بعد عشر سنوات من الثورة ماذا بقي للسوريين من أمل؟

2021.03.09 | 06:47 دمشق

0rtr2xlna-1024x664-1.jpg
+A
حجم الخط
-A

أكملت الثورة السورية عقدها الأول في ظل متغيرات وتطورات دولية وإقليمية ومحلية حساسة من المتوقع أن ترخي بتداعياتها على مسيرتها خلال المرحلة المقبلة، من هذه التطورات وصول إدارة جديدة إلى البيت الأبيض لم تتضح استراتيجيتها حتى الآن تجاه قضايا المنطقة، إلى جانب توترات وملفات ساخنة تشهدها منطقة الشرق الأوسط التي تعيش على صفيح ساخن. وعلى المستوى الداخلي فشلت جميع الجهود في التوصل إلى تسوية سياسية دائمة، بما في ذلك صياغة دستور جديد للبلاد، وإعداد النظام لانتخابات رئاسية جديدة وسط صمت رهيب من المجتمع الدولي.

عشر سنوات انقضت، مرَّ فيها قطار الثورة الغرّاء بمحطات كثيرة كانت مليئة بالهموم والآلام والقتل والتشريد والنزوح، لكنها لم تمنع لحظات الأمل بالخلاص من الطغيان والدكتاتورية بالتسلل إلى نفوس السوريين رغم الجراح المثخنة التي خلفتها الحرب الشعواء التي قادها بشار الأسد وحلفاؤه ضدهم منذ عام 2011. عشر سنوات أثبتت السنة تلو الأخرى أن هذا النظام بكل جبروته وآلته القمعية لا يمكن إلا أن يسقط ولو بعد حين، وعلى الثورة السورية أن تجدد دماءها وروحها من جديد في نفوس السوريين، وأن تثبت للعالم أجمع نبل أهدافها وغاياتها، وتكشف زيف الادعاءات التي حاولت النيل منها أو تشويهها.

يُحيي السوريون هذه الأيام الذكرى السنوية العاشرة لانطلاقة الثورة، حيث تصدرت عبارة "تجرأنا على الحلم ولن نندم على الكرامة" وسائل التواصل الاجتماعي، وتعكس هذه العبارة التي خطتها المخرجة والناشطة السورية وعد الخطيب، صاحبة فيلم "من أجل سما" الذي فاز بجائزة الأكاديمية البريطانية لفنون الأفلام والتلفزيون كأفضل فيلم وثائقي، ملحمة شعب مقهور قاد ثورة استثنائية بكل المقاييس. ويشعر من يتابع هذه الحملة بكل ثقة أن الشعب السوري رغم كل ما واجهه ما يزال مُصرّاً على السير في طريق الكفاح المثقل بالكثير من التحديات للوصول إلى الحرية والكرامة وبناء دولته الحديثة الخالية من كل مظاهر التخلف والرجعية والاستبداد، وهو خيار لا رجعة فيه بعد سيل التضحيات التي قدمها، طريق لا بد من السير فيه إلى النهاية، وإلا فإن الانتكاسة تعني عشرات السنوات الأخرى من التوريث لآل الأسد ونهب ثروات البلاد وحكم العباد بالحديد والنار.

الثورة هي نتاج عمل تراكمي كامن امتد لسنوات ولا علاقة لأحزاب المعارضة فيه، بل على العكس تماماً فهذه الأحزاب والشخصيات المعارضة باتت عبئاً على الثورة

هذا الإصرار الشعبي الكبير على المضي في طريق مقاومة الظلم والاضطهاد هو من يغذي سيرورة الثورة وعنفوانها والحفاظ على مبادئها وقيمها النابعة من وجدان الشعب وضميره، وهو من يُقَوِّم أيضاً أداء المؤسسات والشخصيات التي تدعي تمثيلها لها، لذلك أجبرت القاعدة الشعبية للثورة تلك المؤسسات عدة مرات على التراجع عن بعض القرارات التي اتخذتها دون مراعاة رأي الشارع السوري ومصلحته الحقيقية، وهذا يؤكد أن الثورة هي نتاج عمل تراكمي كامن امتد لسنوات ولا علاقة لأحزاب المعارضة فيه، بل على العكس تماماً فهذه الأحزاب والشخصيات المعارضة باتت عبئاً على الثورة وهي من ساهمت في حرفها عن المسار الصحيح، الأمر الذي يستدعي من الثورة إصلاح ذاتها من الداخل وتصحيح مسارها أولاً قبل المضي في طريقها، من خلال التخلص من هذه المؤسسات والشخصيات واستبدالها بمؤسسات ثورية قادرة على قيادة المرحلة الحساسة التي وصلت إليها، وقد يكون هذا هو التحدي الأكبر الذي تواجهه الثورة خلال الفترة المقبلة.

على المستوى الدولي، تبدلت العديد من المواقف بين مؤيد أو محايد أو داعم للثورة أو للنظام، كما تراجع زخم الاهتمام بما يجري في سوريا، ولم تعد القضية السورية ضمن العناوين الرئيسة لوسائل الإعلام العالمية، لكن أثبتت السنوات السابقة أن حلفاء النظام كانوا أكثر ثباتاً في تقديم العون السياسي والعسكري والإعلامي لعميلهم في دمشق على كل المستويات، في حين تراجعت العديد من الدول عن دعمها للثوار بذرائع كثيرة لا مجال لذكرها هنا، كما أكدت الوقائع أن النظام كان الأقدر على التلاعب بالأوراق لتشويه صورة الثورة وتخويف داعميها خاصة ورقة الإرهاب والجماعات المتشددة التي استخدمها بخبث شديد لجلب انتباه الفاعلين الدوليين إلى جانبه. كما أثبت الواقع العملي أيضاً أن المجتمع الدولي لا يكترث كثيراً للقيم ومبادئ حقوق الإنسان التي يُنظّر لها، وأن هذه القيم والمبادئ تختفي عندما تتقاطع مع مصالح الدول، وأبرز مثال على ذلك إفلات بشار الأسد وعصابته من العقاب بسبب استخدامه الأسلحة الكيميائية، وجرائمه الأخرى التي تنتهك جميع الأعراف والمواثيق والقواعد الراسخة في القانون الدولي.

على المستوى الإنساني والاجتماعي هجَّر النظام أكثر من نصف سكان سوريا إلى الدول المجاورة والمخيمات وأصقاع العالم كله، ومن بقي لا يزال يصارع في طوابير للحصول على ربطة خبز أو بضع ليترات من المحروقات، ولا يزال يقبع في سجون النظام ومعتقلاته السرية آلاف من المعتقلين والمغيبين قسرياً قضى قسم كبير منهم تحت التعذيب بأشكاله المختلفة، في حين قلب تدفق اللاجئين إلى أوروبا العديد من سياسات الدول وساهم في صعود الأحزاب اليمينية المناهضة للمهاجرين وكشف عن الوجه الحقيقي لحكومات هذه الدول التي تتشدق بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، كما قوضت الانتهاكات التي تعرض لها السوريون صدقيَّة العديد من المؤسسات والمنظمات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية.

وكشف تقرير صدر مؤخراً عن "منظمة الرؤية العالمية" بعنوان "ثمن باهظ للغاية: كلفة الصراع على أطفال سوريا" نتائج صادمة عن الخسائر البشرية للحرب التي شنها النظام على الشعب السوري، وأشار التقرير إلى أن جيلاً كاملاً قد ضاع في هذا الصراع، والأطفال سيتحمّلون الكلفة من خلال فقدان التعليم والصحة. ولفت التقرير إلى أن "الصراع في سوريا يعدّ من أكثر النزاعات الدموية بالنسبة للأطفال والأكثر تدميراً، حيث يقلل من متوسط العمر المتوقع للأطفال بمقدار 13 عاماً. وأشارت إحصائيات أوردها التقرير إلى مقتل أكثر من 55 ألف طفل، في حين أجبرت الحرب ما يقرب من 12 مليون شخص على ترك منازلهم، أو النزوح داخل بلادهم أو عبر الحدود.

وعلى الجانب الاقتصادي، ما يزال الاقتصاد السوري يشهد انهياراً دراماتيكياً وصراعاً على النفوذ والسطو على ممتلكات وثروات البلد بين تجار الحرب الذين يديرهم النظام من خلف الكواليس. وفي هذا الصدد قال التقرير أعلاه إن الكلفة الاقتصادية للنزاع في سوريا بعد 10 سنوات تقدّر بأكثر من 1.2 تريليون دولار أميركي، وأضاف: "حتى إذا انتهت الحرب اليوم، فستستمر كلفتها في التراكم لتصل إلى 1.7 تريليون دولار إضافي بقيمة العملة اليوم وحتى عام 2035". وشدّد التقرير على أن "السلام المصحوب بحل سياسي شامل وتمثيلي للأزمة هو السبيل الوحيد لتجنب مزيد من التكاليف الاقتصادية والبشرية. ودون تحقيق ذلك، سيستمر الأطفال السوريون في دفع ثمن فشل الكبار".

لقد عاش السوريون عشر سنوات من التدمير والتهجير والترويع وضحّوا ودفعوا ثمناً باهظاً لمطالبهم المشروعة، تحوّل حلمهم إلى كابوس ونفق طويل مظلم يجب عليهم السير فيه حتى بلوغ مبتغاهم، وإلى ذلك الحين تبقى الثورة السورية شعلة مضيئة، ونبراساً يهتدي إليه الباحثون عن العدالة والرفعة والكرامة والعزة وإحقاق الحقوق.