تأكيد المنطلقات وبناء الاستراتيجيات الجديدة

2021.08.16 | 06:03 دمشق

mzahrt-fy-mdynt-albab-bryf-hlb-17-adhar-2019.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد سلسلة طويلة من المراحل التي مرّت بها الثورة السورية خلال عشر سنوات ونيّف، والتعقيدات والمآسي التي مرّت على السوريين، وعنف النظام المُفرط، وفشل الحل العسكري، وتشرذم المعارضة، وتقاعس المجتمع الدولي، واستشراس الدول لتحقيق مصالحها عبر سوريا وعلى حساب شعبها، لا يمكن الآن إنكار حقيقة أن الحل لم يعد بيد أي طرف سوري، وانتقل إلى المستوى الإقليمي والدولي، وصار يعترضه الكثير من الصعوبات والإشكاليات التي تحول دون تحقق خطوات ذات أثر، حتى على المدى المنظور.

خروج الحل من يد السوريين أدّى إلى ارتباطه بتوازنات دقيقة ومعقّدة بين الدول المتدخلة، وهذه التوازنات أدّت إلى حالة ركود وتعطّل للحل السياسي، وبدوره تحوّل الركود وتعطل الحل السياسي إلى تشاؤم وخيبة لدى السوريين، وبات أصحاب الثورة أمام مفترق طرق لخيارين.

الخيار الأول؛ هو الاستسلام للواقع، والتعايش مع الثورة باعتبارها مكسورة وفق صورتها الراهنة، وانشغال السوريين بحيواتهم وأوطانهم الجديدة، لتصبح بالتالي ثورة الحرية والكرامة التي ضحّى من أجلها مئات الآلاف بأرواحهم مظهراً تكميلياً يتباهى به الأحياء، وما يعني حتماً تحوّل الثورة مع الأيام إلى مشكلة مستدامة قد لا تجد لها حلاً خلال عقود.

الخيار الثاني؛ أن يبحث أصحاب الثورة والمؤمنون بحتميتها وضرورة نجاح أهدافها، عن استراتيجيات جديدة فعالة وبنّاءة وقادرة على تغيير المسارات، وأن يُفكّروا بوسائل لاستعادة جزء من ألقها وتحقيق أهدافها ولو تدريجياً، ويعصفوا ذهنهم داخل الصندوق حيناً، وخارجه أحياناً كثيرة أخرى.

على رأس المنطلقات التي تحتاج إلى تأكيد، أن الرهان لا يجب أن يكون إلا على الذات، وليس على الخارج

لاشك في أن الخيار الأخير هذا هو الأصعب، ويحتاج إلى إرادة وقدرة، فحرف المسار الدولي بطريقة تضمن تحقيق الجزء الأساس والأهم من أهداف الثورة السورية، في الحرية والمواطنة والديمقراطية والتعددية والتداولية، ليس بالأمر الهيّن إطلاقاً، وكذلك الأمر بالنسبة لإيجاد وابتكار وسائل وأدوات ثورية مؤثرة، لكن كل ذلك يمكن أن يكون على مرمى حجر لو وجد السوريون استراتيجيات فعّالة وأعادوا تأكيد المنطلقات من جديد.

على رأس المنطلقات التي تحتاج إلى تأكيد، أن الرهان لا يجب أن يكون إلا على الذات، وليس على الخارج، وتأكيد أن إتاحة الفرصة للشباب أن يواصلوا المسير أفضل من الاعتماد على جمود أصحاب العقائد والإيديولوجيات البائدة، وأن لمنظمات المجتمع المدني أدواراً مهمة يجب أن تلعبها.

وأن أي خطاب تمييزي أو إثني فيه مقتلة، وأن التطرف مرفوض بكل معانيه، وأنه يجب احترام وسماع الرأي الآخر، وأن بناء الذات، علمياً وفكرياً وثقافياً، هو شرط لازم رغم أنه غير كاف، وأن تصالُح الأيديولوجيات، العلمانية والإسلامية، أمر لابد منه، وأن يلتفت الجميع إلى الهم العام قبل الخاص.

لابد من عملية إعادة هيكلة عميقة لهيئات المعارضة السورية، لبنيتها وشخوصها، وأن ترسم كوادر المعارضة الأقدر استراتيجية جديدة ذات مدى قصير ومتوسط

كما أن هناك ما هو أهم، وربما هو الداء والدواء، الداء الذي أطفأ ألق الثورة، والدواء الذي يمكن أن يعيد بعضه، وهنا نعني المعارضة السورية، التي جرّبت بمراهقة سياسية، وأظهرت تناقضاتها، وأقصت الآخر لتتصدر المشهد، وهمّشت الأصوات المتوازنة، وشخصنت وتمسكت بالمناصب وتقاسمت وتحاصصت، ثم انقسمت وتمزقت وتشرذمت، ولم تمتلك القدرات السياسية المطلوبة، بل ولم تتعلم كيف تمتلكها، فساهمت في تفكك الثورة.

لابد من عملية إعادة هيكلة عميقة لهيئات المعارضة السورية، لبنيتها وشخوصها، وأن ترسم كوادر المعارضة الأقدر استراتيجية جديدة ذات مدى قصير ومتوسط، تبدأ بتهيئة المناخ للتعبئة السياسية الوطنية الشاملة، وتُقدّم رؤى استراتيجية سياسية واقتصادية واجتماعية وإنسانية شاملة، وترسم الطريق بكل احتمالاته لبناء دولة وإطار سوري جامع، وتعكس شعارات الثورة الأولى، وتخوض معركة سياسية دبلوماسية قانونية دولية مصيرية، وتصنع أدواتٍ لها وأذرعاً ولوبيات، ودون ذلك، سيبقى المنال بعيداً.

قبل عشر سنوات استفاق شباب سوريا على حقيقة أن النظام الأمني التمييزي الفاسد، أفقدهم حريتهم وكرامتهم، وسلب وطنهم، وسرق حقوقهم، فخرجوا ليطلبوا الحياة، وملؤوا الشوارع بالمظاهرات، وهم يستحقون بجدارة هيئات معارضة تتعامل مع القضية السورية بدهاء الدبلوماسيين وحنكة رجال السياسة، فهل سيكون ذلك بقريب؟