بين إدلب وترامب: 35 ألف "إرهابي"

2018.09.30 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

بعد تعيين جيمس جيفري مبعوثَا خاصًا لسوريّة، وبعد إعلان إدارة ترامب بقاء قواتها في سورية إلى موعد غير معلوم، سادت تكنهات وتحليلات تشير إلى وجود استراتيجيّة أميركية سياسيّة- عسكريّة تجاه الملف السوريّ. ومع أن ما رشح من عناوين حول هذه الاستراتيجية لا يميز بينها وتلك السائدة منذ عهد أوباما لجهة استمرار التركيز على هزيمة داعش عسكريّا، والتدخل المضبوط والمحدود في حال استخدام السلاح الكيماوي، والتفاهم مع روسيا للوصول إلى حل سياسي يجهل ملامحه ومعالمه المستقبليّة. في ضوء هذه الاستراتيجية، أو اللاستراتيجيّة، لم يكن مفاجئا ما قاله جيمس جيفري عن أن إدارة أميركا تسعى إلى استنساخ سيناريو نوري المالكي عام 2014 في سوريا من خلال إزاحة الأسد عبر الدستور.

ومع إقرار الجميع بوجود اختلافات بنيوية بين حالتي سورية والعراق، فإن مسعى الإدارة الأميركيّة يتركز، كما وضحه جيفري، على مسألة تجميد الصراع لا حله، والاكتفاء بإجراءات تجميليّة تعيد إنتاج الواقع الحالي بصورة جديدة على ما جرى في العراق بعد انتخاب حيدر العبادي. على هذا الأساس فإن رؤية جيفري الجديد تقوم على إهمال مسار جنيف خلال الفترة الحاليّة، والتركيز على مخرجات سوتشي (اللجنة الدستوريّة) آملا في أن يغري ذلك روسيا للتعاون مع الولايات المتحدة  لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254.

في ضوء ما سبق، يمكن أن نفهم سلسلة من التصريحات المتناقضة لأقطاب الإدارة الأميركيّة تجاه الملف السوريّ خلال أزمة إدلب الأخيرة. فالولايات المتحدة بداية، وعبر سفيرتها في الأمم المتحدة نيكي هيلي، لم تعترض على العمليّة العسكريّة الروسية في إدلب، وركزت فقط على ضرورة التمييز ما بين " الإرهابيين" و" المدنيين" من أجل منع حصول مجازر واسعة مع إمكانية قبولها إن كانت محدودة.

مسعى الإدارة الأميركيّة يتركز كما وضحه جيفري على مسألة تجميد الصراع لا حله، والاكتفاء بإجراءات تجميليّة

أضف إلى ذلك، بدا واضحًا خلال خطاب ترامب في الجمعية العامة الأسبوع الماضي "غياب" أو "تغيب" الملف السوريّ عن أجندة الرئيس الأميركي كما هو مع ملف القضية الفلسطينية. وما زاد الطين بلة، الخطاب الاستعراضي الشعبوي الذي أدلى به ترامب عن نجاحه المزعوم في إيقاف العملية العسكرية في إدلب. فالرجل الذي يفترض أن تسخر له إمكانيات أعظم بيروقراطية في العالم المتحضر ادعى علمه بالهجوم من خلال فتاة مؤيدة خافت موت عائلتها وأقاربها في هجوم وشيك يستهدف " 35 ألف إرهابي"، فأوعز إلى مستشاره جون بولتون ووزير خارجتيه مايك بومبيو للعمل دون ذلك قبل أن يكتب تغريدة كاملة أدت إلى وقف الهجوم.

وعلى فداحة هذا التصريح أو التقدير كمًا  ونوعًا، وعدم دقته بالتأكيد إذ ما أخذنا بعين إجمالي عدد مقاتلي هيئة تحرير الشام، وحراس الدين والحزب الإسلامي التركستاني المدرجين على قوائم الأمم المتحدة للإرهاب، فإنه يوضح نزوع الولايات المتحدة لتأييد روسيا في سورية بشكل شبه كامل مع إبقاء الخلافات السطحية التي قد تتضيق أو تتوسع تحت عنوان الاختلاف على دور ومستقبل "بشار الأسد".

 

35 ألف إرهابي:

في 19 أيلول/ سبتبمر الجاري نشرت مجلة فورين بوليسي " Foreign Policy" مقالة مطولة بعنوان "  Time for Peace Talks With ISIS and Al Qaeda?" أو " حان الوقت لمحادثات سلام مع داعش والقاعدة". تنحصر فكرة هذا المقال في مقولة لطالما رددها أبناء المنطقة خلال السنوات السابقة وهي أن الحرب العالمية على الإرهاب " War On Terror" وبعد 17 عاماً على غزو أفغانستان لم تفشل في هزيمة المنظمات الجهادية وحسب،  بل إن الأخيرة نجحت في مواقع عدة في أن تكون مصدر إلهام لكثير من الجهاديين حول العالم. أكثر من ذلك، تركز المقالة على فكرة جوهرية مؤداها استفادة المنظمات الجهاديّة من نزاعات الحرب الأهليّة لإيجاد مواطئ قدم في مناطق مختلفة كما حصل في سورية والعراق مؤخرا، والجزائر في فترات سابقة من خلال التحالف مع فصائل مسلحة غير جهاديّة. الأمر الذي أظهرها كحركات مقاومة في مشهد  يعيد استنساخ تجربة القاعدة إبان مرحلة الاحتلال السوفيتي لأفغانستان. ونظرًا للمرونة التي أكتسبتها المنظمات الجهادية خلال خبرة عقدين من الزمن، وانصهارها داخل هذه الصراعات، فإن هزيمتها أصبحت أكثر صعوبة نتيجة عدم التمييز بين احتواء الإرهاب أو القضاء عليه من احتواء التمرد أو الثورات المسلحة " Counter Terrorism and counter insurgency " . وعلى هذا الأساس تطرح المقالة فكرة عن ضرورة اللجوء إلى أساليب بديلة (قد تكون جنبا إلى جنب مع الأساليب العسكرية)، وتستشهد في تعزيز ذلك بالمفاوضات مع طالبان في أفغانستان وما جرى مع حركة أحرار الشام الإسلامية في سورية التي كانت تقاتل جنبا إلى جنب مع النصرة وتحولت إلى خصم لها قبل أن تدخل في الجمس العسكري الذي أطرته تركيا تحت عنوان " الجبهة الوطنية للتحرير".

بالعودة إلى ترامب، فإن التصريحات التي ألقاها جزافاً ودون أي محاذير توحي بأن الخلط بين "التمرد – الحركات الثورية المسلحة"، و" الحركات الجهادية" ما يزال قائمًا وهو موجود أيضًا لدى ديمستورا الذي أطلق غير مرة تصريحات في هذا الصدد. وعلى الرغم من أن المظاهرات الثورية التي شهدتها ساحات مدينة إدلب أعادت روح الثورة، وبوصلتها وساهمت قليلاً في التمييز السابق، فإنّ الميل إلى الدمج والخلط بين الثورة والإرهاب في آخر معاقل قوات المعارضة سوف يكون هو الاتجاه السائد لدفع المعارضة للمضي أكثر في مسار التنازلات من أجل تجميد الصراع وتجميل النظام دون تحقيق حل سياسي. الأمر الذي يفرض تحديات على تركيا والمعارضة السورية باعتبارهما الطرفيين الوحيديين المناوئين لخطط روسيا في إدلب، وذلك عبر تطوير أدوات احتوائية وإقناعية من شأنها أن تفكك التحالفات الاجتماعية لهيئة تحرير الشام في إدلب لإبعاد المقاتلين المحليين عنها وعزل الأجانب منهم كمقدمة لأي سيناريوهات أخرى تساهم في الحفاظ على جذوة الثورة مشتعلة.