تحديات عاجلة على طاولة حكومة التغيير الإسرائيلية

2021.06.23 | 07:20 دمشق

60b3dabf60c16.jpg
+A
حجم الخط
-A

فور أن أدت الحكومة الإسرائيلية الجديدة يمينها الدستوري، وفي أول اجتماع لمجلسها الوزاري المصغر "الكابينت"، ظهر جلياً أنها تواجه تحديات أمنية مهمة وحساسة، مع العلم أن حكومة التغيير هذه لا تتعارض مواقفها مع الحكومة المنتهية ولايتها في الشؤون الخارجية والأمنية، باستثناء القضية الفلسطينية، حيث توجد فجوة كبيرة بين اليمين واليسار، لكن القضايا الأثقل والأكثر أهمية حولها توافق داخلي.

ترى الحكومة الإسرائيلية الجديدة أن التعامل مع القضايا التي سنأتي على ذكرها بعد قليل تتطلب سياسة حديثة، وتغييرا في إدارتها، ومناقشة ضرورية، في ضوء التحديات المهمة والفورية التي تواجه إسرائيل، بجانب التغيرات الجيوسياسية في العالم والشرق الأوسط، والحقيقة أن القيادة السياسية الإسرائيلية خلال العامين الماضيين ركزت على البقاء السياسي، وخاضت أربعة انتخابات، وواجهت وباء كورونا.

لقد خاضت الحكومة الجديدة أول تحد أمني لها، فقد مرت مسيرة الأعلام للمستوطنين في القدس المحتلة، دون إثارة عاصفة معاكسة، كما بقيت الأحداث في غزة تحت السيطرة، رغم التوتر الذي صاحب أول أيام إعلانها، بينما التزمت إسرائيل بـ "قانون البالون مثل قانون الصواريخ"، وهذه جملة من العوائق والتحديات التي ستواجهها الحكومة الجديدة في المستقبل خلال السنوات المقبلة.

يتزامن إعلان الحكومة الإسرائيلية الجديدة مع قرب توقيع القوى العظمى وإيران على اتفاقية نووية جديدة

تبدو الحكومة الإسرائيلية المسماة حكومة بينيت-لابيد مطالبة بالتركيز في القضايا المهمة للغاية، بل والعاجلة، وهي ذات طابع استراتيجي، كي تكون على جدول أعمال مجلس الوزراء السياسي والأمني في أول عشرة اجتماعات، أولها إيران والمشروع النووي، لأنها اليوم أقرب إلى قنبلة نووية من 2018، وترى إسرائيل أنها مدعوة لصياغة سياسة حديثة في مواجهة التقدم الإيراني في القضية النووية.

يتزامن إعلان الحكومة الإسرائيلية الجديدة مع قرب توقيع القوى العظمى وإيران على اتفاقية نووية جديدة، لكن الاتفاق المتوقع لن يحرر حكومة بينيت من التعامل مع القضية، على العكس من ذلك، سيُطلب منها أن تقرر على الفور ما يجب فعله، لأن إيران أقرب بكثير للمسألة النووية اليوم أكثر مما كانت عليه عندما انسحبت الولايات المتحدة من اتفاقية 2018.

يركز النقاش الإسرائيلي للملف الإيراني على ثلاث قضايا أخرى، أولاها الإنتاج المتسلسل للأسلحة، خاصة الصواريخ بعيدة المدى والدقيقة، والطائرات المسيرة، وثانيها جهودها لفتح مزيد من الجبهات في مواجهة إيران، لاسيما في سوريا ولبنان، وبدرجة أقل أيضا في اليمن والعراق، وثالثها نشاطها العسكري المستمر في المنطقة وحول العالم.

القضية الثانية ما يشكله حزب الله من تهديد عسكري لإسرائيل، رغم 15 عاما من الصمت، لكنها لا تضمن المستقبل، فلكل ردع تاريخ انتهاء، وقد بنى قوة كبيرة من الصواريخ الدقيقة، بجانب قوة برية كبيرة، تشكل تحديا كبيرا للجيش، والجبهة الداخلية، ومجلس الوزراء، المطالب بتعلم دروس حرب لبنان الثانية، ومناقشة البدائل الاستراتيجية والنظامية قبل الحرب، قبل اندلاع حرب الشمال الأولى أو حرب لبنان الثالثة، مع العلم أن الحديث الإسرائيلي عن حزب الله سيأخذ حيزا من نقاشات الكابينت الأول، ورغم أن هناك شكوكا بأن يكون الحزب مهتما بالحرب، لكن بالنظر إلى خطأ قراءة الاستخبارات الإسرائيلية لتحركات حماس في غزة، فإن الأمر يستحق إعادة النظر في افتراضات العمل فيما يتعلق بحزب الله ولبنان، الذي يمر حاليا بأزمة اقتصادية غير مسبوقة.

القضية الثالثة تتعلق بالاستمرار في خوض "المعركة بين الحروب"، حيث يتلقى مجلس الوزراء تقييما أمنياً وعسكرياً محدثا لمدى تحقيق أهدافها، على صعيد وقف تمركز إيران في سوريا ولبنان وغرب العراق، وإعادة تقييم مخاطرها.

القضية الرابعة تتعلق بما يجب فعله ضد حماس في غزة، فقد انتهت الحرب الأخيرة دون قرار، وليس من الواضح ما إذا كان الردع قد تحقق، ولم يتم الاتفاق على المعايير الخاصة بوقف إطلاق النار، وحل قضية الأسرى والمفقودين، وإعادة إعمار غزة، ووقف تقوية حماس، لأن حرب غزة الأخيرة أثبتت أن حماس ليست مردوعة تماما، ولا ضعيفة عسكريا، بل تزداد قوة جولة تلو الأخرى.

صحيح أن حرب غزة الأخيرة سعت لتعزيز الردع ضد حماس، لكن إنجازاتها لم تتبلور بعد، والهدوء ما زال هشا للغاية، وليس من المستبعد أن تجد إسرائيل وحماس نفسهما قريبين من اتخاذ مزيد من الإجراءات العدائية ضد بعضهما البعض، ثم الدخول في محادثات بوساطة مصرية قطرية أممية أوروبية.

القضية الخامسة تتعلق بالاتفاقات الإبراهيمية للتطبيع مع الدول العربية، وهي مهمة للسعودية في استعداداتها الأمنية تجاه إيران، وإقامة التحالفات التكنولوجية والاقتصادية، مع إعادة تنظيم الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لكن السعوديين لديهم عقبات كبيرة أمام التقدم بهذه العملية، كونهم حراس الأماكن المقدسة، ولديها رأي عام لا يزال معاديا جدا لإسرائيل.

وضعت الحكومة الإسرائيلية على طاولتها مهمة تتعلق بتعزيز العلاقات مع العالم العربي "المعتدل"، فمصر حليف وثيق، ويجب تعزيز العلاقة السياسية مع الأردن التي اهتزت في السنوات الأخيرة بسبب العلاقة قصيرة الأمد بين الملك عبد الله ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وليس من الواضح إلى أي مدى سيكون من الممكن توسيعها في المستقبل القريب، مما يجعلها تحديا إسرائيليا جادا، لأن العلاقات مع الأردن تدهورت في السنوات الأخيرة إلى أدنى مستوياتها التاريخية.

تؤكد الأوساط الحكومية الإسرائيلية أن مستقبل العلاقة مع حليفها الاستراتيجي، الولايات المتحدة، تتطلب إصلاحا سريعًا وعميقًا

القضية السادسة، ولعلها الأكثر أهمية وإلحاحا وأوسع نطاقا تتمثل بعلاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة، أهم حليف لها، وأحيانا تكون الوحيدة، وتنعكس أهميتها في كل مجال عسكري واقتصادي وصناعي وسياسي، رغم أن إدارة ترامب كانت الأكثر موالاة لإسرائيل، قياسا بإدارة بايدن الحالية.

تؤكد الأوساط الحكومية الإسرائيلية أن مستقبل العلاقة مع حليفها الاستراتيجي، الولايات المتحدة، تتطلب إصلاحا سريعًا وعميقًا، لأن الضرر الناجم عن الارتباط الوثيق مع إدارة ترامب واضح جدًا بين الحزب الديمقراطي، وليس أقل من ذلك في الساحة العامة الأميركية، صحيح أن إسرائيل تتمتع بدعم الحزبين، وصحيح أن بايدن صديق مخلص لها، لكنه لا يعمل في فراغ، كما تفعل الجالية اليهودية بأشكالها المختلفة.

المسألة السابعة مرتبطة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهي قضية واضحة، حيث توجد خلافات شديدة بين الجهات الحكومية، وقرار شركاء الحكومة الإبقاء على الوضع الراهن بشأن هذه القضية، لكن النقاش حولها قد يصل الحكومة تحت ضغط خارجي أميركي وأوروبي لاستئناف العملية السياسية، وتجميد المستوطنات، وانتشار الهجمات في الضفة الغربية وقطاع غزة.

تتحدث محافل سياسية إسرائيلية أن هناك حاجة لربط العملية السياسية مع الفلسطينيين بمحاولة حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، مهما كان صعبا ومعقدا، لكن الزخم السياسي بات مطلوبا، وهذا في حد ذاته يخلق التحدي أمام الجانبين، وهو مستوى أساسي لأي صراع، ويساعد بشكل أكبر على وضع إسرائيل على الساحة الدولية، والترجمة العملية لذلك هي إطلاق حوار سياسي، على جميع المستويات، بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

هذه المهمة تبدو لافتة، لأنها تتعلق بحاجة إسرائيل، أكثر من أي وقت مضى، إلى مبادرة سياسية، من خلالها تنجح بدمج نفسها في المنطقة، وعلى الساحة الدولية بشكل عام، وهناك حاجة لمبادرة تستند للمبادئ والقرارات الدولية التي قبلتها جميع الحكومات الإسرائيلية، بما في ذلك قرارا الأمم المتحدة 242 و338 و"خريطة الطريق" من إدارة بوش الابن.

لكن الافتقار للحوار السياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين على مر السنين، وتأسيس الرواية الإسرائيلية القائلة بأنه لا يوجد أحد للتحدث معه حول ماذا، أدى لترسيخ شعور عميق ومفهوم بعدم الثقة لدى الجمهور الإسرائيلي، ولذلك فإن تغيير الأجواء وتقديم الاجتماعات والحوار سيساعد على إذابة الشكوك، وتقوية الثقة، وقد يؤدي إلى إنجاز الاتفاقات والحلول الوسط المطلوبة، رغم أنه ليس هناك ما يضمن نجاح العملية السياسية تجاه الفلسطينيين، وقد أثبتت حرب غزة الأخيرة أن القضية الفلسطينية لم تختف عن الأجندة الدولية.