انتخابات رئاسة العالم

2020.10.22 | 00:08 دمشق

2020-10-21t015311z_771730986_rc2pmj9n78sr_rtrmadp_3_usa-election-trump.jpg
+A
حجم الخط
-A

ربما هي المرة الأولى في التاريخ المعاصر، التي  يراقب العالم بأسره انتخابات بلد ما، بوصفها ستغير مجرى المستقبل المعاش، فالانتخابات الأميركية التي ستبدأ خلال أسابيع، أو في بداية تشرين الثاني تحديدا، ستكون علامة فاصلة في التأسيس لسياسة القرن القادم بكامله، وسط استقطاب كبير في دول العالم تجاه سياسات الإدارة الأميركية الحالية، والتوقعات المرتقبة من سياسات الحزب الديمقراطي المعارض المنافس على السلطة بقيادة مرشحه جو بايدن.

وإذا كان المرشحان للانتخابات الأميركية قد تجاوزا العقد السابع من عمريهما: دونالد ترامب: 74 عاماً، وجو بايدن 77 عاماً، فإن الطبقة الشابة الأميركية برمتها معنية بصراع هذين العجوزين، الممثلين للحزبين الجمهوري والديمقراطي على التوالي... وربما هي المرة الأولى منذ العام 1860 أي عام الحرب الأهلية الأميركية وتولي إبراهام لينكولن الرئاسة في أميركا، الذي يحدث فيه انقسام عامودي هائل في المجتمع الأميركي حول مصير هذه الانتخابات وما صدر عنها من الطرفين من رفض مسبق لنتائجها في حال خسارة أحد الأطراف، وهي سابقة مضحكة أن تحدث في بلد ديمقراطي عريق مثل الولايات المتحدة، فجو بايدن وفريقه الانتخابي رفض مسبقاً وعبر مؤتمر صحفي، أي نتيجة تلمح لخسارته للانتخابات وأعلن الفريق الديمقراطي بأنه سيلجأ للمحكمة الدستورية العليا في حال جاءت النتيجة مخالفة لاستطلاعات الرأي التي ترجح فوز بايدن فيها، وبالمقابل قال الرئيس الأميركي علانية بأنه لا يعرف ما الذي سيحدث في حال خسارته الانتخابات ملمحاً لرفضه انتقال السلطة وخروجه من البيت الأبيض، محولاً واشنطن لعاصمة بائسة من عواصم الشرق الأوسط الانقلابية.

كل هذا يحدث وسط حركة تسليح غير مسبوقة في أميركا، فعمليات شراء السلاح بلغت أرقاماً استثنائية، والميليشات اليسارية المسماة "أنتيفا"، تجهز نفسها لحدث ما، وتسلح نفسها لسبب ما، وفي الجهة الأخرى تبنت الميلشيات اليمينية ذات المسلك المتطرف وبدأت بتسليح نفسها حتى وصلت لاستعراض السلاح الثقيل نسبياً.. استقطاب وشحن وتصاعد استثنائي يحيط بهذه الانتخابات، دون أن ننسى الدول الثلاث المعنية أكثر من غيرها بهذه الانتخابات رغم أن شعوبها غير معنية، وهي روسيا والصين وايران، فتلك الدول الثلاث التي تعاني من عقوبات أميركية تراقب انتخابات 2020 عن قرب وبدقة، فنجاح مرشح بعينه فيها قد يعني الانفراج أو التصعيد والمواجهة.. فترامب في حال نجاحه في الانتخابات فهو حكماً سيضع فكرة إسقاط النظام الإيراني أولوية لديه، بعد أربع سنوات من الضغوط والعقوبات والتصفيات والتفجيرات غير المسبوقة التي شنها ضد حكومة الجمهورية الإسلامية، بينما تترقب الصين بلهفة وصول بايدن إلى الرئاسة لتخفيف ضغوط العقوبات والحرب الاقتصادية الهائلة التي يشنها ترامب ضدها، والتي وصلت حدود الحرب الباردة في الستينيات، وجعلت الصين لأول مرة تتخلى عن صمتها الاستراتيجي في التعاطي مع الملفات الدولية، أما روسيا المتهمة أصلاً بالتدخل في الانتخابات السابقة 2016، لصالح ترامب، فهي تراقب وربما تساهم في الضغط الإعلامي والترويجي لأحد المرشحين.. دون أن يحدد بوتين حتى الآن مرشحه المفضل.

تأتي هذه الانتخابات وسط تفوق نائب الرئيس السابق( باراك أوباما)، ( جوبايدن) في استطلاعات الرأي بفارق 12 نقطة، بعد أن كانت معدلات ترامب قبل وباء الكورونا قد وصلت ذورتها بعد نجاح اقتصادي باهر أنجزه خلال ثلاث سنوات قلل خلالها نسب البطالة وألغى العشرات من الاتفاقيات التجارية منتهية الصلاحية برأيه، ونقل سفارة بلاده محاباة لإسرائيل إلى القدس، وأبرم الاتفاق الإبراهيمي بين الدول العربية و( إسرائيل)، كل هذه الإنجازات من "وجهة نظره"، نسفها فيروس الكورونا ببساطة، وجعل منافسه يتقدم ب 12 نقطة كاملة، ولكن حملة ترامب عبر الإنترنت اعتبرت هذه المؤشرات هراء، حيث أن ترامب في العام 2016 كان متأخراً بالفعل بنسبة 12 نقطة أيضاً عن منافسته حينها هيلاري كلينتون..ولكنه استطاع الفوز بتلك الانتخابات كذلك..مما يلغي صدقية استطلاعات الرأي ووضعها في خانة الحرب النفسية.. في المقابل أعلن بايدن تأييده لكل الإجراءات المتخذة بخصوص نقل السفارة في القدس، وأعلن أنه سيعود للاتفاق النووي مع ايران، وسيعيد التفاوض مع الصين..

وفي سابقة أولى من نوعها أيضاً  بسبب الكورونا، بدأت الانتخابات عبر البريد في أميركا تأخذ طابعاً مهماً لتكون عاملاً أساسياً في الانتخابات القادمة، فبينما بلغت نسبة المصوتين عبر البريد في انتخابات 2017 رقم 70 ألفاً، فقد بلغ عدد المصوتين عبر البريد حتى منتصف شهر تشرين الأول بلغ عشرة ملايين مصوّت حتى الآن، مما فتح الباب واسعاً للسؤال عن قدرة جهاز البريد على المراقبة والتتبع و منع ازدواجية الأصوات في الانتخابات عبر البريد.

ومن المعروف بأن الانتخابات الأميركية تشهد تاريخياً استقطاباً بين الحزبين الرئيسين، حيث إن هنالك ولايات تصوت بشكل كامل وتلقائي للجمهوريين، وهناك ولايات مضمونة للديمقراطيين.. وأما ما يحدد هوية الرئيس الناجح فهي تلك الولايات المتأرجحة وعددها تسع ولايات..

هناك 23 ولاية تصوت بشكل دائم للجمهوريين بقوة 191 صوتا مضمونا لترامب، وهنالك 15 ولاية تصوت للديمقراطيين، بقوة 195 صوتا.. واذا ما عرفنا بأن المجمع الانتخابي يضم 538 صوتاً ( 435 صوتا لمجلس النواب+ 100 عضو مجلس الشيوخ)، بحيث يجب على الرئيس الناجح في الانتخابات الحصول على 270 صوتا من المجمع الانتخابي..

أما الولايات الـمتأرجحة التي لا تصنيف لها سياسياً فتنقسم كالتالي ولايات جمهورية حرجة وعددها ست ولايات بقوة 38 صوتا،  أما الولايات المتأرجحة فهي ست أوسبع ولايات  وعدد أصواتها 99 صوتا، ومن يفوز بهذه الولايات يفوز بالانتخابات، وعلى رأسها فلوريدا التي تقول الاستطلاعات تاريخياً بأن من يفوز بولاية فلوريداً يفوز بالانتخابات، وأما بقية الولايات فهي أريزونا، بنسلفانيا وميتشجان ونورث كارولينا و ويسكنسن ونيو هامبشير..وهي ولايات فاز بها ترامب كاملة في انتخابات 2016..

في المحصلة ستكون معركة الانتخابات القادمة في نوفمبر، معركة مصيرية، في زمن باتت المعارك الانتخابية مصيرية بقدر ما كانت المعارك الحربية مصيرية في زمن مضى، فالعالم يحبس الأنفاس، والدول والشعوب تترقب..وكل حسب مصلحته وإيديولوجيته.

كل ذلك يأتي والعالم يحبس أنفاسه، فمن سيجلس في البيت الأبيض للسنوات الأربع القادمة، هو من سيحدد كيف سيكون عالمنا في الخمسين سنة التالية.