تحالف الاستبداد مع كوفيد 19 ضد الجيل الجديد

2021.06.12 | 06:03 دمشق

7ea250ee02a72d5bbb8faf8e661c0db2.jpeg
+A
حجم الخط
-A

حمل فيروس كورونا شقلبة في مفهوم المناصرة والتعاضد والعاطفة البشرية بشكلها الاعتيادي المتعارف عليه. ونقل الرّتم التقليدي من حيث الشفقة والعطف ومساندة الأبوين لأبنائهم وأحفادهم، إلى عجز الأبناء أمام أوجاع آبائهم حيال مضاعفات وتأثيرات الإصابة بفيروس كورونا.

هذه الصورة النمطية الجديدة، حيث تقوقع سقف إمكانيات الشباب حيال كبار السن بالشفقة والدعاء فحسب، جلبت مشاعر وأفكار اليتم باكراً على كل من زارت الجائحة منازلهم، ويكاد يندر وجود بيتٍ لم يشهد إصابة أحد كبار السن لديها بهذا المرض، بل إن توسع دائرة الوفيات أثر بشكل مباشر في توسيع دائرة القلق والكآبة والخوف على كِلا الجيلين، خاصة من عايش صراع ذويه للبقاء على قيد الحياة ضد الفيروس وخلق ذاكرة مؤلمة للطرفين، حيث الأبناء العاجزون عن تقديم أيّ شيء سوى المشاهدة والتفكير بالروحانيات والدعاء، ويراقبون ما يتعرض له المصابون من تحولات نفسية جسيمة ومخيفة، وتعطل شبكة القدرة على الاستيعاب، وحيث المصابون المسحوقون نفسياً وممن وهن جسده وخارت قواه من احتمالية الرحيل الأبدي. جميعها أسست لحالة نفسية بردات فعل عكسية ضد الحياة والصبر والجلد.

دور كتلة الواجبات الملقاة على عاتق الآباء وأولياء الأمر في حماية أبنائهم من عنف السلطة واستبدادها، خلق هاجساً مميتاً لدى الأبناء في كيفية رد الجميل لهم

وحملت الأفكار والمشاعر الشبابية للتفكير والمقارنة بين قدراتهم المحدودة، وعاطفة الأبوة واستشراسهم حيال الأبناء في أي مشكلة أو مصيبة. هذا التمازج بين البعد الوجودي مع البعدين الأخلاقي والعاطفي للإنسانية، ودور كتلة الواجبات الملقاة على عاتق الآباء وأولياء الأمر في حماية أبنائهم من عنف السلطة واستبدادها، خلق هاجساً مميتاً لدى الأبناء في كيفية رد الجميل لهم، أمام وباءٍ اجتاح معظم دول العالم. فمن المحتمل أن التداعيات النفسية لــ"كوفيد19" تكبر كلما تعلقت نتائجها بتفتق أفكار الشباب في مواجهة الاستبداد وآلته القمعية الساحقة والخاطفة لعمرهم وأرواحهم وحيواتهم، واستهتاره في مواجهة الفيروس، وعدم خلق بيئة آمنة بالحدّ الأدنى.

يقتنص هذا الفيروس أرواح كبار السن أكثر من الشباب، وإن كانت الجائحة تزور الشرائح العمرية كلها، لكنه يتفنن في إذلال كبار السن ويجعل منهم مادة لقهر أبنائهم نفسياً، حيث أكثر ما يسوء الأمر للأبناء، أن هذا المرض يتحول إلى نوعٍ خاصٍ من الاستبداد الفتاك مصطحباً عجز الجميع عن القيام بأيّ فعلٍ. رُبما جاز القول عنه إنه استبدادٌ وبائي أو مرضي، يتحالف مع الاستبداد السياسي، حيث الأول يختص بخطف أرواح سند وأعمدة حياة الجيل الجيد، والثاني يُكمل مسيرته القمعية التي بدأها مع الكبار، ليتممها مع الأجيال اللاحقة، وبذلك يكون الشباب خاضعين للاستبداد أكثر من مرةٍ.

وربما كانت الأفكار التي تتناطح في عقولهم هي: أيهما يغذي الآخر، ويؤثر أكثر في نفسيتهم؟ فيكون بذلك الفاعل الرئيس والمحرك "المدماك" لحالات الخوف والصراع النفسي ضائعاً في عملية الاستبداد المزدوج؛ فالفيروس "يعمل على حصد الأرواح" والاستبداد يطور من أساليبه وأدواته في خنق الأرواح، وما بين الفعلين يدفع الشباب الثمن مرتين، إحداها كمداً وخوفاً وكسراً للأرواح والنفسيات على فقدانهم أو خوفهم من فقد أحبتهم، ومرة ثانية حيث يتلذذ الاستبداد برؤية الآخرين مقهورين ومذلولين أمام عدم تمكنهم من تقديم أي شيءٍ لذويهم، فيزهو المستبد بفعله اللامبالي لمصير وحيوات ومرض القواعد الاجتماعية، حيث يكتفي بالنظر أو الفعل المنقوص عمداً، ويكتفي بتكرار الإغلاق الكلي أو الجزئي، دون الاكتراث لمصير مئات الآلاف من الفقراء والمحتاجين والمرضى، ساعياً فقط صوب ترسيخ سلطته ونفوذه وقوته لا غير.

هذا التمازج المخيف بين الاستبدادين، والغريب عن رؤى وأفكار الشعوب، تحول إلى فرصة سانحة لخلق وتوسيع شبكات الفساد الناشئة، واستحضار الأزمة الاقتصادية جراء الإغلاق والحظر، كشماعة تلف بها عنق الأبرياء والفقراء، وإرهاقهم برفع أسعار مختلف المواد، فخلق هدماً للحاجات التي ذهب إليها أبراهام ماسلو في هرمه المعروف "هرم ماسلو"، خاصة أن الإجراءات المتبعة من المستبد "البخيل واللص" أثر في كيفية وإمكانية إشباع المواطن لهذه الحاجات؛ بحجة وباء كورونا. ولم يكترث لكيفية توفير مستلزمات المواجهة البسيطة، ومحفزات الآليات الدفاعية ضد انتشار الفيروس في الجسم البشري، وأحسب أن أشرس وأفتك أنواع الاستبداد هو الذي يحرمك من حاجاتك الطبيعية والأساسية، فغدا بذلك أسوأ التحالفات ضد الوجود البشري.

ما كان للاستبداد الديني أن يُبقيَ نفسه متأخراً عن ركب التمازج والتحالف مع أنواع الاستبداد

ولتتمة الصورة القاتمة عن تغلغل الاستبداد في حيواتنا، فإن أغلب الدول والأنظمة الاستبدادية والدول التي تشهد الديمقراطيات المتعثرة، لجأت إلى استعمال عبارات إعلامية من قبل "إننا لن نتهاون مع من ينشر الشائعات والتلفيقات والأخبار الكاذبة حول الفيروس، وسنتعامل بحزم مع هؤلاء المغرضين". في مسعىً صوب استثمار الإعلام للترويج لاستبدادهم وعنفهم السلطوي المستفيد من كارثة كورونا. علماً أن ضعف الإجراءات الوقائية وهشاشة البنية الطبية والصحية، وقلة عدد المشافي والمَنافس ومراكز العناية الخاصة، وارتفاع مؤشرات الفقر، من بين أهم وأبرز عوامل ارتفاع نسب الإصابة بالفيروس في تلك الدول وأماكن سيطرتها.

 وأمام هذه اللوحة، ما كان للاستبداد الديني أن يُبقيَ نفسه متأخراً عن ركب التمازج والتحالف مع أنواع الاستبداد، لكنه تلقى ضربة قاصمة منذ البداية في كيانه؛ فهو الذي سعى في بدايات انتشار الفيروس، للقول والتأكيد على أنه وباءٌ إلهي سماوي ضد "الكفار والمرتدين والبعيدين عن التعاليم والشرائع السماوية" قبل أن يخبت الاستبداد الديني؛ لذهوله أمام أماكن انتشاره الذي توسع من مدينة قم بما تمثله من رمزية دينية للشيعة، وتوقيف أعمال وشعائر الحج، بما يشكله من عمقٍ ديني مهم، كما أن مساهمة مراكز ودور العبادة مثل حائط المبكى في إسرائيل، والكنيسة للمسيحيين،...إلخ كلها شكلت ضربة قاصمة للفكرة الدينية التي سعت صوب ترسيخ الاستبداد على الأوساط الشعبية.

قصارى القول: إن الوباء رسخ أركان وبنية أنظمة الحكم التقليدية ما بين الديمقراطية والعادلة، كما وصل في سنغافورة وكوريا الجنوبية اللتين لجأتا إلى أنظمة مراقبة ورصد ومواجهة ساهمت إلى حد كبير في الحد من انتشار الفيروس. أو المستبدة وتعرضها للانتقاد والتنديد، بسبب عدم اهتمامها بالقطاع الطبي طيلة عقود حكمها، والاكتفاء بالتقليد السائد في العالم حول الإغلاق فحسب. ووجد الجيل الجديد نفسه محاطاً بحقولٍ من ألغام السلطة الاستبدادية.

كلمات مفتاحية