بعد خمسين عاماً.. النفط سلاح الشرق وخلاف الأخلاق والمصالح

2022.03.23 | 15:55 دمشق

dscn2827_1_pe.jpg
+A
حجم الخط
-A

يختلف حكام الشرق، حول الغزو الروسي لأوكرانيا، فمنهم من يرى فيه فرصة للتخلص من الرعاية (الهيمنة) الأميركية، ومنهم من وجده حربا أتت على المظلة الحامية، وباتوا اليوم في الخط الأول للمواجهة بعد أن كانوا خط دفاع ثانيا أو ثالثا.

الانسحاب الأميركي من الشرق، الذي بدأ بشكل تدريجي منذ سنوات وتم بالفعل خلال العام المنصرم، خلال إدارة الديمقراطيين برئاسة جو بايدن، فبدأها من أفغانستان إلى التعهدات بالعراق، بالتوازي مع مساع أكثر من حثيثة لرأب العلاقة مع إيران، ووضع أسس جديدة لبناء العلاقات مع الدول قائمة على مبادئ الحرية وحقوق الإنسان التي عدتها الإدارة الجديدة في واشنطن الركيزة الأساسية للقيام بأي روابط أو دعم أو حتى تواصل.

فتراخت العلاقات بين واشنطن والشرق الأوسط، وشكل التراخي صدمة للدول التي عولت لسنوات طوال على الوجود الأميركي المادي والمعنوي، فإذا بها وحيدة في منطقة متخمة الصراعات القومية والإثنية وحتى العشائرية، مع غياب الأسس البينية في العلاقات التي قامت وانتهت ووصلت إلى حد الحرب بناء على نزعات شخصية أو بدعم خارجي، عزز ذلك غياب مفهوم الأمن القومي الجمعي للمنطقة.

تراخت العلاقات بين واشنطن والشرق الأوسط، وشكل التراخي صدمة للدول التي عولت لسنوات طوال على الوجود الأميركي المادي والمعنوي

الفراغ الأميركي والغربي، أو بمعنى آخر التخلي عن المنطقة كان في فترة غاية في الدقة، ترك آثارا عميقة في تركيبة دول الشرق، بدأت تتحسس طريقها نحو إجراء انقلابات في السياسة وتسييل جديد للتحالفات فطرقت الإمارات وتركيا بعضها أبواب بعض، حاولت السعودية فتح قنوات حوار مع العدو القديم الجديد إيران، وتم إغلاق جزئي للأزمة الخليجية وعادت قطر نسبيا إلى الفضاء المحيط وإن اقتصر الأمر بشكل فعلي على السعودية، التي تصف علاقاتها اليوم مع الدوحة بأنها الأمتن منذ نشأة الحدود، وتشكيل الدول.

لم تسر الأمور كذلك لفترة طويلة، لا سيما مع عودة الغرب، لطرق أبواب الشرق الغني، بحثا عن الضربة القاضية لروسيا المتوغلة في أوكرانيا، ففي هذا الشرق تكمن الطاقة، والطاقة هي الشريان الذي يمنح بوتين القوة للتمادي أكثر من أوكرانيا، وقد يكون وسيلته لإعادة بعث الاتحاد السوفيتي (وإن كان وهما، لكن يبقى تهديداً قد يحدث)

وجد حكام الشرق في الطاقة التي يختزنونها منفذهم، وبالوقت نفسه تتيح لهم للمرة الأولى منذ عام 1973، استخدامها كسلاح فعلي، أو على أقل تقدير كفرصة لاختيار الحلفاء بين المعروض عليهم، وليس للسعي وراء التحالفات.

لم تسر الأمور كذلك لفترة طويلة، لا سيما مع عودة الغرب، لطرق أبواب الشرق الغني، بحثا عن الضربة القاضية لروسيا المتوغلة في أوكرانيا

تمترست السعودية بقدرتها الحاسمة على سد العجز المتولد عن فقدان السوق العالمية للطاقة (مع سعي الغرب للبحث عن بدائل لنحو 8 ملايين برميل نفط تنتجه موسكو يوميا إضافة إلى الغاز والفحم التي ترفد بمجملها الخزينة الروسية بأكثر من 200  مليار دولار، وهي أكثر من كافية لإبقاء قلب روسيا نابضا وفاعلا في التأثير أو الحد من غضب الغرب مهما فعل)، فتكرر رفض الرياض الطلبات بزيادة الضخ، فيما بدت الإمارات منقسمة على ذاتها ووجود محورين غربي وآخر شرقي، في مشهد لم يظهر بشكل فج في السعودية.

عملت الرياض على سياسة صامتة نسبيا، وحاولت رد الخذلان الأميركي لها في الحرب اليمنية وفقدان مخازن سلاحها من الذخائر، وتحويل الحوثيين من ميليشيا إرهابية إلى طرف يمني ليس مطلوبا على الأقل، وكذلك السعي الأميركي للتقارب مع إيران، وقدمت الرياض نسبيا موقفا متوازنا، في إطار ردها، فاتجهت نحو الشرق والتزمت باتفاقاتها مع روسيا ضمن (اتفاق أوبك بلس) فلم تزد الإنتاج فحسب، بل حذرت بأن الكميات المنتجة يوميا مهددة بالنقصان نتيجة استهدافه منشآت أرامكو من قبل الحوثيين، فتحركت واشنطن على عجل وأمدت المخازن السعودية بصواريخ باتريوت لمنع استباحة الأجواء السعودية، وأعادت ملف الحوثيين للتدارس على عجل لإعادتها إلى قوائم الإرهاب، وتغيرت اللغة نسبيا حول الاتفاق النووي، بالتأكيد أن الطرق ليس سهلا وقد يكون وعرا تبعا للتحرك السعودي.

عملت الرياض على سياسة صامتة نسبيا، وحاولت رد الخذلان الأميركي لها في الحرب اليمنية وفقدان مخازن سلاحها من الذخائر، وتحويل الحوثيين من ميليشيا إرهابية إلى طرف يمني ليس مطلوبا على الأقل

في المقابل بدت السياسة الإماراتية أشبه بتحركات تكتيكية غير مدروسة، ضمن رد فعل يشبهه البعض بأن مبني على فريق داخل الإدارة الإماراتية معجب بتجاربه في مصر وليبيا وتونس، بأنهم قادرون على التحرك، كيفما يشاؤون وفتح الآفاق أمام المد القادم من الشرق الذي لا يهتم لحقوق الإنسان والديمقراطية، وإنما يكفيه كم تضخ من أموال، والأهم الاصطفاف معهم في مواجهة الغرب، ضمن حرب لم تعرف التوقف على مدار التاريخ، فيما غاب أصحاب فكرة الغرب وعلى رأسهم السفير الإماراتي في واشنطن ناصر العتيبة، الذي خاب أمله بزيادة تدفق الطاقة من الإمارات بعد سحب مفاعيل تصريحه من قبل الممسكين بالإدارة في أبو ظبي.

قرار الإمارات المضي، بشكل متفلت من كل التزام أخلاقي وإنساني، ليس بغريب، ففي أبو ظبي أو دبي شخوص ترى في نفسها أنهم مركز العالم اقتصاديا وساحة للتلاقي بين الشرق والغرب، لا.. وقد يكون هناك نزعة لفرض رؤيتهم، ليس ضمن أمن قومي شامل للمنطقة، وإنما كمناكفة مع المحيط القريب، والرغبة بانتزاع التفوق القطري، مهما كانت الطرق المسلوكة قذرة أو مهينة، كحال استقبال بشار الأسد الذي لم يشكل صدمة في حقيقة الأمر للجميع تبعا للتاريخ المريب للإدارة العابثة في المنطقة كأنها ترى نفسها في جزيرة تشعل النيران في كل مكان وتبقي نفسها في منأى عن أي أثر.

تبقى الحالة الضبابية في منطقة الصراع، والتي ازدادت مع دخان الغزو الروسي، بعيدة عن القدرة على التحليل أو القراءة، فتغيب الاستراتيجيات العمل المؤسساتي

تبقى الحالة الضبابية في منطقة الصراع، والتي ازدادت مع دخان الغزو الروسي، بعيدة عن القدرة على التحليل أو القراءة، فتغيب الاستراتيجيات العمل المؤسساتي، فهنا يلعب الأمير أو الملك أو الرئيس، كيفما يشاء فهنا الأرض لا ملكية أو قرارا شعبيا أو جمعيا فيها، وإنما هي ممالك الأفراد المتوارثة أو المأخوذة بقوة السلاح.