بناء وإصلاح هياكل المعارضة لا هدمها

2022.04.11 | 07:26 دمشق

e6g7ql9wuagnwal.jpeg
+A
حجم الخط
-A

بعد أكثر من عقد على انطلاق الثورة السورية، وبعد أن وصلت المعارضة إلى ما يُشبه الجدار المسدود، ارتفعت أصوات كثيرة تُطالب بضرورة التخلّص من الهياكل السياسية لهذه المعارضة وإسقاطها، بما فيها من الائتلاف الوطني وهيئة التفاوض السورية واللجنة الدستورية وغيرها، مؤكدين أن هذه الأجسام والهياكل لم تعد تصلح، وأنهم إن أسسوا هياكل جديدة أقوى ستحظى بدعم دولي سريع وتعاطف، وستعيد للثورة ألقها وتدفع بالقضية السورية إلى أولويات المجتمع الدولي تدريجياً، وتُحقق نتائج على مستوى التفاوض مع النظام والاتفاق على الدستور.

لا يمكن إنكار ضعف وهزالة المعارضة السورية وقلّة خبرتها وضآلة نتائج ما تقوم به، بأكثر من مجال وعلى أكثر من مستوى، ويمكن الحديث عن هذا الضعف على صعيد الكيانات والأشخاص، لكن ما يطلبه البعض من إلغاء الموجود، لا يمكن له أن يكون الطريق للوصول إلى أي نتائج على صعيد الحل السياسي للقضية السورية، ولا يمكن أن تكون الخطوة المُتقدمة للنضال السوري ضد الديكتاتورية.

الولايات المتحدة مستمرة في عدم اكتراثها بمآسي السوريين وكارثتهم، ولا تأبه بالزمن إن طال طالما أنها بعيدة عن بؤرة الخسائر ورائحة الموت

واقع الحال الراهن يقول إن القضية السورية، ولعوامل عديدة ومُعقّدة، بعضها ذاتي وبعضها له علاقة بالقوى الإقليمية والدولية المتدخلة بالشأن السوري، لم تعد في سلّم أولويات المجتمع الدولي، فغالبية الدول العربية باتت أكثر قرباً من فكرة دعم النظام واستمراره من فكرة دعمها للشعب والمعارضة والمطالب المحقّة للسوريين، كما أن غالبية الدول الأوروبية سئمت بعد إحدى عشرة سنة من المماحكة الدولية وخيبات الأمل، وباتت تُناقش بجدّية مبدأ الخطوة مقابل خطوات، والتي في الغالب الأعم لن تكون مُلزمة للنظام ومُخيّبة لآمال المعارضة، كذلك الولايات المتحدة مستمرة في عدم اكتراثها بمآسي السوريين وكارثتهم، ولا تأبه بالزمن إن طال طالما أنها بعيدة عن بؤرة الخسائر ورائحة الموت.

طوال أحد عشر عاماً، قُدّمت مبادرات عديدة، عربية وإقليمية وأوروبية ودولية وأممية، تزيد على العشرين، وتحرّكت كثيراً عواصم القرار للبحث عن حل للقضية السورية، وعُقدت مؤتمرات كبرى على أكثر من مستوى، في فيينا وجنيف وأستانا وبروكسل والقاهرة والرياض وغيرها، وحصلت مواجهات دبلوماسية وسياسية بين الدول التي تدعم المعارضة وتلك التي تدعم النظام، وحصلت توافقات سرعان ما نُقِضت وانسحب أطرافها، وأُعطيت وعود لم يُنفّذ منها شيء، وصدرت قرارات لم يُنفّذ منها إلا النادر، وحاولت كل الأطراف سحب البساط لجهتها في مماحكات لم يستفد منها الشعب السوري المكلوم، وكل ما قُدِّم لم يقبله النظام السوري، أو عطّلته روسيا، أو ضغطت إيران لتمييعه، أو رفضته المعارضة بسبب حجم التنازل الكبير المطلوب فيه، وعملياً وواقعياً لم يبق من كل القرارات والمبادرات والمسارات الحيّة سوى القرار 2254، ومسار اللجنة الدستورية، وسوى ذلك، لم تعد تكترث أي دولة بالحل السياسي في سوريا، وكل واحدة منشغلة بشؤونها ومصالحها.

لو تم إسقاط الهياكل السياسية للمعارضة السورية القائمة حالياً، يُخطئ من يتوقع تأييداً دولياً أو إقليمياً لأي هياكل جديدة، ويخطئ كذلك من يتوقع أن يكون هناك أي اهتمام بما سيتشكل بعدها، ولربما كان هناك محاولات ولم تحظَ بأي تأييد، بل وأبعد من ذلك، فإن غالبية الدول ستجد أن فشل وانهيار المعارضة السورية هو المبرر لوقف تأييد السوريين في قضيتهم، وحجّة لسحب الأيادي عن الملف السوري المُتعب وذي المسار الطويل، وسيكون الغرب غير معني بما ستؤول له سوريا مهما كبُرت كارثتها.

في نظرة واقعية غير متعصبة، تأخذ بعين الاعتبار مصالح ملايين السوريين المنكوبين، يمكن القول إنه لم يبق عملياً سوى ائتلاف للمعارضة معترف به، ومسار للجنة دستورية هو الوحيد الذي يحظى بمتابعة ورعاية غربية وأممية، وسواهما لا وجود لمسارات أو حلول في قاموس المجتمع الدولي، وفي الغالب الأعم لن يكون، والمجتمع الدولي لم يعدْ يرى سوى القرار 2254، وهو القرار الوحيد الذي يحظى بموافقة كل الأطراف على اختلاف توجّهاتها.

المطالبة بهدم وإسقاط هياكل المعارضة ومساراتها فيه من المخاطر الكثير، والمطلوب والداعم لقضية السوريين هو المطالبة بالإصلاح الحقيقي غير المبني على الرؤى الشخصية

خرج السوريون في ثورتهم بمطالب واحدة وواضحة، نظام تداولي، لا طائفي ولا أمني، دولة تقوم على أسس الحرية والعدالة والديمقراطية والمواطنة والحكم الرشيد، أرادوا تغييراً سياسياً، ودستوراً جديداً حضارياً، وكانوا أكثر حرصاً على أن يكونوا متّحدين أمام الرأي العام العالمي، ودعموا معارضتهم رغم تناقضها وضعف قدراتها السياسية وأخطائها، لكن الآن تعود نسبة ليست قليلة للمطالبة بالهدم، وإسقاط هياكل المعارضة، ويريدون وقف المسارات التفاوضية واللجنة الدستورية، ويتهمونها بأبشع الاتهامات، دون أن يكون لديهم أي بديل، أو أي خطة أو مسار أو خارطة طريق أخرى.

المطالبة بهدم وإسقاط هياكل المعارضة ومساراتها فيه من المخاطر الكثير، والمطلوب والداعم لقضية السوريين هو المطالبة بالإصلاح الحقيقي غير المبني على الرؤى الشخصية، وإعادة النظر الجذرية، والتعديلات الديمقراطية في النظام الداخلي، وباختيارات تخضع للتصويت، وبالبحث عن الكفاءات الحقيقية والخبراء الدبلوماسيين والدستوريين ورجال القانون والسياسيين المحنّكين، شخصيات قادرة على التخاطب والتعامل مع المجتمع الدولي بلغته ومنطقه، وبدلاً من الهدم، يتم التوجه نحو تدعيم البناء، ومراكمة التجارب، والاستفادة من الأخطاء، للوصول إلى هياكل معارضة تحظى برضى أكبر شريحة ممكنة من السوريين.