انتصار "درعا البلد" ضد تنظيم الدولة.. نجاح منقوص

2022.11.23 | 07:02 دمشق

درعا البلد
+A
حجم الخط
-A

نجحت عائلات وعشائر درعا البلد في تجنب الأسوأ، مع انتهاء المعارك ضد المُتهمين بالانتماء إلى تنظيم الدولة في حي طريق السد. فقد نجحوا في إخراج التنظيم من البلدة. وتجنّبوا سيناريو الاقتتال العشائري الذي لاح في الأفق لبُرهة. كما ونجحوا في تجنّب سيناريو دخول قوات النظام مباشرةً إلى أحيائهم.

لكن حوادث الاغتيال التي تلت ذلك، تنغّص هذه النجاحات، إذ وبعد يومٍ واحدٍ فقط من إعلان سيطرة الفصائل المحلية و"اللواء الثامن" على كامل حي طريق السد في درعا البلد، شهدت المدينة حالَتَي اغتيال بالتزامن مع حالة اغتيال شهدتها مدينة جاسم، التي من المُفترض أنها خَلَت من عناصر "التنظيم"، قبل أسابيع.

ورغم أن الاغتيالات المتكررة في محافظة درعا لا يمكن نسبها لجهة واحدة، فهي كانت وما تزال أداةً لأطراف متناقضة الأهداف، إلا أنّ توقيت الاغتيالات الأخيرة، وموقعها، إلى جانب غموض مصير القياديين المتهمين بإيواء عناصر التنظيم، محمد المسالمة (الهفو)، ومؤيد حرفوش، مع الأخذ بعين الاعتبار، النتائج التي آلت إليها محاولات "الاجتثاث" السابقة، والتي كانت جزئية وليست نهائية، إذ يختفي التنظيم في مكان ليظهر في آخر، بقوة أكبر.

كل تلك النقاط، تجعل نقاش مسألة استمرار وجود التنظيم في المحافظة، أمراً ملحاً، خاصةً وأن هذا الوجود يمثّل استثماراً مربحاً لنظام الأسد، بصورة باتت تشكل خطراً نوعياً على النموذج الذي تمكن أهالي درعا من الحفاظ عليه، طوال السنوات الأربع الفائتة. فـ درعا بقيت غير خاضعة للنظام، ومتمردة عليه، وتحافظ على جذوة المناوئة له، رغم كل محاولات النظام المتكررة لإخضاعها.

قبل نحو ثلاثة أشهر، كتبنا في هذه الزاوية مقالاً بعنوان "حملة النظام على طفس.. قراءة في الأهداف السياسية والأمنية"، توقعنا فيه استنساخ سيناريو ما حدث في مدينة طفس، بمدنٍ أخرى من المحافظة، كـ جاسم، ودرعا البلد. وهو ما حدث فعلاً خلال الشهرين الأخيرين، ولحقت بهما اليادودة، أيضاً.

وإن كانت العشائر والعائلات الكبيرة، وأصحاب الكلمة في تركيبة درعا الاجتماعية قد نجحوا في تحييد النظام عن معركتهم مع المحسوبين على التنظيم.. لكن في الوقت نفسه، فإن تكرار المشهد واستنساخه، على مدار السنوات الأخيرة، دون وضع حدٍ نهائي له، يجعل النجاحات الأخيرة منقوصة إلى حدٍ ما.

وإن كانت العشائر والعائلات الكبيرة، وأصحاب الكلمة في تركيبة درعا الاجتماعية قد نجحوا في تحييد النظام عن معركتهم مع المحسوبين على التنظيم في البلدات المشار إليها -وهو كما أوضحنا في بداية المقال، نجاح يُحسب لهذه القيادات الأهلية- لكن في الوقت نفسه، فإن تكرار المشهد واستنساخه، على مدار السنوات الأخيرة، دون وضع حدٍ نهائي له، يجعل النجاحات الأخيرة منقوصة إلى حدٍ ما.

نتفق بطبيعة الحال، مع مَن يقول بتحميل الجانب الأكبر من مسؤولية وجود التنظيم في درعا، للنظام. ذاك الذي استثمر في ذريعة "التنظيم" على مدار سنوات صراعه مع الثائرين عليه، وأثمر استثماره أرباحاً نوعية، جعلت القوى الخارجية تتراجع عن دعم المعارضة بتهمة اختراق المتطرفين لها. ناهيك عن المكاسب الأخرى، مثل قبول أهالي منطقة ما، بالنظام، بوصفه بديلاً "أرحم" من سيطرة "التنظيم".

وفي درعا، ذهب النظام إلى أبعد من ذلك، إذ يبدو أنه راهن على اقتتال عشائري، يمكن أن يتيح له النيل مباشرةً من تماسك التركيبة الاجتماعية لأهالي المحافظة بصورة تجعلها تخضع له، بالصورة التي يريد. وإن لم يتحقق ذلك، فيكفي مكاسبه الخارجية، من قبيل إخافة الأردن بامتداد أي صراع عشائري في درعا، إلى محافظاته الشمالية ذات التركيبة العشائرية المشابهة، مما سيجعل عمّان تفضّل مساوئ الوجود الإيراني – الأسدي على حدودها، بالمقارنة مع مساوئ الفوضى الأهلية وتغلغل تنظيم "الدولة" من خلالها، واحتمالات امتداد ذلك إلى الأراضي الأردنية.

ودون شك، توجد من الأدلة ما يكفي، للتأكد من دور النظام في تسهيل تحركات عناصر "التنظيم"، في المناطق المستهدفة. وخلال الفترة الفائتة، كشفت القوى المحلية في درعا عن أكثر من اعتراف لمقاتلي "التنظيم" الأسرى في قبضتها، يقرّون فيها بصلاتٍ مع مخابرات النظام.

لكن، هل كل ما سبق يعني أن "العنصر الداعشي"، لا ينتمي إلى البيئة المحلية في المحافظة، مطلقاً؟ بطبيعة الحال، يعلم سكان مدن وبلدات المحافظة، ووجهاؤها، والناشطون المنحدرون منها، أن هذا التوصيف غير دقيق. وأن التركيبة العشائرية لسكان المحافظة، والتي كانت سبباً أساسياً في تماسك البنية الاجتماعية ضد محاولات النظام للاختراق والإخضاع، هي ذاتها، التي أتاحت ثغرات لينفذ منها "التنظيم"، ومن ورائه النظام، ويحيك مؤامراته، في بقعٍ مختلفة من المحافظة.

منذ العام 2018، حينما تمكّن النظام من إحكام السيطرة على حوض اليرموك، معقل "جيش خالد بن الوليد" المُبايع لتنظيم الدولة، تسرّب قادة وعناصر من التنظيم إلى بلدات بغربي المحافظة، وتمكنوا من الذوبان داخل التركيبة الاجتماعية لتلك البلدات..

فمنذ العام 2018، حينما تمكّن النظام من إحكام السيطرة على حوض اليرموك، معقل "جيش خالد بن الوليد" المُبايع لتنظيم الدولة، تسرّب قادة وعناصر من التنظيم إلى بلدات بغربي المحافظة، وتمكنوا من الذوبان داخل التركيبة الاجتماعية لتلك البلدات. دون شك، كان هذا "التسرّب" بتسهيل من النظام. لكن هؤلاء تمكنوا من إيجاد موطئ قدم لهم في تلك البلدات، والحفاظ عليه، على مدار السنوات الأربع الفائتة، ليتحولوا إلى "ورم خبيث"، وفق وصف بيان التبرؤ العشائري الصادر عن عشائر درعا البلد، قبل أسبوع.

توطّن هذا "الورم"، لا يستند فقط، إلى العامل الخارجي المتمثل بمؤامرات مخابرات النظام. فهذه العناصر استطاعت البقاء في المنطقة، بسبب انتمائها إلى عشائر ذات تأثير في درعا. فالحلول العشائرية الجزئية، القائمة على تسويات متعاطفة مع عناصر منتمين إلى التنظيم، أو آخرين تورطوا في نشاطات إجرامية كالاختطاف وقطع الطرقات وأخذ الإتاوات، كانت من أبرز أسباب استمرار الظاهرة "الداعشية"، لتُطل برأسها من حين لآخر، فيستثمرها النظام، لصالحه.

وللتخلّص من هذه الظاهرة تماماً، يجب الذهاب إلى أبعد من التبرؤ العشائري. ورغم أنه من المفهوم صعوبة ذلك، نظراً لطبيعة العلاقات الأسرية ووشائجها المتينة التي يصعب فصمها، إلا أن البديل، هو استمرار هذه الظاهرة وبقاؤها أداة لاستثمارات النظام. وفي آخر نسخة من هذه الاستثمارات، كادت هذه الظاهرة تهدد باقتتال أهلي غير مسبوق. لذا فالأمر خطير إلى درجة تهديد التركيبة الاجتماعية برمتها.

وبالتالي، فالواجب على سكان المحافظة، وهم الأدرى بشعابها، العمل فعلاً على "اجتثاث" هذه الظاهرة، مهما كان ذلك مؤلماً، وعدم احتضان خلايا المتعاطفين مع التنظيم، أو –كحد أدنى- ضمان فصم صلاتهم تماماً مع قادته ونشاطاته، والتأكد تماماً من ذلك. وهو أمر يتطلب مزيدا من التوعية الاجتماعية من جانب الناشطين المنحدرين من المحافظة، حول خطر هذه الظاهرة، وأبعادها المستقبلية التي تهدد مصالح أهالي المحافظة برمتها.