انتصرت روسيا ولم يفز الأسد

2021.09.20 | 06:13 دمشق

whatsapp_image_2018-11-26_at_12.12.38_pm.jpeg
+A
حجم الخط
-A

أحدث انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان زلزالاً في أروقة السياسة العالمية، جعل جميع الدول المتداخلة في تلك المنطقة الجغرافية من العالم تعيد حساباتها مجدداً، إذ فتح هذا الانسحاب /الهزيمة/ حسب رؤية البعض الأبواب على مصراعيها لإعادة رسم خرائط التحالفات مجدداً وإعادة تقييم العلاقات الدولية والصراعات في المنطقة على ضوء التخبط والضعف الذي لحق بالإدارة الأميركية، والذي جعل أقطاب إدارتها في وضع لايحسدون عليه، بالرغم من محاولات التماسك التي يحاول كلٌ من الرئيس بايدن ووزير خارجيته بلينكن والذي حتى اللحظة لم يقدم الأداء الذي يظهره على أنه ممثل السياسة الخارجية لأقوى دولة في العالم.

يبدو أن الانسحاب الذي أراده الأميركان لخلط أوراق روسيا وإيران في المنطقة قد انقلب بصورة واضحة ليصبح أداة ضغط على إدارة بايدن، والتي بدا وكأنها تستجدي الاتفاق مع إيران، بذريعة التفرغ لمحاربة الصين العملاق الذي بدأ بالتململ، بذات الخطوة والتي أثارت عشرات إشارات الاستفهام لدى حلفاء الولايات المتحدة حول العالم وخاصة دول الخليج ومصر، استفزت خطوة الإدارة الأميركية الأخيرة بالاتفاق مع أستراليا وبريطانيا الخارجة من الاتحاد الأوروبي حديثاً بماسمي اتفاق /أوكوس/ حفيظة الحلفاء الأوروبيين، وفرنسا على وجه التحديد بسبب ما أثارته أزمة الغواصات مع أستراليا ودور الولايات المتحدة فيها.

بالعودة للعنوان وعلاقته بماتم الحديث عنه، فإن سوريا تعد أحد مناطق الاختبار الجدية لسياسات الولايات المتحدة الجديدة، إذ يبلغ التداخل الدولي فيها حدوده القصوى وتتشارك عدد من الدول ملفات أخرى يجري حل بعضها في سوريا، والتي تحولت لصندوق بريد بين تلك الدول.

منذ تراجع أوباما ووزير خارجيته حينها جون كيري عن معاقبة نظام الأسد لاستخدامه السلاح الكيماوي ضد المناطق الخارجة عن سيطرته، أمام سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا، بدا أن الانكفاء الأميركي في المنطقة قد أصبح أمراً واقعاً عززه توقيع الاتفاق النووي مع إيران وانسحاب ترامب من نقاط ومواقع أميركية في سوريا وإتمام الانسحاب الأميركي من العراق، والذي بموجبه سُمح لإيران بالتمدد في محيطها الجغرافي، وتشغيل أذرعها في مناطق نفوذها المحتملة.

بالمقابل كانت الاستراتيجية الروسية في سوريا والتي كانت إحدى بوابات بوتين للعودة للساحة الدولية وفك طوق العزلة عن موسكو، تعتمد على مسارين أساسيين الأول عسكري وهو إعادة سيطرة نظام الأسد على عموم الجغرافيا السورية، وهذا ماحصل فبعدما انحسرت سيطرته إلى بقعة جغرافية لاتساوي أكثر من 30% من مساحة سوريا، بات اليوم يسيطر وبدعم من روسيا وإيران على مايقارب 90 % من مساحتها.

ويعول الروس على الانسحاب الأميركي من شرقي الفرات وسوريا، والتقارب مع قسد وفتح باب التوافقات بينها وبين نظام الأسد للسيطرة على المنطقة الاستراتيجية والمهمة اقتصادياً وجيوسياسياً من سوريا.

كذلك يعمل الروس وبالتوافق مع تركيا والتي باتت تخشى من انهيار سياسة حافة الهاوية أو التوازن بين القوى التي كانت تمارسها بين روسيا والولايات المتحدة، في حال انسحبت الولايات المتحدة من سوريا وهو أمر متوقع، على إنهاء ملف إدلب وهيئة تحرير الشام، بعد ضمان عدم تحرك الفصائل المدجنة تركياً في حال أي تقدم للنظام، ويبقى ملف الهيئة هو الأبرز والذي ربما سيناقش في الزيارة المقررة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى موسكو، فروسيا والتي حصلت على دفعة معنوية بعدما حصل في درعا في ظل صمت دولي، ستعمل على فرض اتفاق لمصلحة النظام في إدلب مستغلة الانشغالات التركية بملفات أخرى أكثر أهمية أبرزها الانتخابات القادمة عام 2023، والتي تأتي في ظل ارتباك اقتصادي وسياسي واضح سواء للحكومة أو المعارضة التركية، بالمقابل يعتمد الروس في مسارهم الثاني السياسي على تفسيرهم للقرار 225‪4

والذي حسب وجهة النظر الروسية يبقي على الأسد لكن ضمن ضوابط معينة، تفرض عليه التعامل مع معارضة منخفضة سقف المطالب تقبل بالشراكة مع وعود بتغيير دستوري وإجراء انتخابات مبكرة /ربما/ كنوع من تطبيق القرار الأممي.

ويعول الروس على الانسحاب الأميركي من شرقي الفرات وسوريا، والتقارب مع قسد وفتح باب التوافقات بينها وبين نظام الأسد للسيطرة على المنطقة الاستراتيجية والمهمة اقتصادياً وجيوسياسياً من سوريا.

الرؤية الروسية للحل ترضي أحد أبرز اللاعبين الإقليميين في المنطقة وهو إسرائيل والتي أظهرت تقارباً واضحاً مع روسيا، في ظل توتر العلاقات مع الديموقراطيين وتخبط الإدارات الأميركية في التعامل مع إيران، هذا الشكل من الحل يبدو أنه ينسج في موسكو، والذي بدت خيوطه من خلال زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إلى موسكو ومن ثم استدعاء الأسد والمحادثات الروسية الإيرانية التركية من خلال إعادة تفعيل مسار أستانا، واللجنة الدستورية التي تمارسها روسيا كنوع من سياسة الإلهاء للمعارضة السورية الغارقة في أوهامها، والتي يتراجع دورها يوماً بعد يوم في طريقها للاضمحلال، بعد فشلها في جميع المسارات بمافيها المسارات التفاوضية.

يبدو أن تعويم النظام عربياً وإقليمياً يسير على قدم وساق، بداية بالدعوات لإعادة سوريا نظام الأسد إلى مقعدها بالجامعة العربية والتي ستشكل قمة الجزائر محطة مهمة فيها مع تأييد الجزائر الدولة المستضيفة للقمة لهذا الطرح ودعمه بقوة، إلى ماسمي مشروع خط الغاز العربي، والذي يتم بدعم مصري أردني بذريعة إنقاذ لبنان.

إذ تدرك الدول العربية بأنَّ المزاج الدولي لايسير باتجاه إنهاء الصراع لمصلحة الشعب السوري وإنما هناك نية لتعويم الأسد وفق الرؤية الروسية، وهي بذلك لاتريد الخروج صفر اليدين من الحل السوري، فاقتسام كعكة إعادة الإعمار يجب أن يحصل الجميع على حصته منها، بما فيها إيران والتي يرتبط موقفها في سوريا بعاملين أساسيين الأول محادثات الاتفاق النووي مع إدارة بايدن والثاني القدرة على التنسيق مع الروس في المنطقة.

يبدو بأنَّ ملف إعادة الإعمار وهو آخر أوراق أميركا التي تلعبها في سوريا بعد تراجع ورقة قتال تنظيم الدولة، بدأ يفقد قوته مع المطالبة بتخفيف قيود قانون سيزر بذريعة الحالات الإنسانية ودعم لبنان، وهو ما أنتج اتفاقاً روسياً أميركياً حول المعابر في تموز 202‪1.

والذي يعتبر نصراً تكتيكياً حققه الروس على حساب الأميركان وهذه المرة في مجلس الأمن، يبدو أنَّ ملف إعادة الإعمار يسيل له لعاب دول أخرى لم تكن منخرطة بالشأن السوري بشكل مباشر بل على العكس، كانت على قطيعة معه مثل باكستان والتي أعادت تسيير رحلاتها الجوية إلى دمشق بعد انقطاع دام 22 عاماً أي قبل عقد من انطلاق الثورة السورية، كذلك يلوح دور واضح للصين في إعادة الإعمار بعد محاولات تغلغلها الاقتصادي وتوقيع اتفاقياتها التجارية مع إيران.

يبدو أن الاقتصاد وتسونامي الخسائر الذي تسبب به فيروس كورونا قد غير كثيراً من قواعد اللعب الدولية وهذا ماقد يفجّر مفاجآت جديدة كما حدث في أفغانستان وفي اتفاق أوكوس مع  أستراليا، وقد يكون الاتحاد الأوروبي الذي بات يخشى من موجات اللجوء أحد أبطالها، خاصة بعد تهديدات الرئيس التركي والتي قال فيها بأن تركيا لن تبقى خزاناً للاجئين.

وعلى الرغم مما تم الحديث عنه من انتصار روسيا إلا أنه حقيقة الأمر لايفضي لفوز الأسد بالضربة القاضية، فإعادة تعويم النظام قد تجعل من رأسه ورقة للمفاوضات، كذلك فإن التنازلات التي قد تحصل عليها روسيا لن تكون مجانية وبذلك سيخسر الأسد حلفاءه، كما أن الانتصار الروسي يعني انتصار الجناح الموالي لروسيا في النظام على حساب الجناح الموالي لإيران والذي يقوده ماهر الشقيق الأصغر لبشار الأسد، من جهة أخرى فإن دخول قوى اقتصادية إقليمية بعضها غير مؤيد لبقاء الأسد سوف يضعف موقع القوى الاقتصادية المحلية المؤيدة له وربما يخرجها خارج نطاق لعبة إعادة الإعمار وبالتالي سيخسر ورقة ضغط أخرى، وتبقى إشارات الاستفهام مطروحة حول الدور السعودي ومن خلفه الخليجي بمافيها القطري من إعادة الإعمار، وهي المعول عليها في تحمل العبء الأكبر فيه من بقاء بشار الأسد في الحكم، مما يطرح سؤالاً قد يبدو الآن منطقياً لكنه لن يبق هكذا لزمن أطول لتغير الاستراتيجيات والتكتيك المفاجىء الذي تمارسه الدول.

السؤال هل سيعرقل بقاء الأسد الانتصار الروسي أم سيكون رحيله شرطاً لهذا الانتصار؟