمير البيئة، وهذا غيض من فيض صفاته "الحميدة"، لا يمكن أن يكون مأسوفاً عليه.

كيف لمن يتبنى موقفاً سياسياً وأخلاقياً وإنسانياً لصالح الشعب السوري المكلوم بمكوناته كافة أن يحزن لغياب ترامب الذي سيسجله التاريخ كأحد أسوأ رؤساء أميركا؟