الوجه الحقيقي للسذاجة الروسية

2021.10.28 | 06:07 دمشق

unnamed_1.jpg
+A
حجم الخط
-A

في أي قراءة لنتائج الجولة الأخيرة للجنة الدستورية في جنيف، ماتزال ترن، حتى اليوم، كلمات تلفظ بها رئيس وفد النظام أحمد الكزبري، في تصريحه لوسائل الإعلام، بعد فشل الاجتماعات، قال فيه: إن وفده جاء برغبة صادقة وروح إيجابية..، غير أن "طروحات المشاركين الآخرين منفصلة عن الواقع وتعكس أفكار خبيثة وأجندات معادية"!

التفاؤل بإمكانية بحدوث اختراق ما في السياق، بدأ عندما سمّت صحف النظام وفد المعارضة، باسمه، أي "وفد المعارضة"، ولم تطلق عليه تسمية عبارة "الوفد التركي" كما كانت تفعل من قبل، وارتفعت المؤشرات بعد اللقاء الأول من نوعه بين الكزبري وهادي البحرة رئيس وفد المعارضة، الذي جرى برعاية دولية، وأعلنا فيه التوافق على البدء في صياغة المبادئ الأساسية للدستور، والالتزام بتحديد مواعيد مؤقتة للاجتماعات المقبلة، ومناقشة خطة العمل.

غير أن ريح وقائع اليوم الأخير، الذي كان دموياً على الأرض السورية، بين تفجير دمشق، وبين قصف النظام لمدينة أريحا، طيّرت الأوراق عن الطاولات، وعادت بالمتابعين الذين يترقبون الأخبار السارة، وفي مقدمتهم الروس، إلى نقطة الصفر، فبعد أن ارتفع أدرينالين الدم لديهم، كمؤشر عن إمكانية حلحلة الملف، جاءت ملامح وجه الكزبري، وبابتسامته الصفراء، بما لا يسرهم، ولا يرضيهم، بعد أن عولوا الكثير على هذه الجلسة.

هو لا يرى المعارضة سوى أنها كيان خبيث، ينفذ أجندات معادية! فهل ثمة بعد هذا التصريح ما يستحق أن يناقش؟

الرجل لا يكذب، إنه يرى في أي طروحات لا تناسب رؤية النظام، انفصالاً عن الواقع! هذا في حال كان إيجابياً في التعامل مع الطرف المقابل، لكنه، وكالعادة، يعود إلى الأصول، وإلى جذر رؤية النظام، التي لم تتغير، فهو لا يرى المعارضة سوى أنها كيان خبيث، ينفذ أجندات معادية! فهل ثمة بعد هذا التصريح ما يستحق أن يناقش؟

يدرك قطاع كبير من المعارضين هذه الحقيقة، ولا شيء يدل على فقدان الأمل من هذا المسار، أكثر من تلك المقالات التي كتبت في الأيام الماضية، مطالبة بنعي اللجنة الدستورية. ورغم أن وفد المعارضة لديه من الأسباب الكثير، التي تمنعه من أن يقدم على الانسحاب من المسار، ومنها المراهنة على عودة الأدوار الدولية المنكفئة عن الملف السوري، إلى احتلال مواقعها، إلا أن الدور الروسي المسيطر، لا يبدو صادقاً، ولا يتمتع بالنزاهة، وهذا يؤدي فعلياً إلى إيقاف المشاركة، حتى إصلاح طريقة إدارة العملية، لأنها أصل وأساس المشكلة.

هنا، لا يفتري أحد على الدب الروسي، لأنه هو ذاته، يقف على الخشبة وحيداً، محاولاً إقناع الجمهور بأن أداءه يتمتع بكل ما هو مطلوب كي يحوز صفة المصداقية، لكنه يلعب دور الساذج، بشكل متكلف، يُسهل على المشاهدين قراءة كم هو كاذب ومنافق.

ومن تفاصيل السذاجة المدعاة، أن يصرح بعض المقربين من الكرملين بأن ثمة خلل في جهة النظام، قوامه الفارق بين ما اتفق عليه الأسد مع مبعوث بوتين إلى الشرق الأوسط ألكسندر لافرينتيف، قبل أيام من انعقاد الجولة، حينما التقيا في دمشق، وبين ما جرى على الأرض، خاصة ما لوحظ من نزق وفد النظام، وتصرفاته التي لا تظهر رغبته بالتقدم قدماً.

ما يقود في المحصلة إلى الإيحاء بأن رأس النظام لا يسيطر تماماً على الأمور، وتحميل الفشل إلى سيطرة امراء الحرب المستفيدين الذين لا يرغبون بإيجاد حل ينهي سيطرتهم ومصالحهم، ولهذا فإنهم وجهوا الوفد في جنيف إلى رفض أي شيء يتم طرحه، من قبل المعارضة، الأمر الذي ربما سيستكمل خلال الفترة القادمة، عبر الضغط على الأسد نفسه لإصلاح الوضع، وتنحية من يعيقون المفاوضات.

وبذلك يمكن وضع اللمسات الأخيرة على المشهد العام الذي يتم فيه تسويق إمكانية بقاء رأس النظام، وإعادة انتاج النظام، وتعويمه إقليمياً وعربياً ودولياً، مع تعديلات دستورية، أو كتابة دستور جديد، يتم تأجيل إحلاله حتى نهاية ولاية الأسد الحالية.

وإلى ذلك الحين، ووفقاً لمراهنة النظام التاريخية على الزمن، وعلى إنهاك الخصم، تترتب الظروف بكل مستوياتها داخلياً وخارجياً من أجل استمراره!

في الواقع، ينفخ الروس في قربة مقطوعة، وهذه قناعة المجتمع الدولي بغالبيته، وهم أنفسهم يعرفون حقيقة الأسد ونظامه، لكنهم يدعون أنهم يتعاملون مع كيان لديه كل مقومات البقاء والرسوخ، وبالتالي فإن ما يبرمونه من اتفاقيات وصفقات هنا، يبنى بينهم وبين من يحوز الشرعية، التي تخوله اتخاذ قرارات تمكينهم من السيطرة والتحكم، بالمقدرات السورية، وبالأرض، والنيابة عن النظام، في تقرير شؤونه أمام القوى الدولية.

الوجه الحقيقي للسذاجة الظاهرة في السلوك الروسي، يمكن رؤيته في الادعاء المتكرر بأنهم يحمون سيادة سوريا، ويمنعون الدول الأخرى من انتهاكها

وتبعاً لهذا، فإن قراءتهم المعلنة لما جرى في جنيف، عبر عدسة السذاجة، ومن خلال القول إن تصرفات الوفد ورئيسه، هي مؤشر على فقدان الأسد السيطرة، لا تعني شيئاً سوى محاولة وقحة جديدة لاستغباء الآخرين.

الوجه الحقيقي للسذاجة الظاهرة في السلوك الروسي، يمكن رؤيته في الادعاء المتكرر بأنهم يحمون سيادة سوريا، ويمنعون الدول الأخرى من انتهاكها، ويطالبون كل القوات الأجنبية الموجودة على الأراضي السورية بالخروج منها، إلا قواتهم، لأنها جاءت عبر اتفاق رسمي بين الدولتين، وفي الوقت نفسه، منح بوتين إسرائيل دائماً حرية قصف الأهداف المعادية لها في سوريا، وقد أعاد تأكيد هذه السماحية، وهو ما تكشف من اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، قبل أيام!