انقلاب في رابطة الصحفيين السوريين

2020.08.22 | 00:01 دمشق

122013215656.jpg
+A
حجم الخط
-A

أرسلتُ قبل فترة منشوراً إلى صفحة أعضاء رابطة الصحفيين السوريين، ولكن من يدير/تدير الصفحة لم يقم بنشره، وبدلاً من ذلك تواصل معي طالباً مني تعديل منشوري كشرط مسبق للنشر، بداعي أن المنشور يحتوي على إشارات إليه. في الواقع تفاجأت من الطلب، وشعرت بالإهانة من محاولات فرض صيغة معينة للكتابة علي؛ فرفضت التعديل وطلبت منه نشره كما هو، قائلاً بأن حقه تقديم شكوى في حال وجود مخالفة، وبأن حق الرد مكفول له في كل الأحوال دون رقيب، ما دام هو الذي يتحكم بالنشر، لكنه استمر في الجدال ليثبت صواب رأيه، في حين تمكنت من القول له بعد أن أُسقط في يدي، بأن أسوأ ما يمكن أن يلعبه الصحفي هو دور الرقيب، ثم منعت نفسي من سماع الرسالة الصوتية الأخيرة التي أرسلها.

المفاجأة هنا أو الطامة الكُبرى، ليست في كون مثل هذه التصرف يأتي بعد مرور عشر سنوات على الثورة السوريّة فحسب، وليست كذلك في كون من يدير صفحة رابطة الصحفيين على الفيس بوك، التي تعتبر بمثابة صحيفتها الداخلية وصوت أعضائها، غير معيّن لذلك بطريقة متوافقة مع قانون الرابطة وإجماع الأعضاء؛ وليست كذلك من عدم تعيينه للمهمة من قبل مكتبها التنفيذي المنتخب، الذي جرى إبعاده عن الصفحة بعد سلبه أدوات العمل، ولكن الكارثة فوق ذلك كانت في قيام المشار إليه بالرد على منشوري الذي أرسلته على الصفحة التي يديرها نفسها، رغم أنه لم يقم بنشر ما أرسلته!

والواقع هو أنني لست الوحيد الذي يتعرض للتضييق عليه في رابطة الصحفيين السوريين منذ فترة، فبعد الانتخابات الأخيرة التي جرت قبل عدة أسابيع، فاجأ رئيس الرابطة المنتخب الجميع، بعد أيام من الانتخابات، بإخراج زملائه أعضاء المكتب التنفيذي المنتخب معه مع عدد من أعضاء الرابطة من الصفحة، ومنعهم من النشر والتعليق ومتابعة ما يجري، دون أن تكون هناك عقوبة صادرة بحقهم، ثم استمر في إدارة الرابطة والصفحة لوحده حتى بعد أسبوع من استقالته، ليقوم في نهاية المطاف بتسليم بعض المقربين منه. ومن بينهم مدير الصفحة ـ أدوات العمل، من إيميلات الرابطة وصفحاتها، وتشكيل "لجنة إنقاذ" لإدارة الرابطة خلافاً للنظام الداخلي، الذي يمنع على عضو الرابطة المستقيل العمل، كما يحصر مهمة تشكيل اللجان بالمكتب التنفيذي، الذي ما زال قائماً.

المفاجأة الأخيرة كانت أمس، عندما أصدر بعض المتنفذين في الإدارة السابقة، التي انتهت ولايتها منذ الانتخابات الأخيرة قبل شهرين "البيان الأول"، إذ أعلنوا بدورهم وعن سابق إصرار وترصد عن "تشكيل مجلس إنقاذ" آخر، بطريقة تذكّر المرء بمجالس الإنقاذ التي يشكلها الجنرالات إبان انقلابهم على الحكم، علاوة على إعلانهم الأحكام العرفية وتكميم الأفواه من خلال القول في البيان العتيد: "أي تعليق خارج عن أصول الاحترام والتخاطب ضمن طرح وجهة نظر من أي طرف كان وأي تعليق يحمل شتيمة أو إساءة لفظية من أي شخص من أي طرف سيحذف وسيحرم صاحبه من دون إشعاره من التعليق والنشر مدة شهر، وإذا عاد/ت إلى نفس الأسلوب سيتم إخراجه من المجموعة نهائيا"، كما هددوا في بيانهم بأن: "مثيري الشغب والبلبلة منذ عام 2018 سيخرجون من المجموعة"، في إلغاء آخر للنظام الداخلي، ووضع جدول عقوبات جديد بأثر مسبق، يناسب مرحلة الأحكام العرفية المعلنة، ويطال كل من يشك في ولائه.

وقد استند المتنفذون في الإدارة السابقة في تشكيل "مجلس إنقاذهم"، إلى احتفاظهم "سهواً" بتسجيل ترخيص الرابطة على أسمائهم، رغم مرور شهرين على خروجهم من المكتب التنفيذي وانتخاب إدارة جديدة، وعدم نقله إلى أسماء أعضاء الإدارة التي تم انتخابها بعدهم، وهو تقليد متبع بعد كل انتخابات تشهدها الرابطة ويتوافق مع القانون، وكذلك إلى استفادتهم من بقاء إيميلات الرابطة ومجموعاتها بحوزتهم، وقد ذكروا بالفعل في بيانهم بأن سلطتهم في تكليف "مجلس الإنقاذ" بالعمل، تستند إلى أن: "ترخيص الرابطة مسجل باسمهم". أبعد من ذلك، عيّن المشار إليهم أنفسهم أوصياء على الرابطة وأعضائها، من خلال القول بأنهم أخذوا على عاتقهم: "مهمة العمل على استقرار الرابطة، لحين تشكيل لجان استشارية وإجراء الانتخابات، والعمل على تعديل النظام الداخلي".

في الواقع، فإن ما يجري حالياً في رابطة الصحفيين هو من تداعيات سياسات الإدارة السابقة، التي تركت الرابطة في ظروف استثنائية وهي تعاني من كم هائل من المشاكل، حيث لم تقم بمعالجة واحدة منها طوال فترة إدارتها، وبدلاً من العمل على إجراء انتخابات "هيئة الشفافية"، التي هي بمثابة محكمة داخلية للرابطة، والتي لم تكن موجودة للرقابة على تلك الإدارة، فقد قامت بالحشد لانتخاب إدارة مقربة منها، فأضافت بذلك مزيدا من الإشكالات إلى ما هو موجود أصلاً، لينفجر الوضع كله دفعة واحدة، وبدلاً من منح المكتب التنفيذي المنتخب الفرصة لإدارة الرابطة والتصدي لما يجري بعد استقالة رئيسه، تابعت الإدارة السابقة محاولة إبقاء سيطرتها على الرابطة عبر سلب المكتب التنفيذي أدوات العمل، وإدارة الرابطة بأسلوب المبادرات مع تنحية النظام الداخلي جانباً، ومع اصطدام كل المبادرات الالتفافية بتمسك المكتب التنفيذي بالنظام الداخلي، جاء بيان الانقلاب الأخير، في سعي لتلك المجموعة لتعيين واجهة جديدة لها في الإدارة.

لقد ظن السوريون وهم يقارعون الدكتاتورية بدمهم ودموعهم، بأنهم تجاوزوا البيان رقم واحد وبأنه أصبح من الماضي، أما أن يأتي مثل هذا البيان الذي عفا عليه الزمن وتجاوزته الأحداث، من منظمة محسوبة على الثورة السوريّة، لا بل من أهم المنظمات السوريّة التي ترفع شعار حرية الرأي والتعبير، والتي حافظت بسبب ذلك على هويتها ونفسها واستقلالها، وأن يجري الانقلاب من قلب أوروبا التي تدار من ألفها إلى يائها بالانتخابات، فهو ما يصعب تصوره. ولنتخيل فقط، لنتخيل ردة فعل الفرنسيين، الذين تحتضن بلادهم الرابطة، وهم يقرؤون صدور البيان الانقلابي على شرعيتها من عاصمتهم، ممن منحتهم حق الإقامة على أراضيها، بعد هروبهم من نظام دكتاتوري دموي، جاء بانقلاب إلى السلطة، واستمر حتى الآن من خلال تعطيل القوانين وإفراغها من محتواها.

كلمات مفتاحية