تحولات الفيسبوك السوري في هولندا ووظائفه

2022.05.07 | 07:02 دمشق

mlwmat-n-hwlnda-tarykhha-wmdnha-wma-yjb-an-tflh-bha-wma-la-yjb-.png
+A
حجم الخط
-A

لكي يتأكد محققو دائرة الهجرة والجنسية، والأمن، أول وصول اللاجئ إلى هولندا، من الحكاية التي يرويها، أو (قصة اللجوء كما تسمى) تكون صفحته على الفيسبوك أحد المداخل، ومن ينكر أن له صفحة عبر الفيسوك تقوم الجهات المعنية بمطابقة صورته والبحث عنه، وتشير محاكمات هولندية لعدة متهمين إلى أن ما نشر على الفيسبوك وعلى اليوتيوب أحياناً كان أحد جوانب الأدلة للتدقيق في أقوالهم. ومن المعلوم أن السلطات الهولندية، أسوة بسواها من سلطات الدول الأخرى، تنشر عيونها في مجموعات الفيسبوك، وتراقب عدة صفحات لناشطين مختلفين، بخاصة فيما يتعلق بالراديكالية الدينية أو سواها من صفحات تزوير أوراق أو شبكات تهريب.

 والهدف من كل تلك الجهود ليس تقييد حرية المواطن بل حمايته وحماية المجتمع من الجريمة وشبكات تهريب البشر وسواها، ما يريح بالك كمواطن هولندي أو مقيم في هذا البلد أنك مطمئن أنه لا أحد سيعتدي عليك أو "يجرجرك" دون أن تكون مذنباً، أو متهماً، حتى إنْ "جرجروك" فسيكون ذلك وفقاً لقانون شفاف، وتهم محددة موثقة بأدلة، وعبر شروط إنسانية، أما فكرة أن تستهزئ بموزة أو قائد حزب أو سوى ذلك؛ فلا يخطر ببالك أن أحداً سيزعجك بسبب هذا لأنه يقع في حرية التعبير، وهو ليس موضوعاً للأخذ والرد، ونظراً لوضوح القوانين الهولندية؛ وطريقة التعامل فإنها لا تزرع فيك مشاعر الكراهية تجاه البلد، بل مشاعر الشعور بالانتماء واحترام القانون.

شكل الفيسبوك لدى السوريين أحد ألوان التعبير عن الحرية والثورة، وميدان من ميادين المشاركة، ولاحقاً مصدر معلومة وأخبار ولمّ شمل، وتعويض عن المقاهي التي فقدوها في مدنهم الأم

إنَّ كثيراً من الهولنديين لا يخلون من فضول، ويحبون أن يقرؤوا ماذا يكتب أولئك القادمون الجدد على صفحاتهم، ولماذا يشكل الفيسبوك جزءاً من حياة السوريين؟ وقد وجدوا أن وظائف الفيسبوك بالنسبة للسوريين تختلف اختلافاً جذرياً عن وظائفه في حياة المجتمعات المستقرة، إذ شكل الفيسبوك لدى السوريين أحد ألوان التعبير عن الحرية والثورة، وميدان من ميادين المشاركة، ولاحقاً مصدر معلومة وأخبار ولمّ شمل، وتعويض عن المقاهي التي فقدوها في مدنهم الأم، بعد أن هجروا أو لجؤوا أو فقدوا رفاقهم القدامى.

عدد من السوريين، بعد سنوات على إقامتهم هنا، قاموا بتبديل لغة صفحاتهم إلى اللغة الهولندية كلغة ثانية أو رئيسية، لأنهم يعملون مع هولنديين أو درسوا معهم. أو رغبة بالاندماج، أو إثبات أنهم يجيدون لغة البلد الجديد، وكما هو معلوم فإن المنشورات عبر الفيسبوك، نتيجة إعدادات محددة، يمكن أن تترجم المنشورات أوتوماتيكيا إلى لغة البلد، الذي يقع نطاق الصفحة فيه.

ومن العوامل التي جعلت الفيسبوك "ينجِّمُ" في حياة السوريين كون اللقاءات والاجتماعات عبره أقل كلفة بكثير من اللقاءات الفيزيائية، إذ إن ذلك الجدار الأزرق يعطي الأشخاص الفرصة ليظهروا الجانب الذي يريدون إظهاره، وفي الوقت نفسه يمكنهم أن ينصرفوا في اللحظة التي يختارونها، خاصة في وضع متحول فكرياً وسياسياً واجتماعياً كما هو وضع الجاليات السورية.

أضيفت للفيسبوك في حياة اللجوء الأولى أدوار ومهمات جديدة يبدأ، بعضها قبل رحلة الانطلاق من سوريا أو تركيا من خلال الاستفسار عن تفاصيل محددة لها علاقة بمراحل اللجوء، وخطواته، وصعوباته، وجغرافيته، بخاصة في خمسة محاور رئيسية هي: أفضل الطرق للوصول إلى الحلم الأوروبي، وأسرع طريقة للم الشمل، وأكثر البلدان سهولة في المستندات ومنح الجنسية، وموضوع التعويضات المالية. غير أن هذه المكانة خف دورها، نتيجة وجود جالية سورية كبيرة في أوروبا باتت تتبادل المعلومات فيما بينها من خلال شبكة العلاقات والمعارف أو الأقارب، ويمتلئ "ماسنجر" عدد كبير من السوريين في هولندا برسائل من أشخاص لم يلتق بهم من قبل يسألون عن تفاصيل الحياة في هولندا وحسناتها وسلبياتها، ويشير أحد المقيمين هنا إلى أنه كتب رسالة مفصلة في ثلاث صفحات عن الحياة في هولندا يرسلها لكل من يسأله.

تابع الفيسبوك دوره في حياة السوريين العامة والخاصة بعد اللجوء، وقد أنشأ السوريون منذ سنوات الوصول الأولى إلى هولندا صفحات ومجموعات عبر الفيسبوك، هدفها أن يساعد اللاجئون بعضهم بعضاً، عبر تقديم المعلومة أو النصيحة أو تبادلها، وأبرزها صفحتان هما "هولندا في القلب والجالية السورية في هولندا" وقد مرت الصفحة الثانية بعدة مراحل تخللها بيع وشراء إلى أنْ آلت إلى كونها صفحة تجارية، بعد أن اكتشف مديروها أنهم يمكن أن يحصلوا على أموال منها، دون أن تكون هيئة الضرائب على اطلاع بها. في حين آلت الصفحة الثانية إلى شيء من الخمول بعد أن تجاوزت مرحلة شبابها، علماً أن عدداً من الصفحات تم بيعها وشراؤها من قبل أصحاب مشاريع، ومعلوم أن بيع صفحات السوشال ميديا وشراءها مجال تجاري جديد ارتبط بالسوق الإلكتروني، وعادة ما يتمّ جمع المتابعين من خلال إنشاء صفحات هدفها النكتة أو الطبخ أو سوى ذلك، وحين يتجمع عشرات الألوف فيها، يتم بيعها ويغدو من حق المالك الجديد تغيير اسمها إلى ما يريده، مشكلة هذا النوع من البيع والشراء أن المشتركين في الصفحة أو المتابعين لها قد لا يهتمون بالموضوع الجديد للصفحة، لذلك تجد صفحة بآلاف المتابعين لكن التفاعل ضعيف جداً، وأفاد من تلك الطريقة أكثر من شخص في محاولة تسويقهم لاسمهم للحصول على فرصة عمل في قناة تلفزيونية أو للحصول على إعلانات، إنه جزء مما يدعى بالعالم السيبراني والذباب الإلكتروني.

من الصفحات والمجموعات السورية في هولندا التي نشطت فترة ثم خبت نذكر: السوريون في هولندا مختلفون ولكن- السوريين في هولندا يد واحدة- الجالية السورية في هولندا- البيت السوري في هولندا- النادي الاجتماعي السوري، أما صفحة لجنة دعم الثورة السورية فقد خف وهج حضورها بسبب انكفاء جمهورها على نفسه وخيبة أمله بالعودة، أو تحقيق الانتصار وتغير أولويات اللاجئين بحياتهم الجديدة. ومن أسباب خمول عدد من تلك الصفحات انشغال مؤسسيها بشؤونهم الخاصة، بعد استقرار أحوالهم الإدارية والمعاشية، وفقدان الدور الذي كانت تقوم به؛ بعد أن غدا لدى الكثير من اللاجئين القدرة على تحصيل المعلومة من مصدرها الأساسي دون وسيط. من جهة أخرى اكتشف عديدون أن الحماس لا يكفي وحده للإشراف على إدارة مجموعة، لأنه وقتٌ وجهدٌ وتفرغٌ ومتابعة ودراية يجب أن يكون له ما يقابله، كي لا يبدو جهداً غير محترف، لا يقدم المعلومة الصحيحة، والدقيقة، في الوقت الملائم لتقديمها.

إنَّ عدداً من تلك الصفحات كانت رديفة لأعمال تجارية آلت إلى الخمول أو الإغلاق أو الفشل، وكانت تقوم بما يدعى بـ "التسويق الأخضر" الذي يتلبس بتقديم المعلومة وتبادلها، والمساعدة، والنصيحة، بعد فترة قصيرة اكتشف أولئك أن هذا النوع من التسويق صعب في هولندا لأنها بلد أقرب للشفافية، حيث المعلومة متاحة، والاجتهادات قليلة.

خفَّ اهتمام كثير من السوريين بصفحات الفيسبوك ومجموعاته، بعد أن استقرت أحوالهم، وصار لدى القادم الجديد خبرات بتفاصيل الحياة الهولندية قد تكون أكثر من خبرات المواطن الهولندي نفسه، نتيجة صلات السوريين ببعضهم بعض، وثقافة القيل والقال والفضول، والفراغ، وارتباط المعلومة بالوجاهة الاجتماعية أحياناً، إضافة إلى أن عدداً كبيراً منهم حصل على المعلومات التأسيسية التي تهمه.

من جهة أخرى، كانت تلك الصفحات أشبه بجسّ نبض لحاجات القادمين الجدد؛ إذ فتح عدد من السوريين مكاتب سفر ومحاسبة وخدمات عقارية وقانونية وسواها، صارت تتولى مساعدة كثير من القادمين في حال بحثوا عما يهمهم في حياتهم الجديدة، أو انشغلوا بثغرات قانونية تخفف عنهم شعورهم بالغربة، أو تشبع "السعادة الشرقية" الناجمة عن مخالفة القانون أو التحايل عليه.

تغير متطلبات معظم السوريين نتيجة استقرارهم، ولد حاجات وصفحات أخرى من مثل: تبديل البيوت في هولندا، مطاعم هولندا، أو صفحات عن رخصة السواقة أو كيفية السفر إلى سوريا..

ولئن كان الهاجس الرئيس للفيسبوك في السنوات الأولى لرحلة اللجوء يتعلق بالجنسية وما تقدمه البلدية للاجئ الجديد، فإن أبرز اهتماماته اليوم هي كيفية البدء بمشروع أو متابعة الدراسة أو السفر أو الحصول على فرصة عمل ومجالاتها أو التسويق لمنتج ما. وكذلك تجاوز قسم كبير منهم، بعد حصوله على الجنسية واستقرار أحواله القانونية والمعاشية الحاجة إلى تلك المعلومات التي تقدمها تلك الصفحات، بل دخل عدد منهم سوق العمل، وفي الوقت نفسه فإن تغير متطلبات معظم السوريين نتيجة استقرارهم، ولد حاجات وصفحات أخرى من مثل: تبديل البيوت في هولندا، مطاعم هولندا، أو صفحات عن رخصة السواقة أو كيفية السفر إلى سوريا..

يعكس الحراك الفيسبوكي أنشطة الواقع السوري في هولندا، ويؤثر ويتأثر بها، وتظهر تحولات دوره تغيرات حاجات الجالية وتفاصيلها اليومية والاستراتيجية، فقد كان في البداية المصدر الرئيسي للتواصل والمعلومات فيما بينهم؛ أما اليوم فلا توجد قرية أو مدينة هولندية إلا ويوجد فيها عدد من العوائل السورية، تتبادل المعلومات والخبرات فيما بينها.