الوقت الضائع في سوريا.. "أستانا" و"اللجنة الدستورية" وأشياء أخرى

2021.12.24 | 05:28 دمشق

thumbs_b_c_4c1014a17507f731b0c9e77354686204.jpg
+A
حجم الخط
-A

لا حل يلوح في الأفق على ما يبدو وفق الرؤية الروسية، فتندفع موسكو لتصارع من أجل كسب المزيد من أوراق اللعب أمام الجانب الأميركي، اعترافاً منها ولو بشكل يبتعد عن المباشرة، بأن الحل في سوريا أمامه محطات متعددة وعوائق مختلفة خارج الأرض السورية، لكن ذلك لا يعني بالضرورة ألا تبدأ الحلول من سوريا.

رغم تخطي مسار "أستانا" كل حدود الإنعاش، إلا أنه ما يزال إحدى الأوراق التي تلوح بها روسيا عند كل حاجة، فسابقاً منذ سنوات كان الورقة الرابحة لها من أجل مد نفوذها العسكري على الأرض تحت ستار "مناطق خفض التصعيد"، ولاحقاً بات هذا المسار الروسي ورقة لعب سياسية تبتغي من خلالها موسكو إبداء الرغبة في جدية سعيها لحل سياسي بالانطلاق من رغباتها، ولاحقاً ورقة تساوم بها تسوية سياسية مع واشنطن في فترة إدارة الرئيس الحالي جو بايدن.

كذلك الحال كان مسار "اللجنة الدستورية" السورية، وما المقال هنا لتضييع جهود من سعوا لتغليب حضور هذه اللجنة بشكل جدي داخل العملية السياسية، إلا أن المسعى الروسي أدى غرضه على ما يبدو، فكان هذا المسار يتبع تحركات النفوذ الروسي على الأرض سواء في الجنوب أو الشمال السوريين، وهو كان وما يزال يحقق المصلحة الروسية، وإن كان ذلك عبر المكاسب السياسية التي استطاعت موسكو تحصيل عدة أوراق من خلالها.

وذلك في وقت سيّرت فيه أعمال اللجنة على هواها لكسب الوقت، بينما كانت تعمل على مستويات أخرى؛ من بينها فتح مسارات التعويم السياسي والاقتصادي لمصلحة دمشق مع محيطها الإقليمي/العربي، وبموازاتها كان العمل بخطوات "مدروسة وخبيثة" نحو تعويم ملف اللاجئين السوريين واستثمار صعود اليمين الأوروبي المتطرف، وانفراط عقد أوروبا الاتحادية، وكذلك تقارب محفوف بالمخاطر بين موسكو وباريس (زعيمة أوروبا الحالية)، واستغلال ثقل ملف اللجوء هناك في ظل أزمة اقتصادية وصحية بسبب كورونا.

كل ذلك استثمرت فيه موسكو بعد تمهيد وتحضير لملف اللجنة الدستورية على أنه المشغل الرئيسي للعملية السياسية، بينما كان الروس ينسجون خيوط التعويم الاقتصادي والسياسي لدمشق، ويستغلون كل هذا الوقت الضائع منذ أكثر من 4 سنوات (تاريخ الإعلان لأول مرة عن اللجنة الدستورية في سوتشي الروسية) في إحكام السيطرة على ما تبقى من مساحات نفوذ ممكنة على الأرض السورية، بمقابل عقد صفقات/تفاهمات تناسب رؤيتهم المرحلية في وقت سابق.

منذ مدة ليست بالقريبة نرى مسار "أستانا" بنسخ متشابهة لا طائل منها سوى سعي موسكو لإبقائه حياً ولو على الصعيد الإعلامي، من أجل المحافظة عليه كورقة ضمن بازارها السياسي المرتقب مع الولايات المتحدة

منذ مدة ليست بالقريبة نرى مسار "أستانا" بنسخ متشابهة لا طائل منها سوى سعي موسكو لإبقائه حياً ولو على الصعيد الإعلامي، من أجل المحافظة عليه كورقة ضمن بازارها السياسي المرتقب مع الولايات المتحدة، وكذا الحال مع "اللجنة الدستورية" التي لم ولن تنتج أي تقدم في مسار العملية السياسية، ويبدو أنها أنشأت من قبل روسيا لتبقى تدور في فلك انعدام القيمة والوزن السياسي. إذاً أين وكيف يتجه مسار العملية السياسية، وفق الرؤية الحالية للأوضاع داخل الملف السوري.

لعل تجميد احتمالات أي عمل عسكري تركي جديد ضد مناطق شمال شرقي سوريا، رغم كل التهديدات والتلويحات الإعلامية من قبل أنقرة خلال شهر تشرين الأول الماضي، والدور الأميركي والروسي بدرجة أقل يدفع للتصور أن هذا السيناريو لابد أن يكون حاضرا في عملية سياسية شاملة تقوم على تسوية سياسية بين واشنطن وموسكو.

بمعنى أكثر وضوحا فإن الدورين الأميركي والروسي هما القادران بتلاقيهما لوحدهما على فض النزاع المستمر في الملف السوري، من خلال تحديد بنود عمل مشتركة ضمن رؤية للتسوية عبر غطاء دولي ظاهريا، وتوافق ثنائي بحت في واقع الحال. فكلا الطرفين إن اتفقا كما أشير في أكثر من مناسبة مؤخرا إلى مبدأ "الخطوة بخطوة"، فإن بحث الوجود الإيراني في سوريا وسبل تحجيمه/التخلص منه سيكون "بيضة القبان" في المضي قدما نحو بنود أخرى أقل إشكالية ولكنها أكثر حيوية في تفعيل خطوات "الخطوة بخطوة"، بخاصة أن بوادر ذلك التوافق الأولي سواء أعجب معظم السوريين أو بعضهم القليل، إلا أن التحركات العربية التي سارت باتجاه دمشق منذ أواخر الصيف الماضي، لا تأخذ معنى الهزيمة لمناوئي الأسد بقدر ما يتمثل فيها (التحركات) خلطة روسية أميركية لا مشتركة ومتوافق عليها بالأطر العامة نحو المشي في محطة التسوية السياسية الشاملة.

تلك البنود الأكثر حيوية قد يتمثل أبرزها بالوجود العسكري الأجنبي في سوريا، وملف القوى المصنفة على لوائح الإرهاب، ومحددات البقاء العسكري الأميركي المرهون بإرساء الاستقرار في مناطق شمال شرقي سوريا، ودعم "لامركزية سورية" تؤسس أركانها في الشمال الشرقي وتنطلق إلى عموم الأراضي السورية، بما يحقق التنمية للمناطق والخصوصية والاستقلالية للمكونات السورية ضمن حدود الدولة الواحدة التي لن تستقر دون تسوية سياسية، يأخذ الدور السوري فيها صفة المراقب، فسنوات فشل المشاركة التمثيلية السورية كانت شاهدة على هول مصيبة السوريين من بعض القوى السياسية التي تحكمت بصوتهم وسنواتهم الضائعة.