بعد صفعة لافرنتييف.. في أي مرآة يجب أن ترى المعارضة وجهها؟

2022.01.06 | 06:02 دمشق

fd33781a-732b-466b-bb08-26f5b4e64a2b.jpg
+A
حجم الخط
-A

قبل 11 شهراً من الآن، كتبت هنا، في هذا المنبر، سؤالاً يقول: "متى ستنسحبون من عبث اللجنة الدستورية؟!"

طبعاً، لم يجب أحد من مؤسسات المعارضة المشاركة في اللجنة عن السؤال، وأشك في أن المعنيين، قد مرّوا عليه أصلاً.

وإذا كان الغرض من المقالة السابقة هو حض السياسيين على التعاطي مع الآراء التي يكتبها سوريون يتابعون أداءهم، ويقرؤون ما يجري، بينما ينشغلون هم في الرد على الخصوم، فإن شيئاً من هذا لم يحدث، حيث ظلت الهوة تتسع، ليس بين هؤلاء وبين الإعلاميين والمحللين السياسيين فحسب، بل بينهم وبين الجمهور السوري المعارض ذاته، فلم يعد مهتماً، بعد أن فقد الإحساس بجدوى العملية السياسية التي شدّت على طموحاته كفنها، وتكاد تلقي كمشة تراب على تابوت أحلامه إيذاناً بدفنها، خاصة أنّ مرور الوقت، كان كافياً لتأكيد ما كتبه أصحاب الرأي والرؤى، عن عبثية إعادة كتابة الدستور السوري بالشراكة مع نظام قاتل مستبد، لا يريد بالأصل أن يتغير، وأرسل لإفشال العملية، وفداً مخابراتياً، يتقن فن التفاوض من خلال المناكفات والنكايات.

إذ أتى تصريح ألكسندر لافرنتييف، مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سوريا، لينهي المسألة، وليضيف إلى سلّة العدمية أيضاً أي جدوى من تكرار هذه الاجتماعات، التي وبحسب قوله يجب ألا تهدف إلى تغيير السلطة في البلاد، خصوصاً أن "حكومة النظام راضية عن الدستور الحالي، وفي رأيها لا داعي لتعديلات".

مقابل وضوح تصريح لافرنتييف، الذي جاء في أول أيام اجتماعات أستانا، التي ترعاها بلده مع إيران وتركيا، وجدنا معارضاً سورياً ينطق وبصراحة أيضاً، كلمات يجب أن تقال في مواجهة البلادة الروسية، حيث أعلن المتحدث باسم هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية، إبراهيم جباوي، انسحابه من عضوية اللجنة الدستورية احتجاجاً.

وبينما أعاد رئيس هيئة التفاوض أنس العبدة التذكير بما يتضمنه القرار الأممي، ولاسيما عملية الانتقال السياسي، اعتبر الائتلاف الموقف الروسي الجديد "انقلاباً على العملية السياسية وعلى مسار اللجنة الدستورية" في جنيف!

المحللون الذين تعاطوا مع صراحة رجل بوتين، وأفردوا الصفحات لها، وضع أغلبهم خطوطاً تحت جمل أخرى لم ينطق بها، لكنها تشكل جوهر حقيقة، مفادها أن روسيا لا تريد لمسار جنيف برمته أن يستمر، وأنها ترفض قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي شُكلت اللجنة بموجبه.

كما أن جولة بسيطة في غالبية ما تمت كتابته من مقالات، لا تكشف فقط عن فساد دور روسيا في العملية السياسية، بل توضح إجرامها الحقيقي، إن كان في دعمها الميداني لقوات النظام على الأرض، أو محاولتها السيطرة الكاملة على البلاد، بمواردها وسكانها، وصولاً إلى محاولتها الدؤوبة لترويض معارضتها، وإخصائها، بالتوازي مع خطوات تثبيت الأسد على سدة الحكم، بعد أن قدم لها خدمة كبيرة، فأوصل دورها في الملف السوري إلى هذه العتبة من التقدم، وبما يسمح لها المناورة في ملفات شتى حول العالم، وفي مقدمتها الأزمة الأوكرانية.

لكن، هل تكفي الكلمات في مواجهة هذا الوضع المزري، الذي وصلت إليه الحالة السورية، وهي تقترب من دخول عام جديد؟

بالتأكيد لا وجود في الوقت الحالي لأي أدوات ضغط في الداخل، يمكن إتاحتها، من أجل إحداث تغيير أو تأثير، كما أن الظرف الدولي العام ومع عدم تعاطي الولايات المتحدة مع الملف السوري كقضية ملحة، سيرمي بكل الشكاوى التي ستقدمها المعارضة في سلة المهملات، أو التأجيل على الأقل، وحيال هذا كله، هل وصل السوريون وفي مقدمتهم قوى المعارضة إلى الاستعصاء النهائي، والهزيمة المؤكدة، وهم يواجهون النظام وداعميه (روسيا وإيران) والقوى الدولية والإقليمية المستنكفة عن أداء دورها المطلوب، وتلك التي تحاول تعويم نظام القتل والإجرام؟!

الجواب الأكيد، هو: لا، وهو لا يستند إلى رغبات طوباوية، بل يأتي من حقيقة تُبنى على ما صنعته الثورة ومساراتها من تغيير في عقول السوريين، إذ ثمة إيقاع نقدي لا يمكن لأي قارئ للوضع الراهن أن يتجاهل طرقاته فيما يُكتب حيال ما يجري، يبدأ بقراءة جارحة لكل ما مضى، انطلاقاً من كشف الجرائم التي ارتكبت -وما زالت- تحت شعارات الثورة، من قبل كافة الأشخاص والمجموعات والفصائل والجيوش، ويمضي في نقد أداء المعارضة، ونقد حتى التعميم الشعبي حيال فسادها، ومساواتها بالنظام، ويطمح إلى تفكيك الصيغة الكلية التي تنطوي عليها عبارة عامة مثل "المعارضة السورية"، وتزداد نبضات النقد ارتفاعاً حينما يتم تحليل المواقف بناء على تاريخ القوى السياسية ذاتها، ومثال ذلك، النقد الجذري لموقف جماعة الإخوان المسلمين، التي ظهر أن طبلها يدق في ساحة مختلفة، بعد بيان إدانتها للقصف الإسرائيلي للأسلحة الإيرانية في ميناء اللاذقية!

وضمن هذا السياق، سيكون من الطبيعي أن ينتقد كتاب آخرون حالة الشقاق السورية العامة، وغياب الثقة، والتشظي الذي بات صفة راسخة لمشهد السوريين، بعد أن باتت فعاليتهم مقترنة بتحكم الداعمين بهم، وبقراراتهم السياسية، وكذلك بانتمائهم الطائفي، وتوضعهم المكاني (ثنائية الداخل والخارج، مناطق نظام وأخرى محررة، مناطق درع الفرات، ومناطق الإدارة الذاتية إلخ).

التفكير الذي يفرضه هذا المد، لا يجوز أن يتم استغراقه بالبحث عن مواقف آنية، تأتي كردود فعل على ما سبقها، بل إنه يحتاج لأن يوضع في خدمة الخطوات المستقبلية المطلوبة، من قوى الثورة ذاتها، أي تلك الجموع التي نهضت في آذار 2011 ضد الاستبداد والقمع، وخلقت برنامجاً للتغيير في البلاد بأسرها.

فإذا كان سهلاً على كل من يمسك قلماً أو يضغط على أزرار الحاسوب تأليف جملة ناقدة شاتمة، فإن النقد العميق للأداء، ومراجعة جميع التوجهات التي استحدثت بناء على المعطيات السياسية والميدانية خلال عقد كامل، ليس أمراً هيناً، ولكنه ممكن، وهذا ما يجب أن يتم فعله من قبل أي تشكيل تعقد اجتماعات لتأسيسه، لا سيما أن الأخبار تنقل لنا عن تجمعات يتم إعلانها كل يوم، وكأن الثورة قد بدأت البارحة!

يمكن لكل ما نتحدث عنه هنا أن يُحدث فرقاً في الحالة السورية، وأن يشكل رداً على الاستفراد الروسي، والذي بات على المعارضة التعاطي معه وعلى المستوى القانوني كقوة احتلال، يجب أن تحاسب على جرائمها بكل الوسائل الممكنة.