بانتظار التسوية..

2022.09.20 | 06:25 دمشق

بانتظار التسوية..
+A
حجم الخط
-A

تغيب اليوم أبسط الخدمات عن ساكني لبنان وتزداد الأوضاع سوءاً يوما بعد يوم فتغيب الكهرباء منذ أسابيع وتندر المياه منذ بداية الصيف، وينفجر البعض في البنوك ساعين لتحرير جزءٍ من أموالهم المحتجزة في وقت تلقى هذه العمليات شعبية جارفة بين اللبنانيين، وحتى من القوى الأمنية التي ترخي حبل التعامل مع هذه الحالات.

في هذه الأوضاع الخانقة يتساءل اللبنانيون عن موعد الفرج، فقد أدركوا بحكم التاريخ بأن تشعب الانتماءات الحزبية في لبنان وكثرة الرؤوس وارتباط الفاعلين منهم بالدول المحيطة يفرض على الحلول أن تجترح من الخارج.

على الرغم من كون لبنان ذا نظام برلماني إلا أن البرلمان مشكل من كتل صغيرة يصعب عليها التجمع على رأيي، فيتعثر إنتاج قرار بلا راعٍ يتحرك في كل الاتجاهات ويفرض بالترغيب والترهيب على مجموعة من الكتل توجهاً معيناً. ليس ذلك فحسب، بل يحرّم النظام نفسه بأن يقوم راعي الكتلة الأكبر باتخاذ قرار أحادي لأن ذلك قد يؤجج الشارع ويقود لاقتتال داخلي، فلا يكون قرار نافذ إلا إذا اتفق راعي الأغلبية مع راعي الأقلية. بينما تبقى مجموعة من النواب تتفرج من داخل المجلس بلا دور حقيقي إلا المشاهدة ورفع الصوت.

يتطلع اللبنانيون لحل خارجي يرخي ظلاله على لبنان فيعطي جرعة أوكسيجين للاقتصاد اللبناني لإنعاش الناس ولو مؤقتا ولو بشكل جزئي

إضافة إلى ذلك فإن حجم الفساد في لبنان واستعصاء محاربته، كون الجميع مشتركاً فيه تقريباً ويرفض أي حزب التخلي عن حصته، جعل مرض لبنان صعب الشفاء وهو ما أدركته الدول الكبرى، ولكن تختلف مقاربتها له.

في ظل هذه الصورة الاجمالية بين وضع الناس الصعب وفقدان الأمل بالتعويل على وعي المسؤولين بخطورة المرحلة وطبيعة النظام اللبناني والأجندات الخارجية تجاه لبنان، يتطلع اللبنانيون إلى حل خارجي يرخي ظلاله على لبنان فيعطي جرعة أوكسيجين للاقتصاد اللبناني لإنعاش الناس ولو مؤقتا ولو بشكل جزئي.

تنصب الأنظار اليوم على مؤشرين رئيسيين يحددان طبيعة التعامل الدولي مع لبنان وهما ملف الترسيم البحري وملف رئاسة الجمهورية. ففي اللقاء الأخير بين السعودية وفرنسا كان ملف الرئاسة اللبنانية حاضرا على الطاولة إلا أن وجهات النظر باتجاهه اختلفت.

بينما اعتبرت فرنسا بعد تجربتها المريرة في السنوات الأخيرة في لبنان بأن منع انهيار البلد يتطلب انتظام المؤسسات مهما كان الثمن، اعتبرت بأن الأولوية هي انتخاب رئيس جمهورية في أقرب فرصة ولو كان الاسم على غير ما ترتضيه كون ذلك يحفظ لبنان من التحلل أو الفوضى. على المقلب الآخر، رفضت السعودية هذا الطرح بحكم تجربة الرئيس عون التي أضرت بلبنان ومكنت غريمتها إيران من الإمساك بلبنان بشكل أكبر وهي تعتبر نفسها خارج اللعبة في حال كان خيار رئيس الجمهورية على غير رضاها.

المعضلة بالنسبة للفرنسيين والأميركيين هي أن مال الإنعاش اللبناني سيكون خليجيا وخروج السعودية من الصورة يعني دفع لبنان نحو هاوية أعمق بكون الحلول عندها ستكون منزوعة الانتعاش الاقتصادي، وهو ما يعني تفريغ الحل من مضمونه. إذا، ففي حال أراد لبنان المال الخليجي فيجب على الرئيس أن يكون أقلها حياديا يرضي السعودية من جهة ويوافق عليه حزب الله. لذلك فالتفاوض سيكون في دائرة أوسع من لبنان يكون ملف رئاسة لبنان عندها ملف ضمن الملفات ويتم التفاوض عليه كجزء من كل، وهو ما سيكون تحت مظلة الاتفاق النووي وتوابعه بين أميركا وإيران وتحت مظلة المفاوضات السعودية الإيرانية المرتبطة كذلك بالمفاوضات بين أميركا وإيران.

أما عن ملف الترسيم البحري الأهم بالنسبة لأميركا في الفترة الحالية فتتطلع له اليوم بقليل من البرودة نظرا لخوف الديمقراطيين من تعوم نتنياهو قبيل الانتخابات الإسرائيلية حامية الوطيس، كون الاتفاق على ما يبدو لا يلقى رواجا عند الناخب الإسرائيلي.

من حق السعودية أن تقول بأنها أنفقت بشكل طائل في لبنان دون فائدة لا للبنان ولا لها، بينما ترى إيران بأن نفوذها في لبنان بذراعها الأهم حزب الله صعب التنازل عنه

كما يبدو بأن الدول المذكورة قد وصلت لقناعة بصعوبة استمرار النظام اللبناني على حاله كونه أساس إنتاج الأزمات، لذلك سارعت الأحزاب اللبنانية لطرح مشاريعها فحزب الله يطرح المثالثة والقوى المسيحية تطرح الفدرالية بينما يغيب اللاعب السني عن المشهد. التخوف هنا بأن التاريخ اللبناني يؤشر بأن أي تغيير في شكل النظام اللبناني ولو جزئيا أو إجرائيا لم يكن سوى "على الحامي" كأزمة 1958 واتفاق الطائف واتفاق الدوحة، كلها كانت نتائج لعواصف ميدانية أجبرت اللاعبين على المسارعة في حسم الاتفاقات وهو الخوف اليوم. فهل هناك من يريد أن يدفع لبنان نحو الهاوية الأمنية ليعيد تشكيله كما يريد؟

فمن حق السعودية أن تقول بأنها أنفقت بشكل طائل في لبنان دون فائدة لا للبنان ولا لها، بينما ترى إيران بأن نفوذها في لبنان بذراعها الأهم حزب الله صعب التنازل عنه بل قد حان وقت الحصاد، بينما يسعى الفرنسي بسذاجة إلى اتفاقات تحفظ ماء الوجه وترتبط بمصالحه مع إيران في المنطقة.

من الواضح بأن الأشهر المقبلة ستكون صعبة على لبنان ومن غير المتوقع اجتراح حلول سريعة كون وجهات النظر بين الممسك والمانح متباعدة حد اللحظة، وكون الوعي السياسي الداخلي لا رجاء منه، بينما يبقى خوف التفلت الأمني هو الأبرز في وقت يمسح اللبناني معيشيا دون رحمة من قريب أو بعيد.