تأثيرات فوز بايدن على التطورات الإقليمية

2020.11.08 | 23:30 دمشق

amer_6.jpg
+A
حجم الخط
-A

فيما اتضحت صورة هوية الرئيس الأميركي الجديد، المرشح الديمقراطي جو بايدن، فقد بدأت دول الشرق الأوسط تستعد لدخوله البيت الأبيض، لأن فوزه سينعكس على وضع المنطقة، فإيران قلقة بشأن اقتصادها ومشروعها النووي، وسوريا تنتظر لترى ما إذا كان سيكون تغيير ما في ديناميكيات الشرق الأوسط، لاسيما على صعيد مستقبل نظام الأسد، فيما تأمل السلطة الفلسطينية أن "أكبر كابوس لها" سينتهي.

من الواضح أن هوية الرئيس الأميركي المنتخب لها تأثير كبير على المنطقة، والدول التي تعاني من عدم اليقين تواجه معضلات وتحديات، خاصة عقب تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين والسودان.

التقديرات المتوفرة تشير أن إيران التي تنتظر بفارغ الصبر نتائج الانتخابات الأميركية، وتنقسم الآراء حول ما إذا كان النظام في طهران يفضل بايدن على ترامب، لكنه يخشى أن يؤدي رفض سياسات ترامب لصدام عسكري مباشر، ثم عملية تفاوض واتفاق، ولأنهم ينظرون إليه على أنه غير متوقع، كما انعكس في اغتيال قاسم سليماني، فإنهم يخجلون من مجرد فكرة إعادة انتخاب ترامب.

تعتبر الانتخابات الأميركية حدثا دراماتيكيا للإيرانيين الذين يشعرون بقلق بالغ إزاء المشروع النووي واقتصادهم المتعثر، ولن يتمكنوا من تحمل المزيد من حزم العقوبات الاقتصادية من قبل الأميركيين، كما أن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية أمر مقلق للإيرانيين، لأنه سيؤدي لتآكل قوة إيران في الشرق الأوسط، ويثير قلقا كبيرا لدى طهران.

"الفيل" في الغرفة الأميركية هو إيران، فقد حقق ترامب أحلامه الوردية تجاهها، وانسحب من الاتفاق النووي معها، وأتبعها بسياسة "الضغط الأقصى" عليها، ويبدو أن ترامب وبايدن، يخططان

عند الحديث عن سوريا، فمن الواضح أن شبه الإعلان النهائي عن فوز بايدن، يتزامن مع حالة من الإنهاك التي يعيشها نظام الأسد

للتفاوض معها في حال انتخاب أحدهما، وإذا كان التوقع أن ترامب سيفاوض إيران، ولكن بأسلوبه هو فقط، أما بايدن فربما يخفف العقوبات لتهيئة مناخ إيجابي لاستئناف المفاوضات.

عند الحديث عن سوريا، فمن الواضح أن شبه الإعلان النهائي عن فوز بايدن، يتزامن مع حالة من الإنهاك التي يعيشها نظام الأسد، مما يؤكد أن دمشق وموسكو راقبتا عن كثب تطورات الحملة الانتخابية الأميركية، وإعلان مرشح الرئاسة الفائز، وقد انتظروا ليروا ما إذا كان ترامب سيعود رئيسا مرة أخرى، أو بالأحرى بايدن هو الذي سيجلب معه تصورا مختلفا للشرق الأوسط بطريقة ستؤثر على الديناميكيات الإقليمية.

أما السلطة الفلسطينية، فتصر على عدم الكشف عن نواياها قبل إعلان النتائج النهائية للانتخابات الأميركية، وتنتظر لترى من سينتخب، وما إذا كان سيغير سياسته، أم يتحول إلى قنوات أخرى، مع أنه في هذه المرحلة يُعرّف ترامب بأنه "أكبر كابوس" للسلطة الفلسطينية، خاصة بعد تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين والسودان.

السلطة قلقة للغاية بشأن اتفاقيات التطبيع بطريقة ستدفعها أكثر للزاوية، وتجعل استراتيجيتها غير ذات صلة، ولذلك تثير الانتخابات الأميركية مخاوف أن تمنح ولاية ترامب الثانية لإسرائيل اليد العليا لاتخاذ إجراءات بعيدة المدى، وحتى أحادية الجانب.

يؤمن بايدن بحل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية بجانب إسرائيل، وهذا الحل يجب أن يقود السياسة الأميركية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، والحفاظ عليه، رغم أن القضية الإسرائيلية الفلسطينية لن تكون على رأس أولوياته، فقيادة أبو مازن تقترب من نهايتها، ومعارك خلافته وشيكة، مع انعدام ثقة كامل بين نتنياهو وأبو مازن.

من المتوقع أن بايدن في عامه الأول رئيسا لأميركا، سيركز على القضايا الداخلية، دون أن يمنع ذلك انخراطه في السياسة الخارجية، لكن الفلسطينيين لن يكونوا في المقام الأول، فهناك ملفات إيران، والناتو، واستعادة القيادة الأميركية له، وإعادة العلاقات مع الصين وقضايا أخرى، رغم أنه سيسعى للحفاظ على حل الدولتين للأفضل، وتشجيع الأطراف على اتخاذ إجراءات إيجابية، وتجنب العمل الأحادي.

ويمكن التقدير أن إدارة بايدن ستطالب إسرائيل بالامتناع عن توسيع المستوطنات، وعدم الحديث عن ضم الضفة الغربية بعد الآن، وسيطلب من الفلسطينيين الامتناع عن نزع الشرعية عن إسرائيل، ودفع الرواتب للأسرى، لكن الأهم أنه يمكن لإسرائيل أن تنسى الأيام التي أعلنت فيها الإدارة الأميركية شرعية المستوطنات.

لا يصل تفاؤل الفلسطينيين إلى درجة أن بايدن ينوي إعادة السفارة الأميركية من القدس لتل أبيب، لكن التقديرات تشير أنه سيعيد إنشاء القنصلية المسؤولة عن العلاقات مع الفلسطينيين، ويعتزم تجديد المساعدات المالية لهم التي توقفت خلال عهد ترامب، وإعادة فتح السفارة الفلسطينية بواشنطن، وتهدف كل هذه الإجراءات لاستعادة ثقة الفلسطينيين فيها كوسيط عادل.

على الصعيد الإقليمي، من المتوقع أن إدارة بايدن ستتبنى التطبيع الإقليمي الذي ينتهجه ترامب تجاه إسرائيل، والاستفادة من زخم اتفاقيات السلام الموقعة، وتشجيع الدول العربية والإسلامية على ذلك، وسيحاول تسخيرها لخلق زخم إيجابي لحل الدولتين، ودمج الفلسطينيين في المفاوضات.

اللافت أن التقديرات تتحدث عن احتفاظ السعودية بقرار تطبيع العلاقات مع إسرائيل بمجرد تحديد هوية الرئيس الأميركي القادم، سواء ترامب أم بايدن، فإن وافقت على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فسيكون ذلك هدية عظيمة لبايدن وإرثه، وفي الوقت ذاته، قد يسير السعوديون على خطى الإمارات، ويسعون لصفقة لشراء طائرات إف35، مما سيضع بايدن والديمقراطيين، الذين اعترضوا على بيع الطائرة للدول المخالفة، في معضلة صعبة.

على الصعيد الثنائي الأميركي الإسرائيلي، يشكل فوز بايدن فرصة مهمة لإسرائيل لإعادة بناء العلاقات مع الحزب الديمقراطي، بعد أن وصلت في عهد نتنياهو إلى أدنى مستوى لها، مع أن إسرائيل لم تكن مثيرة للجدل على الإطلاق في السياسة الأميركية، وخلال الفترة الانتقالية بين الانتخابات وأداء الرئيس المقبل اليمين الدستورية، فهناك احتمال أن تحاول إدارة ترامب اتخاذ خطوات بشأن القضية الفلسطينية، لإرساء حقائق على الأرض لها تداعيات على إدارة بايدن التي تتجهز لدخول البيت الأبيض.

مع أن أحد الخيارات التي تدرسها إدارة ترامب هو ترجمة صفقة القرن إلى مذكرة تفاهم، أو تبادل رسائل بين إدارة ترامب وحكومة نتنياهو، في محاولة لربط إدارة بايدن ومحاولة تحويل صفقة القرن إلى سياسة أميركية رسمية ونهج متفق عليه بين إسرائيل والولايات المتحدة، لكن هذا مشابه لرسالة الرئيس السابق جورج بوش لرئيس الوزراء أريئيل شارون في أبريل 2004، وأعرب فيها عن دعمه لخطة فك الارتباط.

ورغم أن نتنياهو فضل بقاء ترامب في البيت الأبيض، ولو كان بإمكانه التصويت لصوت لصالحه، لكنه سيعرف كيفية التعامل مع صديقه القديم بايدن، وإذا كان مؤهلا للتصويت في الولايات المتحدة، فسيكون من الطبيعي والمنطقي أن يصوت لصالح ترامب، ولأقنع جميع معارفه بالقيام بذلك أيضا، مع أن تيارا إسرائيلياً يرى أن نتنياهو استخرج كل ما بوسعه من ترامب، ويفضل ولاية بايدن الرئاسية الأولى على ولاية ترامب الثانية.

يعتقد الإسرائيليون أنه لا يوجد شيء أخطر من رئيس لفترة ثانية، خاصة عندما يكون ترامب الذي لا يمكن التنبؤ بسياساته، ونتنياهو، وفقا لهذه النظرية، كشط الجزء السفلي من برميل الإيجابيات التي ملأها ترامب طوال السنوات الأربع الماضية، ويفضل الآن وجودا مألوفا ومستقرا بالبيت الأبيض، على حضور يركز على تشكيل إرثه، والتطلع لجائزة نوبل، لأن التوافق مع رئيس في ولايته الثانية يعتبر مقامرة، رغم صعوبة تجاهل الهدايا الاستراتيجية التي لا نهاية لها ولا تصدق التي أمطره بها ترامب طوال فترة ولايته.

التعامل الإقليمي مع فوز بايدن، يعيد للأذهان كيفية تفاعله مع فوز ترامب لدى انتخابه في 2016، حينها مارس نتنياهو رقصة جامحة، لكن الدبلوماسيين الإسرائيليين المحترفين تصببوا عرقا، وهم يحاولون فهم سياسات الرئيس الجديد، ويخمنون تعييناته وقراراته، لأنه شكل لهم لغزًا، ولم يكن لديهم أي فكرة عمن سيحضر معه.

التقدير السائد في الأشهر القادمة، وربما في سنوات بايدن الأربعة المقبلة، أن تعود المنطقة إلى حقبة كلينتون-أوباما، فمساعدوهما تعرفهم عواصم الشرق الأوسط جيدا، لأنهم جاؤوا من خلال المنظومة، وعملوا لسنوات في مجلس الشيوخ والبيت الأبيض ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي، يمكن التنبؤ بهم، مألوفون، بعيدا عن قطاع المحامين ووول ستريت ورجال المال والأعمال.

هناك استدراك لابد منه عند الحديث عن تأثيرات فوز بايدن على تطورات المنطقة، حيث لا يزال بإمكان إسرائيل شكر الحظ السعيد الذي ترك مجلس الشيوخ مع الجمهوريين، وطالما أن مجلس الشيوخ جمهوري، فإن تل أبيب جاهزة تمامًا، لأنها ناورت الرئيس باراك أوباما الشاب الذي نفد صبره لثماني سنوات، ولن تواجه صعوبة بمناورة بايدن، خاصة وأن بايدن ونتنياهو يتمتعان بعلاقة ودية حقيقية منذ عقود، وسوف يتعايشان، ولن تكون علاقة عاطفية كما ترامب، لكنها ستكون محتملة تمامًا.