بعد تمثيلية جبل روس شبه عملية في الجولان

2020.08.08 | 00:01 دمشق

0b5a5b9f0e.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد حادثة جبل روس بمزارع شبعا السورية المحتلة الأسبوع الماضي جرت عملية أو للدقة "شبه" عملية هذا الأسبوع في هضبة الجولان المحتلة المجاورة للمزارع بمثلث الحدود بين سوريا لبنان وفلسطين المحتلة.

جيش الاحتلال الإسرائيلي أعلن الاثنين الماضي عن إفشال محاولة زرع عبوات ناسفة على الحدود في الجانب المحرر من هضبة الجولان، غير أنه تصرف هذه المرة بشكل مختلف عما فعل في جبل روس الإثنين قبل الماضي، علماً أن هذا الاختلاف يرسم صورة للمشهد الحالي في سوريا وحتى في لبنان أيضاً..

قالت الرواية الإسرائيلية إن خلية حاولت زرع عبوات على الحدود في الجولان بغرض استهداف دوريات لجيش الاحتلال، وإنَّ هذا الأخير الذي كان متأهباً أصلاً ردّ بإطلاق النار عليهم برّاً وجوّاً بشكل مباشر من أجل القتل لا الردع، ثم نشرت قيادة الجيش بعد ذلك صوراً وفيديوهات كاملة للعملية بعكس ما فعلت في حادثة أو تمثيلية جبل روس، حيث امتنعت عن نشر أي فيديوهات أو صور خاصة لها. إلى ذلك كان لافتاً طبعاً تنفيذ إسرائيل الفوري لغارات جوية استهدفت مواقع وأهدافاً لجيش النظام في المنطقة بعد تحميل تل أبيب له المسؤولية عن العملية أو بالأحرى شبه العملية الفاشلة.

كما العادة لا روايات أو تصريحات مقابلة للرواية الإسرائيلية أو حتى نعي للقتلى، ونشر أسمائهم ولا يمكن بالتأكيد الاعتداد بما نشرته صحيفة الوطن التابعة لنظام الأسد والممولة من عرق وثروات السوريين المنهوبة والتي لا تنطبق عليها أي معايير إعلامية ومهنية بعد قتل النظام للحياة والحريات بكافة جوانبها وأبعادها بما فيها الإعلامية طبعاً.

مع ذلك ليس من الصعب تجميع المعطيات والخروج بالاستنتاجات المناسبة عن حقيقة ما حصل والمتمثلة بسعي الاحتلال الإيراني وذراعه الإقليمي المركزي "حزب الله" للرد على غارات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة ضد أهداف إيرانية في دمشق وسوريا بشكل عام، كما الانفجارات المجهولة المعلومة التي تستهدف معسكرات ومنشآت نووية وعسكرية في إيران نفسها بعد تسريبات متعمدة في الصحافة الغربية أشارت إلى مسؤولية إسرائيل عنها أو على الأقل الأخطر منها.

إثر فشل حادثة أو تمثيلية جبل روس، بل بؤس إخراجها وتنفيذها – كتبت عنها باستفاضة الأسبوع الماضي - فكرت إيران وأذرعها تحديداً حزب الله  بالرد من سوريا نفسها، ولكن أيضاً بشكل خجول ومحدود ودون تحمل المسؤولية مباشرة عبر الاعتماد على عناصر محلية بحيث لا تؤدي العملية إلى تصعيد أو رد إسرائيلي واسع وقاسٍ، أي أننا أمام ردّ الحد الأدنى لحفظ ماء الوجه والادعاء أن شيء ما قد حصل.

في المشهد كله يبدو نظام الأسد مغيباً ليس فقط عاجزاً عن الردّ على انتهاكات إسرائيل المتواصلة لسيادته المزعومة، بل حتى عاجزاً عن منع إيران من استخدام مواقعه ومناطق سيطرته للردّ رغم قناعته أنه سيتلقي العقاب المباشر والفورى من الاحتلال الإسرائيلي.

هنا نعود إلى اختلاف التعاطي الإسرائيلي بين حادثة أو تمثيلية جبل روس وعملية أو "شبه" عملية الجولان، وللتذكير فإن إسرائيل لم تستهدف خلية حزب الله في جبل روس بمزارع شبعا، بل أطلقت النار للردع، ولإجبارهم على الفرار، كما لم تنشر صور وفيديوهات العملية بعكس مع فعلت في الجولان، وطبعاً لم تنفذ غارات مركزة ومحددة ضد أهداف لبنانية واكتفت بقصف مدفعي عشوائي طال أساساً مناطق ومساحات فارغة وغير مأهولة في مزارع شبعا المحتلة.

أما التعاطي الإسرائيلي المختلف مع "شبه" عملية الجولان فتضمن نشر الصور والفيديوهات، إضافة إلى غارات ضد أهداف ومواقع للنظام جنوب سوريا وتحميله المسؤولية عن العملية وعما يحدث في مناطق سيطرته بشكل عام.

في لبنان سعت إسرائيل لعدم إحراج حزب الله وأرادت إنهاء الجولة بأسرع وقت ممكن، وتكريس فكرة أن العملية أو محاولة لتنفيذ عملية قد حدثت ولكنها فشلت، مع الانتباه إلى أن إسرائيل مستفيدة من الواقع الحالي على الحدود اللبنانية، حيث الهدوء هو الأصل والتصعيد الاستثناء، معتبرة أن معركتها الأساس في سوريا والهادفة إلى منع إيران من التموضع الاستراتيجي هناك، ناهيك عن استخدام الاحتلال والجرائم الإيرانية للتغطية على الاحتلال والجرائم الإسرائيلية.

حزب الله من جهته لا يسعى للتصعيد لبنانياً في ظل التظاهرات الشعبية الغاضبة ضده، وتحميله المسؤولية عن انهيار البلد ووصوله إلى حافة المجاعة وتحوله إلى دولة فاشلة - حتى قبل كارثة المرفأ - ولذلك بحث عن رد شكلي تماماً كما فعل في أيلول/ سبتمبر2019 عندما استهدف سيارة إسرائيلية فارغة ردّاً على مقتل عنصرين له في غارة إسرائيلية بسوريا. وفي تشرين ثاني/ نوفمبر من العام نفسه عندما قام بقص الجدار الحدودي مع فلسطين المحتلة وإحداث فجوة فيه بتمثيلية هزلية ردّاً على قصف سيارة وتجهيزات له في منطقة المصنع على الحدود السورية اللبنانية بعد تحذير إسرائيلي لركابها من أجل مغادرتها.

أما الرد أو حتى التهديد النظري الصاخب بالرد من لبنان فيهدف دائماً إلى تكريس الحزب لصورته المقاومة "المزعومة" وإحكام قبضته على المشهد اللبناني الداخلي بحجة مواجهة إسرائيل. الأمر الذي لم يحدث منذ حرب تموز 2006، حيث انشغل الحزب خلال العقد ونصف الماضيين بمواجهة الشعبين السوري واللبناني -وحتى العراقي - وإفشال مطالبهم المحقة في الحرية والاستقلال والسيادة وتقرير المصير.

طبعاً الحزب ورعاته يفهمون أن الردّ الجدي من سوريا محفوف بالمخاطر، كون الهدف الحقيقي لهم يتمثل بالسيطرة الإيرانية وبقاء نظام الأسد، وأي مخاطرة من جانبهم ستجلب ردّ فعل إسرائيلي قوي يطال ليس فقط التموضع الاستراتيجي، وإنما الوجود أو الاحتلال الإيراني بحد ذاته وبأبعاده المختلفة، وربما يهدد حتى بقاء نظام الأسد نفسه أيضاً.

لذلك كله جاءت "شبه" العملية في الجولان خجولة دون إعلان أو تحمل المسؤولية عنها، كما جرت العادة مع العلم أن الخلايا المنفذة محلية ومشغلة من قبل إيران وذراعها الإقليمي المركزي مباشرة بعد فشل تنظيمات فلسطينية في القيام بالمهمة المطلوبة بناء على أوامر إيرانية سابقة.

عموماً تفضح "شبه" العملية في الشكل والمضمون دعاية إيران وحشدها الشعبي الإعلامي عن مقاومة إسرائيل وهزيمتها حيث الهروب من المواجهة كلما سنحت الفرصة وعدم امتلاك الإرادة الصادقة للرد لا في سوريا ولا حتى في لبنان نفسه رغم التبجح السياسي والإعلامي.

في الأخير يجب التأكيد كما دائماً على الحق المشروع بالمقاومة من قبل الشعبين الفلسطيني والسوري، لكن هذا الحق المشروع والمقدس لا يملكه أخلاقياً وسياسياً من احتلوا العواصم العربية ودمروا الحواضر التاريخية الكبرى في دمشق وحلب والموصل وبغداد التي أخذت على عاتقها صد الغزاة وهزيمتهم من التتار إلى الصليبيين والصهاينة أيضاً.