تداعيات انخفاض مستوى أمن الطاقة في إيران

2023.02.01 | 07:44 دمشق

تداعيات انخفاض مستوى أمن الطاقة في إيران
+A
حجم الخط
-A

تصنف إيران ضمن الدول الغنية بموارد الطاقة الأحفورية "النفط والغاز"، إذ يقدر حجم احتياطاتها من النفط بـ 154 مليار برميل، وبذلك تحتل المرتبة الرابعة عالمياً بعد فنزويلا والسعودية والعراق، في حين بلغت احتياطياتها من الغاز الطبيعي 1200 تريليون قدم مكعب، وهي الثانية بعد روسيا، ووفقًا لمجلة النفط والغاز العالمية تمتلك إيران 17٪ من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة في العالم أي ما يقرب من نصف احتياطيات دول منظمة أوبك. كما تصنف إيران ثالث أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا بحسب إحصاءات عام 2021، ورابع أكبر مستهلك للغاز في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين. ورغم كل الإمكانات التي تمتلكها إيران إلا أن ذلك لم يمنعها من الدخول في عدد من الأزمات الناتجة عن عدم قدرتها على تأمين الغاز للسوق المحلية كما حصل خلال الشهر الأول من العام الحالي 2023، ويرجع ذلك لعدد من الأسباب نناقشها في هذه المقالة، ولم يقف الأمر على المستوى المحلي بل تعدى ذلك لتصل التداعيات إلى دول الجوار لا سيما العراق وتركيا.

أسباب أزمة الغاز الإيرانية

في الشهر الأول من عام 2023 بدأت ملامح أزمة طاقة تلوح في إيران، حيث توقف عدد من منصات الغاز عن الضخ لعدد من مناطق وسط وشرقي البلاد، إضافة لتوقف تصدير الغاز إلى العراق وتركيا بشكل كامل لمدة تجاوزت الـ 15 يوما، وتذرعت إيران بأنها تجري عمليات صيانة لمنصات ضخ الغاز وخطوط الأنابيب. وقد أعلنت في وقت لاحق كل من تركيا والعراق عن توقف إمدادات الغاز من إيران. وصلت أزمة الطاقة في طهران إلى مستوى دفعت فيه الحكومة إلى قرار إغلاق المؤسسات الحكومية والمدارس والشركات في بعض محافظات البلاد، كما رفعت الحكومة سعر الغاز على المستهلكين في بعض المدن ومنها العاصمة طهران وبعض المدن الشرقية من البلاد، وذلك في سبيل التعامل مع نقص الغاز، وتمويل عجز موازنة الحكومة. 

وترجع الأسباب الرئيسية لانخفاض إنتاج الغاز في إيران إلى: أولاً، عدم توافر التكنولوجيا اللازمة لتطوير منشآت إنتاج الغاز الطبيعي نتيجة لخضوع إيران لحزمة من العقوبات الدولية التي فرضت عليها رداً على تطويرها البرنامج النووي، مما أدى إلى إعاقة وصول الشركات الدولية المتخصصة وإبعاد المستثمرين عن البلاد. فعلى سبيل المثال تحاول إيران منذ سنوات تطوير حقل "بارس" المشترك مع قطر في بحر الخليج العربي، فتعاقدت مع شركة Total Energies الفرنسية التي انسحبت من هذا المشروع نتيجة انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة 5+1، وأُوكِلَ العمل إلى الصين والتي بدورها انسحبت أيضاً من الاستثمار في إيران بعد تأخير طويل في الاتفاق والتوقيع، حتى سُلِّمَت أعمال التطوير إلى شركة "بتروبارس" الإيرانية من بداية عام 2018. كما لم تستطع الدولة الاستثمار في إنتاج عدد من آبار الغاز المكتشفة في البحر الأسود لعدم وجود التكنولوجيا اللازمة. ثانياً، عدم توافر التمويل اللازم لتطوير البنية التحتية لمنشآت الغاز، إذ يحتاج تطوير البنية التحتية إلى تمويل مالي كبير، وبحسب مصادر رسمية إيرانية تحتاج الدولة لأكثر من 50 مليار دولار لعملية التطوير، ومن الصعب على النظام تأمين هذه المبالغ الطائلة لما يعانيه الاقتصاد الإيراني من تحديات اقتصادية بالغة. ثالثا، محاولات الحكومة استبدال استخدام الغاز بدل النفط في الاستهلاك السكني وتوليد الكهرباء، مما خلق ضغطا كبيرا على استهلاك الغاز في وقت تحتاج فيه البنية التحتية إلى تطوير.

بجانب الأسباب الرئيسية الثلاثة سابقة الذكر يتضاعف الطلب على الغاز في إيران بشكل سنوي مما يضع الدولة في موقف صعب من تأمين المتطلبات المحلية المتنامية والمستمرة.

تداعيات نقص إنتاج الغاز الإيراني

تنقسم تداعيات نقص إنتاج الغاز الإيراني إلى مستويين داخلي وخارجي: على المستوى الداخلي، على الرغم من استهلاك إيران غالبية إنتاجها من الغاز إلا أن ذلك لا يكفي لسد حاجتها في فصل الشتاء، وتسجل إيران عجزاً بمقدار 38% من مجموع ما تحتاجه في فصل الشتاء، مما يؤدي إلى نقص الغاز المخصص للاستخدام المنزلي (التدفئة) ومن أجل توليد الكهرباء، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل انعكس على انخفاض إنتاج الصناعات البتروكيماوية والحديد والصلب الذي يستخدم فيهما الغاز كمولد للطاقة وبالتالي أدى إلى انخفاض العائدات المالية من تلك الصناعات. أما على المستوى الخارجي فقد تكون التداعيات كبيرة ومؤثرة جداً، فعلى سبيل المثال يعتمد العراق بنسبة كبيرة في إنتاج الكهرباء على الغاز المستورد من إيران، وبعد توقف الأخيرة عن ضخ الغاز للعراق عاشت البلاد أزمة كهرباء خانقة كانت كفيلة بتوقف العديد من مظاهر الحياة والإنتاج. وأوقفت إيران ضخ الغاز للعراق عدة مرات بحجة أن حكومة بغداد لم تلتزم بدفع المستحقات المالية، لكن يرجح أن السبب الرئيسي في التخفيض هو لتلبية المتطلبات الداخلية في فصل الشتاء. لم يتوقف الأمر على العراق، بل خفضت إيران من صادراتها إلى تركيا منذ عام 2020، وقالت مصادر رسمية إن سبب التخفيض هو انفجار في خط أنابيب الغاز الطبيعي بين البلدين أدى إلى إيقاف التدفقات لبضعة أشهر، لكن سرعان ما عادت تدفقات الغاز الطبيعي في عام 2021، تركيا الأقل تأثرا من انقطاع الغاز الإيراني بسبب امتلاكها لمخزون استراتيجي يكفيها لثلاثة أشهر في حال انقطعت عنها كامل الواردات من الغاز. سوريا أيضاً لم تكن بعيدة عن التداعيات من أزمة نقص الغاز في إيران، فحدة الأزمة التي تعيشها البلاد دفعت حكومة رئيسي أن يفرض على النظام السوري دفع ثمن المحروقات التي تصدرها له إيران شهرياً (نقدا) بعد أن كان يدفع سابقاً (بالدفع الآجل).

تحاول إيران تطوير البنية التحتية لمنشآت الغاز ليس لتحقيق الاكتفاء الذاتي في فصل الشتاء فقط، بل لتعزيز الصادرات بما يحقق إيرادات مالية للبلاد، وبحسب نائب وزير النفط الإيراني "تحتاج إيران إلى استثمارات بقيمة 80 مليار دولار لدعم قطاع الغاز على مدى الـ 8 سنوات المقبلة لتحقيق زيادة في الإنتاج". وقد مضت إيران بهذا الطريق عبر توقيع مذكرات تفاهم بقيمة 40 مليار دولار مع شركات الطاقة الروسية، إلا أن تكنولوجيا الشركات الروسية غير كافية لتحقيق مستوى عالٍ من الإنتاج، لأن عملية الحفر والإنتاج والنقل عبر المنصات تحتاج لتقنيات عالية لا تمتلكها روسيا بشكل كامل. وبالنظر لاتّساع نطاق أزمة الطاقة في إيران يومًا بعد يوم، - على الرغم من امتلاكها ثاني أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم - ، سيصبح هذا الوضع تحديًا لتحقيق مستوى مرتفع من أمن الطاقة في السنوات المقبلة، ويجعل إيران عرضة للأزمات الموسمية في فصل الشتاء، مما يحتم على دول الجوار (العراق وتركيا) إيجاد مصدر موثوق بديل عن الغاز الإيراني.