بانتظار الديمقراطية

2021.09.16 | 06:32 دمشق

مظاهرات تونس
+A
حجم الخط
-A

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة تاريخ 15 أيلول من كل عام، كيوم دولي للديمقراطية، ولقد أثْرت مؤسساتها المختلفة هذا الاحتفال بنشاطات عدة من خلال التعريف بالمفهوم ونشر الوعي على ضرورة العمل به.

وفي المنطقة العربية، تنحصر ذكرى اليوم الدولي للديمقراطية ببيانات إعلامية تؤكّد تمسّك القيادات الوطنية المستبدة ببرامج التحوّل الديمقراطي المناسبة لمجتمعاتها. ولكن، ومن خلال نظرة شاملة إلى تطبيق المفهوم في مجمل بلاد المنطقة العربية، يتبيّن أن مسألة الديمقراطية في تراجع مستمر، وخصوصاً بعد أن نجحت الثورات المضادة في أكثر من بلد عربي بإفشال مسارات التحول وإجهاض آمال الربيع العربي.

فبعد الانقلاب العسكري في مصر سنة 2013، يعيش المجتمع المصري تقهقراً سريعاً لكافة أشكال العمل السياسي والنشاط الإعلامي ودور المجتمع المدني. ومع تأكيد الحكم الجديد، بدعم غير مستغرب من مثقفي الطاعة، على أن ما حصل هو ثورة شعبية ناجمة عن الإحباط الذي عمّ بسبب سوء الإدارة السياسية والحكومية للقيادة السياسية التي جرى الانقلاب عليها وهي التي كانت منتخبة ديمقراطياً في إطار ألق وصعود التفاؤل الذي رافق قوس قزح الثورات العربية في البدايات.

ومنذ وقوع هذا الانقلاب الناعم كما يحلو للبعض تسميته، بدأت ثقافة الخوف بالانتشار والتجذر بعد أن كان المصريون قد تجاوزوها حتى في ظل الحكومات العسكرية/السياسية التي سبقت.

وصل الأمر ببعض المحللين من الإخوة المصريين إلى تشبيه الواقع الأمني والتعبيري والسياسي المصري الحالي بما كانت تعرفه سوريا في ثمانينيات القرن الماضي

وقد وصل الأمر ببعض المحللين من الإخوة المصريين إلى تشبيه الواقع الأمني والتعبيري والسياسي المصري الحالي بما كانت تعرفه سوريا في ثمانينيات القرن الماضي، حيث كانت أعداد المعتقلين تبلغ عشرات الآلاف.

انقلاب مصر أعطى فرصة لمن يرى سوءاً مطلقاً في الإسلام السياسي بأن يقفز على المناسبة ويرحب بالعودة إلى ماضٍ لم يكن للإسلاميين فيه من اعتراف سياسي. وضمّت هذه الفئة خليطاً هجيناً من محبذي الاستبداد او الخاضعين له، إضافة إلى من ينشد الديمقراطية الانتقائية، إلى جانب فئة مصابة بالرهاب من كل حزب ديني.

بالمقابل اتسمت إدارة الإخوان المسلمين المصابة بخلل بنيوي، بالتذبذب السياسي المعلل أحياناً من قبل ممارسيه بأنه نوع من الواقعية، مضافاً إليه محاولة نهمة للإمساك بمفاتيح الحل والعقد على مختلف الأصعدة السياسية والحكومية والاقتصادية والمجتمعية. وأخيراً، فإن حصر تطبيق الديمقراطية في صندوق الاقتراع، أفقد المفهوم أبعاده الأكثر تركيباً وعلى رأسها المشاركة والاندماج.

انقلاب آخر، أطلق عليه المدافعون عنه صفة دستوري أو تصحيحي، قام به رئيسٌ مُنتخب ضد مؤسسات مُنتخبة في تونس.. ومن اللافت وقوف جزء لا بأس به من التونسيين المحبطين من تراكم أخطاء سياسية وأزمات اقتصادية وفساد محمي، إلى جانبه.

وغاب عن نخبهم أن الشعبوية التي ميّزت الخطاب الرئاسي منذ الحملة الانتخابية والتي تمتد في سردية التحولات الجارية لا يمكن أن تفسح المجال إلا لتشويه العملية الديمقراطية والعودة بالبلاد إلى عهد سابق اعتقد البعض أن البلاد قد تجاوزته بثورتها.

بالمقابل، فمسؤولية تراجع العملية الديمقراطية وصولاً إلى إجهاضها الانقلابي لا ترتبط فقط بمن قام بالخطوة الشعبوية الأخيرة فحسب، بل أيضاً بكل من شارك في الحكم منذ ثورة الياسمين حتى يومنا هذا بنسب متفاوتة.

إن تأكد إجهاض العملية الديمقراطية التونسية، وهي التي مثلت شعاعاً خافتاً من الأمل لمجمل المنطقة العربية، فستعود الشعوب الحالمة بالتغيير إلى الانكفاء في إحباطاتها المتراكمة والتي إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية والصحية المتهالكة، لا يمكن لها إلا أن تقود إلى انبثاق مجموعات احتجاجية لا إمكانية لترقب بنيتها.

وعلى الرغم من وجود تجربة ديمقراطية جنينية في السودان، والتي يعرقلها عسكر أوفياء لتقاليد الحكم القمعي، فالمشهد السياسي العربي بمجمله يُخيّم عليه الإحباط الناجم من جهة عن عنفٍ أعمى تجاه من يبحث عن كرامته، كما في سوريا نموذجاً، وقمعٍ منهجي وتأميم المشهد العام كما في مصر نموذجاً، وانتخابات تبدو نموذجية في حين يقبع أصحاب الرأي المختلف في السجون كما في المغرب نموذجاً، ونظام ٍعسكري يأبى التغيير كما في الجزائر نموذجاً، ودولٍ عدة تعتمد على أدوارها الإقليمية في استمرارية الحكم ودول أخرى تعتمد توزيع الريع بأنواعه للحفاظ على استقرار...

يتراكم التوتر المجتمعي في ظل تنمية مشلولة عبر الفساد وسوء الحوكمة وسيلد عن هذا تطرف ستتنوع أشكاله

وفي المحصلة، يتراكم التوتر المجتمعي في ظل تنمية مشلولة عبر الفساد وسوء الحوكمة، وسيلد عن هذا تطرف ستتنوع أشكاله فمنها الديني ومنها السياسي ومنها المذهبي ومنها المناطقي.

أما مَن يعطون الدروس في الديمقراطية وفي حقوق الإنسان من بعض الغربيين، فهم راضون حتى الآن عن هذه الحال، إلا في حالات نادرة لا تلعب فيها رغبات العامة دوراً حاسماً. كما هم مرتاحون للاستبداد العربي ما دام يحافظ على الاستقرار كما يظنون على الرغم من نتائجه العكسية في هذا الحقل، ويحارب الإرهاب الذي يخشونه على الرغم من أنه ربما إن فعل ذلك في المدى القصير إلا أنه يؤججه في المدى المتوسط ويفجره في المدى الطويل. وأخيراً، يراهنون على تمكن الحكم الاستبدادي القوي من منع تكسّر موجات الهجرة على شواطئهم، مع أن القمع السياسي والحرمان الاقتصادي هما سببان رئيسيان في الهجرة من الوطن الأم.