بايدن والسياسة الخارجية.. عودة أوباما

2021.01.07 | 00:20 دمشق

thumbs_b_c_d1254c94a398ce4cdeee2e04994b967d.jpg
+A
حجم الخط
-A

مع إعلان أسماء فريق السياسة الخارجية في إدارة بايدن يتضح عودة كل أسماء فريق أوباما للسياسة الخارجية تقريبا مع ترفيع لهم إلى مواقع سياسية أعلى، فـ أنتوني بلينكن عاد وزيرا للخارجية بعد أن كان مساعدا لوزير الخارجية وجاك سوليفان كان مستشارا للأمن القومي لنائب الرئيس فعاد الآن بوصفه مستشار الأمن القومي  للرئيس، كما عادت سوزان رايس بوصفها منسقة الشؤون الداخلية وجون كيري بوصفه مبعوثا خاصا للرئيس فيما يتعلق بملف البيئة.

أما على مستوى مواقع وزارة الخارجية والدفاع ومكتب الأمن القومي فتقريبا تم ترقية كل الأشخاص الذين عملوا سابقا مع إدارة أوباما.

السؤال الآن: هل سيعيد هؤلاء الأشخاص المعينون حديثا السياسة الخارجية ذاتها في عهد أوباما، خاصة أنها حصلت على انتقادات كبيرة خاصة في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط عموماً، بالتأكيد أنها ستبني عليها بشكل كبير لكن ربما لن تتطابق معها.

إنها بشكل أو بآخر عودة للسياسة التقليدية مقارنة مع الفوضى التي جرت خلال سنوات ترامب الأربع في البيت الأبيض، الذي لم يكن له أية رؤية استراتيجية للسياسة الخارجية ربما باستثناء إيران، فلم يمتلك رؤية محافظية أو حتى رؤية تدخلية كما ميزت سنوات بوش الإبن الأخيرة في التدخل عبر العالم من أجل نشر الديمقراطية.

إن الدور القيادي الذي تحاول الولايات المتحدة الاضطلاع به يعود بشكلٍ كبير إلى غياب التأثير الجماهيري داخل الولايات المتحدة على قرار السياسة الخارجية الأميركية، بل إن الإدارات الأميركية المتعاقبة كانت تنجح باستمرار في جعل مجتمعها يسير خلف سياستها القيادية عبر الاستخدام الأمثل للإعلام ولوسائط التأثير الجماهيري . وهذا بالضبط يشكل محور نظرية كيسنجر الذي يعتبر أن السياسة الخارجية يجب أن تبقى محصورة في العاصمة واشنطن ،دي ،سي لأنه بحكم الخلاف العرقي والطائفي والمذهبي والجنسي الكبير بين مواطني الولايات المتحدة، فإن نزاعهم الداخلي حول السياسة الخارجية ومستقبلها سوف يقصم عرى الروابط الاتحادية بين الولايات أو داخل الجماعات المشكلة لهذه التعدديات الكثيفة داخل الولاية ذاتها، فالانقسام على السياسة الخارجية سيخلق تفككاً داخلياً بكل تأكيد، ولذلك يبدو من الأفضل لأميركا أن تبقى سياستها الخارجية محصور ضمن ما يسمى "مجتمع السياسة الخارجية" الذي ينحصر وجوده داخل العاصمة الأميركية.

هل سيعيد هؤلاء الأشخاص المعينون حديثا السياسة الخارجية ذاتها في عهد أوباما، خاصة أنها حصلت على انتقادات كبيرة خاصة في المنطقة العربية

فإذا أراد أحد الرؤساء تعبئة الموارد الهائلة للدخول في حرب شعواء ضد خصم سياسي دولي فإن ذلك يتطلب تخطي الحواجز الانعزالية التي يمتاز بها المواطن الأميركي. إذ هو يتساءل لماذا يتوجب على جنود أمريكييين بذل أرواحهم في بلاد نائية لا يعرف أغلب المواطنين عنها شيئاً كثيراً، بل إنهم يجهلون غالباً أين تقع.

ومهمة الإقناع الصعبة هذه يمكن التغلب عليها فقط من خلال تبسيطات فظة، من مثل ضرورة التصدي لعدو خطر شرير صعب المراس، وهو ما حدث من خلال شيطنة صدام حسين، وهو ما دفع بعض المحللين إلى القول إن البناء النظري لعلم العلاقات الدولية في الولايات المتحدة يقوم غالبا ًعلى مفهوم "تقديس السهولة" وذلك عندما تظهر النظريات هذه البنية المانوية للأقطاب المتنافرة، وعندما تجد مثل هذه النظريات هذا التأييد في أوساط الصفوة السياسية كما عبر هارلك موللر.

بيد أن نفوذ المجتمعات يجب أن لا ينحصر فقط في تأثيرها على سياسة حكومتها الخارجية فقط، بل لابد أن تتضافر معاً متجاوزة الدولة ومصالحها الخاصة وهو ما يطلق عليه البعض بنهاية لدولة القوة وولادة ما يسمى الدولة التجارية، التي تتميز من خلال انفتاح الحكومة على الاقتصاد والاشتراك مع الجهات ذات الاهتمام وفي مقدمتها الاقتصاد في تشكيل أهداف سياسة خارجية تسعى إلى أولوية واضحة للعلاقات الاقتصادية في مقابل مسائل القوة والأمن، ومن خلال السعي نحو إنفاق في الحدود الدنيا على التسلح . فالدولة التجارية تتيح نشوء ما يسمى "بعالم المجتمع".

ربما تكون المنظمات غير الحكومية العابرة للقوميات هي العلامات الأكثر جلاء لهذا التطور وهذا ما يحرّض على بروز القيم الإنسانية الموحدة والمشتركة، على رأسها الديمقراطية، إذ لم يعد يوجد بلد لا يُحكم ديمقراطياً يخلو من منشقين أو منظمات أو جماعات تطالب بالديمقراطية، والاتصالات العابرة للقوميات بوسائل الاتصال الحديثة تشجع هؤلاء لإجبار بلدانهم على دخول "العصر الديمقراطي".

إن انتشار الديمقراطية اليوم هو واحد من أهم علامات التقارب بين الثقافات والفرص أمام حوار عابر للثقافات إن لم يكن أهمها إطلاقاً. لم يكن ترامب يكترث لفكرة نشر الديمقراطية، بل حد من الكثير من تمويل المنظمات الأميركية التي تسعى إلى نشر الديمقراطية في الخارج .

إن السعي لنشر الديمقراطية لا يعني أبداً أن كل دول العالم ستصبح ديمقراطية بين يوم وليلة، بل إن مسار الديمقراطية نفسه داخل الحضارة الغربية احتاج إلى صراعات وحروب أهلية وطائفية عدة حتى تم تجذره وحتى تحول إلى الصيغة السياسية التي لا رجعة عنها، وهو ما يفرض علينا الدخول في حوار ثقافي عبر الحضارات لتشجيع قيمها الإنسانية والديمقراطية و هو الأنموذج الأفضل لتحقيق ذلك.

فالديمقراطية اليوم تعد من أهم القيم الإنسانية المشتركة بالرغم من الاختلاف على معانيها ومسمياتها المختلفة، صحيحٌ أن الغرب تفرد في التأسيس النظري والمؤسسي لهذا المفهوم، لكن الحضارات والثقافات الأخرى تحمل بذوراً مشتركة تدور حول المفهوم ذاته وتتأسس عليه، إن الديمقراطية بمفهومها الإنساني العام هي التي تتيح للحضارات جميعها أن تتعايش بدل أن تتصادم وأن تتوافق على مفهوم " القيم الكونية ".

ولذلك لابد لإدارة بايدن الجديدة أن تستعيد إرث الولايات المتحدة في التأكيد على قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والدفاع عنها عبر العالم.