بايدن يستخدم المراسيم الرئاسية للضغط على النظام في دمشق

2022.06.12 | 06:37 دمشق

baydn_0.jpg
+A
حجم الخط
-A

في العام 2004 أعلن الرئيس الأميركي الأسبق، جورج دابليو بوش، حالة الطوارئ في العلاقة مع النظام السوري، وهي ما زالت قائمة حتى تاريخ كتابة هذه السطور حيث أقرّ الرئيس بايدن تمديدها بأمر رئاسي.

قام الرئيس الحالي، جو بايدن، بتمديد حالة الطوارئ الوطنية الأميركية فيما يتعلق بالعلاقات مع النظام السوري، وذلك بإصداره قراراً تنفيذياً نشره الموقع الرسمي للبيت الأبيض يخصّ الحالة السورية الراهنة وموقف الإدارة الحالية من العلاقة مع النظام السوري في ضوء قانون الطوارئ الوطنية الأميركي الذي يمنح الرئيس حق التعامل مع الأزمات والتهديدات التي تستهدف الأمن الوطني والمصالح الأميركية.

ووجّه الرئيس بايدن مؤخراً رسالة إلى رئيسة مجلس النواب ورئيس مجلس الشيوخ الأميركيين، يعلمهما بتمديد سريان التعامل مع الوضع في سوريا والنظام السوري ضمن بنود “الطوارئ الوطنية”؛ أما دواعي التمديد كما جاء في نص الرسالة فتعود إلى “وحشية النظام في قمعه للشعب السوري الذي خرج مطالباً بالحرية وبحكومة تمثّله، والتي لا تعرّض الشعب السوري للخطر وحسب، بل تنشر حالة من عدم الاستقرار في أنحاء المنطقة؛ بينما تشكّل تصرفات النظام السوري وسياساته في السعي لامتلاك الأسلحة الكيميائية واستخدامها، وكذا دعمه للمنظمات الإرهابية، تهديداً استثنائياً وغير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية واقتصاد الولايات المتحدة”.

ما هو المطلوب من أميركا لنصرة حركات تحرر الشعوب حتى تبلغ مبتغاها التي خرجت إليه، وكي لا تُترك في منتصف الطريق نهباً لرياح المصادفة والتجاذبات الإقليمية والدولية السياسية من الدول ذات النفوذ والمصالح؟

اليوم، وقد اتخذت الإدارة الأميركية خطوة جديدة في الدعم الإنساني للشعب السوري الذي أنفقت عليه منذ العام 2011 ما جاوز 9 مليارات دولار، والدعم المعنوي الدبلوماسي بواسطة تمديد التعامل مع النظام السوري على أنه نظام مارق يستعين بحلفائه من الروس والإيرانيين في قمع شعبه ما يدرج التعاطي معه تحت بنود الطوارئ الوطنية، ما هو المطلوب من أميركا لنصرة حركات تحرر الشعوب حتى تبلغ مبتغاها التي خرجت إليه، وكي لا تُترك في منتصف الطريق نهباً لرياح المصادفة والتجاذبات الإقليمية والدولية السياسية من الدول ذات النفوذ والمصالح؟

لم تكن “الخطوط الحمر” التي رسمها أوباما للنظام السوري غير مرة بقادرة على وقف تماديه وتغوّله على شعبه؛ وأعظم انتهاكاته سجّلها في استخدامه السلاح الكيميائي المحرّم في غوطة دمشق الشرقية العام 2013، والذي أفلت إثره من المشنقة بفعل تسوية سياسية غير نظيفة ولا بريئة أبرمها وزيرا الخارجية الروسي والأميركي آنذاك، سيرغي لافروف وجون كيري، حيث قامت بطيّ أخطر ملف كان بإمكانه أن يودي بالنظام السوري برمته إلى ما وراء قضبان العدالة الدولية.

الإفلات من العقاب كان مفتاح النظام السوري إلى بوابة جهنم التي فتحها وحلفاءه على شعبه في مقتلة يشهد العالم فصولها بصمت مقيت. ولو قوبل النظام بالمحاسبة على فعلته في حينها لوفّر على السوريين الغزير من الدماء، وعلى سوريا والعالم غياب الأمن والاستقرار، بل وحال دون تعاظم الإرهاب الذي لم يكن لينمو ويتكاثر ويتحوّل إلى تنظيم متغوّل كداعش لولا التخلّي الأميركي في حينها عن إرفاق الدعم السياسي بالإرادة والقرار النافذين لإيقاف هذه المأساة المتنقلة على الأراضي السورية.

يرى بعض المراقبين للشأن السوري أن مساعي بايدن لا تفترق أو تتقدّم على سلفيه أوباما وترامب، وأنها مجرّد إدارة للفوضى وحسب! ففتح أبواب اللجوء للسوريين واستخدام مسكنات الألم الموضعية بدلاً من معالجة المرض وأسبابه لم تعد تجدي نفعاً أو تلقى قبولاً في قلوب السوريين المهجّرين قسراً أو الراحلين في رحلة اللجوء المريرة التي قد تكون بطاقة ذهاب بلا عودة.

قد لا يكون تحرك الولايات المتحدة، بما فيه إقرار قانون قيصر، إلا ضرباً من التعويض الأخلاقي ومحاولة لإخماد نخزات ضمير الغرب الديمقراطي الحرّ، وغرزة إضافية لرتق تقصيره في إغاثة الشعب السوري سياسياً إلى جانب إغاثته إنسانياً. ولو كانت تلك الإرادة السياسية قائمة في حينها لوفّرت على الولايات المتحدة والدول “الداعمة” مليارات من دولارات تمويل اللجوء ودعم المخيمات والمهجّرين، وحفظت مليون روح سورية زهقت باستهتار لأن دكتاتورا واحدا يريد أن يبقى على كرسي الدم ولا يغادر.

الإغاثة السياسية وإن تأخرت عشر سنوات إلا أنها لا تزال مطلوبة ولاسيما في واقع المجريات على الأرض وبقاء بشار الأسد على رأس النظام لسبع سنوات قادمة لن تكون إلا عجافاً كسابقاتها من حكمه وحكم والده من قبله. فما إدارة بايدن فاعلة؟

موقف واشنطن لم يأخذ بعد مساراً حاسماً من تعنّـت النظام وتعطيله القصدي للعملية السياسية، وفي مقدمتها الإفراج عن المعتقلين كافة

اللجوء ليس أقصى أحلام السوريين، فمعظمهم يصل إلى أرض الميعاد الأميركية مرغمين وليسوا مختارين، وهنا لب المشكلة. ورغم الحلم الذي يراود الملايين في أنحاء الأرض بالحصول على البطاقة الخضراء للإقامة الدائمة في الولايات المتحدة، ورغم الحريات القصوى والحقوق العميمة التي ستوفرها لهم هذه البلاد، إلا أن النفْس الإنسانية يبقى غرسها في مسقط الرأس، وهذا حس وحق بشري عام وليس حالة خاصة ينفرد بها السوريون، بل يشترك به كل المهاجرين المسكونين بهواجس الحنين وحلم العودة إلى الوطن الأم الذي حبله السريّ لا ينقطع إلا بالموت.

نحن السوريين نترقّب من واشنطن أن يعود الملف السوري إلى قائمة أولويات السياسة الخارجية بعد تراجعه في الآونة الأخيرة. وبالرغم من تصريحات وزارة الخارجية مؤخراً بأن “لا تطبيع مع النظام السوري”، إلا أن موقف واشنطن لم يأخذ بعد مساراً حاسماً من تعنّـت النظام وتعطيله القصدي للعملية السياسية، وفي مقدمتها الإفراج عن المعتقلين كافة، دونما محاسبة حازمة له تمنعه من الاستمرار في المماطلة وشراء الوقت الذي ثمنه مدفوع سلفاً من استقرار وحياة ومستقبل المواطن السوري الذي لا حول له ولا قوة.