اليوم العالمي للحماصنة

2020.08.05 | 00:02 دمشق

h06_rtr2vzno.jpg
+A
حجم الخط
-A

ذكرت وسائط إعلامية موثوقة ومتطابقة قبل ساعات، أن المعهد الدولي للأبحاث ودراسات الثيمات العالمية، ومقره في عاصمة عالمية فضلت عدم ذكر اسمها، قد قرر اعتماد يوم الأربعاء القادم يوماً عالمياً للحماصنة. ونظرا لمفاجأة القرار وتوقيته الحساس، من جهة علاقته أولاً، بجوانب عديدة من وجدانيات الحمصيين، وبالفولكلور السوري، الذي يحتفظ لهم بموقع متميز طالما ركن إليه السوريون ولجؤوا إليه في أفراحهم وأتراحهم على حد سواء. لكن من جهة ثانية أكثر أهمية في الواقع، وهي تتعلق بكون الحماصنة معروفين بتعلقهم الشديد بالحرية.

من هنا، سرعان ما بادر بعض الأذكياء منهم، للدعوة إلى اجتماع عاجل بهذا الخصوص. حيث تدارسوا أهمية الموضوع الحاسمة، وتداعياته المتوقعة، فشكّك بعضهم بتغييب المواطنين الحماصنة عن المشاركة في المشاورات التي جرت بخصوص القرار المذكور أولاً، كما أكد آخرون رفضهم لأي تدخل خارجي في تقريره ثانياً، معتبرين أن ذلك قضية وطنية بامتياز، ومن حقهم وحدهم كمواطنين تقرير مصيرها، على قدم المساواة مع حقوق سائر المواطنين في بلدهم، أو في باقي أرجاء العالم.

في الحقيقة، فإن العيد الوطني للحماصنة كان دوماَ هو يوم الأربعاء من كل أسبوع، لأسباب سبق أن أطنبت المراجع التاريخية في تفصيلها. من أبرزها أنه كان اليوم الذي خرج فيه جمع غفير من الحماصنة، خارج سور مدينتهم، بثياب مهلهلة ومثّلوا هيئة البهاليل وحركاتهم التي توحي بسلوكيات المجاذيب، لاستقبال جيش تيمور لنك الغازي المغولي، الذي كان جيشه يدمر المدن السورية ويستلبها في طريقه، فنجحوا في إشاعة أن منظرهم وأفعالهم تلك ناتجة عن مرض خاص أصاب سكان حمص، وأن ذلك المرض شديد العدوى. على الرغم من أن صفة المجاذيب كانت تتمتع بتقدير صوفي خاص، نظراً لتفسيرها انجذابا إلى الله، واقترابا من مطلقات كينونته، مما جعل بعض مجاذيب مجتمعات متعددة يتمتعون بكرامات خاصة.

في الحقيقة، فإن العيد الوطني للحماصنة كان دوماَ هو يوم الأربعاء من كل أسبوع، لأسباب سبق أن أطنبت المراجع التاريخية في تفصيلها

في المحصلة، حدث أن تراجع القائد المغولي يومها عن فتح المدينة، ومر بها مرور الكرام مع جيشه الهمجي المدمر، فتم بذلك إنقاذها، بخلاف ما حدث لباقي مدن سوريا في تلك المرحلة. وذلك على الرغم من وجود رواية أخرى، ذكرت أن تراجع تيمورلنك عن غزو حمص، كان ناتجا عن سبب آخر، مرتبط بتقديره لكونها مدينة ابن الوليد، نسبة للصحابي والقائد الشهير خالد بن الوليد، الذي مات ودفن فيها، وتم بناء مسجد باسمه، صار من أهم معالمها حتى تاريخه. 

ونظرا لورود القرار المذكور في مناخ احتفالي واستثماري، لا مندوحة أنه يندرج في سياق إعادة الإعمار المرغوبة، وعلى رأسها إعادة إعمار المواطنة أولاً. فقد صار التشاور حول ذلك القرار هماً وطنياً مشتركاً، وانتهى لأن يصبح موضوع صراع تكتلات بين الحماصنة المتميزين بذكائهم وبعد نظرهم !. وقد استمر الحوار الديمقراطي الذي تميزوا به دوماً، على الرغم من تفرّع تكتلاتهم بين فرق ذكية وفرق أقل ذكاء حسب سجلات الوقائع والتاريخ، ومن ثم فقد توصل تشاورهم، المفتوح على مصراعيه لكل المشاركين في الحوار والتصويت أيضا، إلى ظهور أكثرية ترى أن اللجوء إلى حل مبتكر للمشكلة أفضل من مواجهتها بحل حربي أو سياسي كما هو متداول دوما بشأن المشكلات العويصة. وهذا الحل يكمن في الخلاص من اعتبار يوم الأربعاء يوما حمصيا بامتياز، علما أن التفكير بهذا الاتجاه كان له جذور سابقة، فعبر كل مراحل التطور التاريخي لاجتماع الحمصيين في وسط سوريا، كان هناك دوما من يعتقد أن المناسبة بعيدة ومتأخرة من الأربعاء إلى الأربعاء، ولذلك فإن الحل المطروح يحقق التخلص من هذا البعد التاريخي ومن التدخل الخارجي غير المرغوب فيه معا، ويتحقق ذلك ببساطة، في اقتراح جعل المناسبة من الثلاثاء إلى الثلاثاء على الأرجح، وعلى الأقل من الإثنين إلى الإثنين، وذلك تفاديا للتناقض مع أعياد ثلاث تكتلات كبرى أخرى، أكثر أهمية وذكية بطبيعة الحال، كانت قد توزعت مختلف الأيام الأقرب في كل من الأحد والسبت والجمعة، فاختار كل منها يومه المناسب للراحة أو للحجر والتباعد الاجتماعي، في زمن سحيق البعد عن زمن التباعد الاجتماعي، الذي برز ويزداد إلحاحا اليوم في عصر الكورونا. أما بشأن يوم الخميس، فقد صرف النظر عنه وحسم أمره سريعا، لكونه بعيداً ومتأخراً من جهة، ويأتي تالياً للأربعاء نفسه، ومن جهة ثانية فهو لا يستحق أي اهتمام وتبجيل، إذ طالما غلب عليه الطابع العسكري حسب قول المتنبي ((بشرق الأرض والغرب زحفه، وفي إذن الجوزاء منه جماجم))! فضلا عن كونه تقليدياً يوم العمل الأخير في نهاية الأسبوع، وما زال كثير من (الفعيّلة) يدامون عليه كي ينالوا كامل الأجر، قبل أن يذهبوا إلى الاجتماع العائلي الموقوت والشهير ليلاً، كي يستكملوا كل ثواب.

لكن الحال انقلب مجدداً على يد المجرم الابن، وصارت حمص مصدراً آخر للحزن، بعد تدميرها، وصيرورتها نصف حياة ونصف موت، لتنضم إلى ذاكرة الألم السوري الطويل

يُذكر في هذا المجال، أنه بعد وقوع مجزرة حماة الشهيرة في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، على يد المجرم الأب، والتي راح ضحيتها ما بين 30 و45 ألفاً من سكانها، فقد طغى الحزن مجبولاً بالرعب والهلع على سائر أرجاء سوريا، مما أعطاها اسم مملكة الصمت بكل جدارة (على حد قول أحد أشهر أبنائها ابن العم المعروف كذلك باسم مانديلا سوريا، أطال الله عمره، وهو الذي خضع لما يقارب 23 سنة سجناً على فترات متفرقة، كان بينها حوالي عشر سنوات وحيداً تحت الأرض).  وقد استمر ذلك الطابع الحزين والصامت خلال كامل الفترة اللاحقة من تاريخ سوريا المعاصر، وحتى انفجار الثورة السلمية المعروفة. ويمكن القول بدون مبالغة، أن البلاد لم تكن تعرف الفرح والضحكات إلا نادراً، وعلى الأغلب بواسطة النكتة الحمصية الشهيرة والمتداولة محليا وعالميا، ولو أنها أخذت أسماء أخرى كالصعيدي في مصر وأبو العبد في لبنان، والاسكوتلندي في بريطانيا، وابن الجنوب في فرنسا، والبلجيكي في كامل أوروبا.

لكن الحال انقلب مجدداً على يد المجرم الابن، وصارت حمص مصدراً آخر للحزن، بعد تدميرها، وصيرورتها نصف حياة ونصف موت، لتنضم إلى ذاكرة الألم السوري الطويل، وتصير مع جارتها وشقيقتها الغالية حماة، جرحاً مفتوحاً لن يندمل إلا مع إشراقة فجر الحرية السوري، الذي هو قادم ولا ريب فيه، طال الليل أم قصر!