بوتين يحرك المياه الأميركية الراكدة في سوريا

2021.06.15 | 06:19 دمشق

news-180321-usa.russia.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم تكن الحزم الخمسة من عقوبات "قانون قيصر" المفروضة على النظام السوري خلال فترة حكم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ذات تأثير عقابي اقتصادياً، إلا أنها أزعجت موسكو لما لها من تأثيرات سياسية على إنجاز مخططها في الملف السوري، لا سيما وأن قدرة التمهيد الروسية لمرحلة إعادة الإعمار كانت معدومة؛ حتى دون استمرار التصريحات الغربية الرافضة لأي إعادة إعمار دون انتقال سياسي شامل في سوريا.

لذا فإن العقوبات القيصرية كان لها دور دفاعي يقيد التحرك الروسي في مساعيه داخل الملف السوري ما بعد إنجاز التفاهمات الروسية – التركية في الشمال الغربي من سوريا (مطلع عام 2020- قبل أول حزمة عقوبات في حزيران من العام ذاته)، وعطلت حتى من أية مشاغبات روسية تصعيدية في شمال شرق سوريا.

نقاط خلافية في الملف السوري ستكون مثار النقاش والتفاوض بين واشنطن وموسكو

لعل لقاء بوتين - بايدن في جنيف السويسرية على هامش اجتماعات قادة مجموعة السبع وحلف شمال الأطلسي "الناتو"، الذي يأتي لأول مرة منذ تولي بايدن الرئاسة في الولايات المتحدة، يفتح المجال لبحث العديد من المسائل الإشكالية بين البلدين، حيث يمثل الملف السوري أحد أبرز تلك المسائل.

نقاط خلافية في الملف السوري ستكون مثار النقاش والتفاوض بين واشنطن وموسكو سواء على مستوى الرئيسين (لقاء جنيف) أو على مستوى المتخصصين الوزاريين/الديبلوماسيين.

لا يهم إن كان لقاء جنيف بين بايدن وبوتين سيؤدي إلى أي اتفاق يبنى عليه لبداية حل ناجز في سوريا، إلا أن التفاهم على استمرار المشاورات بين الجانبين قد يكون مهما خلال هذه الفترة، ما يجعل احتمالات التقدم في خطوات إيجابية متلاحقة بعد اللقاء أمرا قابل الحدوث بشدة.

كان ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي، قد أرسل مؤشرات إيجابية تسبق اللقاء خلال تصريحاته التي قال فيها باحتمالية حدوث انتخابات رئاسية مبكرة في سوريا إذا ما تم الاتفاق بين المعارضة والنظام على دستور جديد، ولعل هذا التصريح يبدو كبادرة حسن نية تقدمها موسكو تجاه واشنطن، وتعاط إيجابي روسي مع قرار إدارة بايدن القاضي بعدم تمديد عقد استثمار الشركة الأميركية "دلتا إينرجي" لحقول النفط في الشمال الشرقي من سوريا، ما يفسح المجال لدخول شركات روسية مقربة من بوتين على خط هذا الاستثمار،

لا سيما وأنها تمتلك عقوداً سابقة لإعادة تشغيل الحقول بحسب العقود التي ما زالت سارية المفعول.

تبدو مرحلة بايدن مع روسيا، أكثر ديبلوماسية من سلفه بايدن، ولعل التقارب المحتمل سيمر من خلال بحث عدة مسائل في الملف السوري، سواء الحديث حول حقول النفط واستمرار الوجود الأميركي في سوريا لا سيما في قاعدة التنف، وكذلك النفوذ الروسي وإدارة وجوده، وصولاً إلى ملف المساعدات الإنسانية في سوريا وتنسيق وصولها، فضلا عن التعاطي مع اللجنة الدستورية ومخرجات القرار الأممي 2254 ودور بشار الأسد في المرحلة المقبلة.

الجزم بأي تطور قد ينتج عن المباحثات الأميركية - الروسية حول سوريا هو أمر غير متاح بسبب تعقد مسار الحل في سوريا

إضافة إلى ذلك تسعى موسكو إلى تجميد العقوبات الأميركية ضمن "قانون قيصر"، واستخدام مبدأ "العقوبات الذكية" الذي يتيح وصول أموال إعادة الإعمار إلى دمشق بشكل جزئي، من أجل ترميم البنى التحتية فقط دون إعمار أية مشاريع جديدة. كذلك فإن ملف "مكافحة الإرهاب" والتعامل مع القوى التي تدعي روسيا محاربتها في الشمال الغربي من سوريا، هي مسائل قابلة للنقاش والاتفاق.

الجزم بأي تطور قد ينتج عن المباحثات الأميركية - الروسية حول سوريا هو أمر غير متاح بسبب تعقد مسار الحل في سوريا، وتعقد المصالح المشتركة بين الجانبين أيضاً أو الأطراف المتحالفة معهما. وقد يكون تقارب واشنطن مع طهران (غير مرجح الحدوث حتى الآن) حيال الاتفاق النووي عاملا مؤثرا على زيادة التباعد الروسي الأميركي بشكل يؤدي إلى تغيير واشنطن استراتيجية تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا وبالتالي تغيير التعاطي مع روسيا بالانطلاق من هذه المسألة، بدلا من التوافق معها على تكثيف الضغوط من أجل تحجيم إيران في حال رفضت القبول بشروط واشنطن فيما يتعلق بالاتفاق النووي.

ليست إيران المؤثر الوحيد على مباحثات واشنطن وموسكو، وإنما بحث دور الدول الفاعلة في الشأن السوري سيكون له تأثيره. إضافة إلى خارطة الطريق التي سيرسمها الدبلوماسيون من كل طرف، وضمان الالتزام فيها وآلية التعامل معها، فضلا عن أهمية عزل باقي الملفات الخلافية بينهما عن الملف السوري، وضمان التهدئة في تلك الملفات، سواء في الدور الروسي في ليبيا أو في أوكرانيا.