الوسط المعارض..المريض!

2020.12.31 | 23:08 دمشق

img_20200711_213135_996.jpg
+A
حجم الخط
-A

كتعويض عن حالة العجز وغياب القدرة على الفعل والتأثير، يطلق معارضون وثوار من وقت لآخر مشاريع تجمعات سياسية لا تقطع أشواطاً بعيدة في الغالب، وتنتهي عند حدود الفكرة أو أبعد من ذلك بقليل.

هذا الفشل ليس سببه العجز عن وضع تصور سياسي للمشروع أو هيكل تنظيمي أو عدم الاتفاق على الأهداف والمبادئ، فهي واضحة ومتفق عليها بالنسبة لغالبية المعارضين والثوار، وهي لا تخرج عن أهداف الثورة ومبادئها الأساسية في إسقاط النظام الديكتاتوري وإقامة دولة الحرية والعدالة والديمقراطية.

لكن الفشل المتكرر، منذ خمس سنوات على الأقل حتى الآن، تنبع أسبابه من عوامل "موضوعية" تتعلق بالمآلات التي انتهى إليها واقع الصراع في سوريا، وعوامل "ذاتية" مرتبطة بالوسط الثوري والمعارض ذاته الذي أصيب بأمراض كان متوقعاً على أي حال أن يصاب بها.

وإذا كانت المآلات التي انتهت إليها القضية السورية، على الأقل حتى الآن، باتت أوضح من أن تحتاج لقراءة جديدة أو تفسير إضافي، فإن الحاجة لفهم انعكاسات ذلك على مؤسسات المعارضة الرسمية نفسها يعتبر أمراً مهماً.

 فبدخول الائتلاف، وما تفرع عنه من مؤسسات تفاوضية في مسار أستانا، وما تفرع عن هذا المسار أيضاً من مسارات موازية، كسوتشي واللجنة الدستورية وغيرها منذ العام 2017، جعل الانقسام والصدع داخل قوى المعارضة عميقاً جداً، وكان هذا الصدع يزداد عمقاً كلما تقدمت هذه المسارات المشوهة خطوة للأمام أكثر دون تحقيق أي مكاسب سياسية للثورة، حتى انتهى الأمر إلى فقدان الثقة بالائتلاف ومؤسساته إلى حد كبير جداً.

 وفقدان الثقة بهذا الشكل لم يكن سوى تحصيل حاصل بعد سلسلة طويلة من الوقائع والتراكمات التي قيل عنها الكثير وكتب حولها ما يكفي مؤنة الإعادة، وهو حال بائس لم يبدأ على أي حال مع انطلاق مسار أستانا، بل قبل ذلك عندما فشل الائتلاف منذ ولادته ورغم تعاقب شخصيات وأسماء كثيرة عليه، في جسر الهوة بينه وبين الناس، لكن الأمانة تقتضي الإقرار بأنه لم يكن في أي يوم بهذه الدرجة من البؤس كما هو عليه الآن وقد وصل الانقسام بين كتله وقادته إلى مستوى باتت معالجته تـصعب.

إلا أنه ومع ذلك لا يبدو أن هذه الكتل وهؤلاء القادة المهيمنين على الائتلاف قلقون جداً على مستقبل المؤسسة أو مستقبلهم الشخصي والسياسي معها، بل يمضون مطمئنين جداً إلى عدم وجود خطر يتهددهم وهم يراقبون الفشل الذي تراكمه قوى وشخصيات وتجمعات المعارضة غير الرسمية يتخبطون في محاولاتهم من أجل إنجاز فعل يغير بالائتلاف أو يغيره.

يعتقد كثير من المعارضين والثوار أن الأمر السوري خرج منذ وقت طويل عن يد السوريين وتحكمهم، ولم تعد مؤسسات المعارضة الرسمية إلا نسخة عن النظام من حيث امتلاك القرار والفاعلية، والجهتان باتتا وكيلتين صوريتين عن الدول المتحكمة بهما، ولذا فإنهم يرون أنه ما من جدوى لإصلاح الائتلاف ومؤسساته أو حتى إنتاج أجسام بديلة لأنها ستكون بلا فائدة.

 هذه القناعة جعلت جزءا غير قليل من المعارضة يدخل في عزلة مستمرة وينكفئ عن المشهد العام، لإيمانه بعدم الجدوى أو القدرة على إحداث أي تغيير أو تأثير، بينما جعلت جزءا آخر يعتبر أن أي أجسام معارضة جديدة لا يمكن أن تنشأ إلا في أحضان الدول المؤثرة في الصراع السوري.

لكن بالنسبة للغالبية من المعارضين والثوار الذين ما زالوا مؤمنين بإمكانية التأثير والتغيير، فإن الأسباب التي تعيقهم عن إنجاز أي مشروع حتى الآن عديدة، يأتي على رأسها سيطرة حالة من فقدان الثقة بين الأوساط الثورية وصلت إلى حدود مؤسفة.

لقد أدى تراكم الفشل السياسي والعسكري على مدار السنوات الأخيرة الماضية إلى تبادل الاتهامات بين مختلف قوى وأطياف المعارضة وتحميل الجميع للجميع المسؤولية عما آلت إليه الأمور، وأصبحت علاقات ومسؤوليات ووظائف وأدوار كل شخص منهم محط نقد وشماعة تعلق عليها الأخطاء من أجل تبرئة الذات وإبعاد المسؤولية عن الكاهل وإثبات أن الآخرين هم من يتحملون المسؤولية، سواء بسبب نقص بالدراية أو التدبير أو تغليب للمصالح الشخصية على المصلحة الوطنية، وغير ذلك مما يطول.

باختصار لقد بتنا أمام مشهد مؤسف من الحساسية والتنافر بين غالبية المعارضين الذين أصبح حالهم يشابه حال الأوساط المهنية أو الاجتماعية التي تنشأ بين أصحابها منافسات وخلافات تتحول بمرور الوقت إلى حالة من العداء المستحكم، كما هو الحال في الأوساط الثقافية على سبيل المثال، أو الأوساط الفنية وغيرها من التجمعات والنقابات والأوساط التي اعتاد الجميع على تفشي الغيبة والنميمة وفقدان الثقة والمودة بين أعضائها، إلى الحد الذي يجعل إمكانية اتفاقهم على أي شيء غير ممكن بطبيعة الحال.

لقد استفاد النظام قبل الثورة أيما فائدة من استفحال هذا المرض في الأوساط النخبوية ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات من أجل إخراجها من دائرة الفعل السياسي وتحييدها عن المشهد العام، وها هو يستفيد من المرض ذاته اليوم بعد أن استفحل أيما استفحال في أوساط الثورة والمعارضة التي فقد الجميع فيها تقريباً، إلا من رحم ربي، الثقة بالآخرين، وباتوا مستعدين باستمرار لتصديق أي إشاعة أو التسليم بأي تهمة يمكن أن تساق بحق شركائهم في النضال والمعاناة والتضحيات، ما أدى لجعل كل محاولات الإصلاح لا تفشل وحسب، بل وتحكم على نفسها بالموت حتى وهي تولد، وهو أمر لم يعد مقبولاً الاستمرار بالاستسلام له.

كلمات مفتاحية