"الهجرات العابرة للحدود": لماذا الآن؟

2021.12.05 | 06:03 دمشق

syrian_refugees_turkey.jpg
+A
حجم الخط
-A

عندما قرأت المادة باللغة التركية صباح الجمعة استوقفتني على الفور. فهي تتحدث عن تقرير أعده حزب الحركة القومية اليميني تحت عنوان "الهجرات العابرة للحدود" وكان التركيز فيه على موضوع اللجوء السوري إلى تركيا من كل جوانبه مع الكثير من التفاصيل. اكتشفت سريعا أن المادة تتعلق بتقرير كلف حزب دولت بهشلي مجموعة بحثية أكاديمية بإعداده في تشرين الأول 2018 وأنجزته بعد عام من العمل. وأنه لم يلق وقتها الكثير من الاهتمام على المستوى السياسي والإعلامي وأن البعض يحاول إنزاله عن الرف ورفع الغبار عنه وتلميع محتواه وطرحه من جديد على طاولة النقاش. هو التقرير المنشور الأكثر تفصيلا الذي أعد باللغة التركية حول موضوع اللجوء السوري كما يبدو. وهو يتطرق إلى المسألة من خلال مادة تقع في نحو 200 صفحة من جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية. صحيح أن أرقامه وجداوله قديمة لكن شمولية التحليل والاستنتاجات المعتمدة ما زالت تسير في الاتجاه نفسه حول نظرة حزب الحركة القومية للموضوع والخلاصة التي يتبناها كحلول مطروحة لهذه الأزمة.

لماذا الحديث اليوم مرة أخرى عن التقرير؟ وما هي الغاية من وراء ذلك بعد عامين على إعلانه؟

هل الهدف هو تذكير حزب الحركة القومية به وبضرورة الالتزام بتنفيذ محتواه؟ كيف سيفعل ذلك وهو شريك أساسي لحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يدير شؤون الملف السوري وموضوع اللجوء بكل تفاصيله؟ أم أن الهدف هو محاصرة حزب دولت بهشلي بتوصيات التقرير وضرورة الالتزام بها حتى ولو كان الثمن اتخاذ موقف سياسي قد يصل إلى القطيعة بين شركاء اليوم؟ ربما مسألة التخوف من موجات لجوء جديدة من أفغانستان جرى الحديث عنها قد تكون بين أسباب تحريك الموضوع السوري مجددا. ربما هي الأزمات الاقتصادية التي اشتدت في الآونة الأخيرة في الداخل التركي والتي قد يريد البعض تحويلها إلى فرصة لتوتير العلاقة في الملف. ربما هي سياسة أوروبا المعلنة بعد القمة الأخيرة والتي حملت المزيد من التصلب والتشدد في موضوع اللجوء وضرورة الرد التركي عليها عبر رسائل عدم استعداد أنقرة لتحمل المسؤوليات والأعباء بمفردها قد تكون بين الأسباب التي أحيت التقرير مجددا اليوم.

إبقاء نحو 4 ملايين وافد سوري في تركيا لفترة طويلة مسألة لم يعد سهلا تحملها بسبب ارتداداتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية

تقرير يقع في 7 فصول يتطرق إلى الموضوع من جوانبه العديدة بأبعادها التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية والسياسية. بعض ما ورد في التقرير معروف ونكاد نسمعه كل يوم:

عدد اللاجئين الوافدين إلى تركيا بين العامي 1922 و2010 يفوق عدد الوافدين إليها خلال السنوات العشر الأخيرة.

إبقاء نحو 4 ملايين وافد سوري في تركيا لفترة طويلة مسألة لم يعد سهلا تحملها بسبب ارتداداتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

الغالبية المطلقة من الأتراك مع عودة اللاجىء السوري إلى بلاده. وغالبية مماثلة تتحدث عن صعوبة تجاوز عقبة الاندماج وتحذر من ظهور معالم كانتونات لجوء داخل العديد من المدن التركية.

لا يمكن تجاهل ضرورة إدخال تعديلات حقيقية على قانون الحماية المؤقتة الذي يعاني من وجود أكثر من ثغرة.

اتفاقية اللجوء والهجرة الموقعة مع أوروبا تحتاج إلى تعديل لأنها تحول تركيا إلى خط فصل مع الجغرافيا الأوروبية في موضوع اللجوء. تركيا كانت دولة عبور للاجىء قبل 4 عقود اليوم تحولت إلى مقر دائم يحظى فيه بالرعاية والحماية.

مسألة التجنيس لا بد من مراجعتها مع الأخذ بعين الاعتبار النماذج الأوروبية في ألمانيا وفرنسا حول الشروط الواجب على المرشح التمتع بها كمواطن محتمل. لا يمكن قبول طرح الجنسية المزدوجة في التعامل مع الموضوع لأن التجارب في أوروبا وطريقة التعامل مع المواطنين الأتراك هناك لا تحتاج إلى نقاش.

مسألة العودة الطوعية صعبة ومعقدة. البديل هو المساعدة على حل مشكلات أسباب مغادرة اللاجىء بالطرق السياسية والدبلوماسية، وتأمين مناطق عيش مؤقتة له داخل أراضيه بانتظار المعالجة النهائية لأزمته.

التقرير هو باختصار عبارة عن دعوة واضحة من قبل قيادات حزب الحركة القومية إلى شريكهم حزب العدالة والتنمية تحت سقف "تحالف الجمهور" لمراجعة سياساته في ملف اللجوء والملف السوري ككل وهي وجهت قبل 3 سنوات لكن لم يكن لها صداها على مستوى الداخل التركي وقتها. حزب الحركة القومية لم يترك حليفه وحيدا في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها حتى ولو أعلنت الكثير من استطلاعات الرأي عن تراجع أصواته وشعبيته. وهو لم يتشدد في ضرورات الاستجابة إلى ما يطالب به ويريده في ملف اللجوء، لكن الأجواء السياسية والمعيشية في تركيا تقول بعد مرور عامين على إعداد التقرير أن الأمور لم تتغير كثيرا حتى ولو جرى الحديث عن عودة الآلاف من اللاجئين إلى الداخل السوري فالمعطيات والأرقام والاستنتاجات التي توقف عندها التقرير ما زالت ماثلة أمام الأعين.

لم يتجاهل حزب العدالة والتنمية حتما التقرير وقتها وذهب باتجاه تبني مواقف وقرارات عديدة لكنه في موقف لا يحسد عليه اليوم فما يقوله حليفه بهشلي يلتقي مع ما تقوله أحزاب المعارضة فكيف سيتعامل الحزب الحاكم مع الموضوع السوري في المرحلة المقبلة للخروج من أعباء ملف اللجوء؟

المعنيون بملف اللجوء من السوريين عليهم الاستعداد لسيناريوهات جديدة في التعامل مع الموضوع بشقه السياسي في المرحلة المقبلة

تقرير الحركة القومية نفسه يتحدث عن 67 مليون لاجىء في العالم و27 مليون نازح داخل أوطانهم ينتظرون تحرك المنظمات السياسية والاجتماعية لإيجاد حلول لمعاناتهم. تتحدث أميركا في آخر تقرير لها نشر قبل أيام عن مسألة اللجوء في العالم وضرورة دعم الدول المستقبلة ومساعدتها على مواجهة الأعباء ودعوة الدول الفاعلة للتعاون لإيجاد الحلول السياسية لهذه المسائل. الذي يجري هو ليس تحمل مسؤوليات إيجاد الحلول بل العكس كما يبدو، هناك خلف الأبواب والكواليس في القاعات الدولية المؤثرة من يتمسك بتحويل مسألة اللجوء إلى فرصة سياسية واقتصادية وأمنية دائمة البقاء أمام الطاولة يستخدمها كورقة مبارزة أو مساومة على رقعة شطرنج التوازنات الدولية ومشاهد نقل الآلاف من اللاجئين الأفغان إلى الغرب قبل أشهر خير دليل.

الحديث هو عن تقرير الحركة القومية القديم الجديد لكن المعنيين بملف اللجوء من السوريين أيضا عليهم الاستعداد لسيناريوهات جديدة في التعامل مع الموضوع بشقه السياسي في المرحلة المقبلة خصوصا وأن المعارضة التركية لن تفرط بورقة انتخابية مهمة من هذا النوع تماما كما فعلت في الانتخابات ما قبل 3 أعوام.

نعرف جيدا ما الذي يقوله الداخل التركي في الحكم والمعارضة خلال التعامل مع مسألة اللجوء ونعرف أن الكثير من المواقف والطروحات باتت تلتقي عند نقاط مشتركة أساسية، لكننا لا نعرف كيف تستعد القوى السياسية والاجتماعية والفكرية التي تدافع عن السوريين وحقوقهم في بلدان اللجوء للتعامل مع الموضوع بشمولية ومركزية وما هي تقديراتها وردودها على أسئلة وسياسات كثيرة تطرح في دراسات وتحليلات وسيناريوهات تحرك على خط الملف وموضوع الأزمة السورية في مقدمتها؟