النظام يسرق حلفاءنا

2021.06.18 | 06:34 دمشق

alia1.jpg
+A
حجم الخط
-A

تناول كثيرون خلال الفترة الماضية الإشاعات أو المعلومات التي تتحدث عن توجه دول عربية، أو حتى من خارج المنطقة، نحو التطبيع مع النظام، وكان التركيز واضحاً وبدرجة كبيرة على السعودية، التي اختلفت تقديرات المعارضين والثوار فيما يخص عدم إعادتها العلاقات مع دمشق بشكل رسمي حتى الآن.

يرى بعضهم أن الرياض حسمت أمرها منذ العام الأول للثورة بأنه لا مستقبل لهذا النظام، وأن كل المتغيرات التي حصلت، سواء الداخلية منها في المملكة أو الخارجية، الإقليمية والدولية، لا يمكن أن تغير هذا القرار، ويقدم هؤلاء براهين عديدة على ذلك، لعل آخرها ظهور سفير السعودية في الأمم المتحدة على قناة روسيا اليوم، مجدداً تمسك بلاده بموقفها المعلن.

بالمقابل يقرر آخرون أن الموقف المعلن شيء وما يجري بهدوء وبعيداً عن الأضواء شيء آخر مختلف، مؤكدين أن الرياض بدأت التطبيع مع النظام بالفعل، وأدلتهم على ذلك تسريبات إعلامية عن زيارة مسؤول الاستخبارات في المملكة إلى دمشق قبل شهر، وبالرغم من أن هذا الخبر لم يتم التأكد منه بشكل قاطع بعد، إلا أنه بالنسبة لهذا الفريق كافٍ للدلالة.

يرى هؤلاء أيضاً أنه لولا الفيتو الأميركي الواضح على إعادة العلاقات مع النظام لوجدنا كثيرا من الدول، وبينها السعودية، تلتحق بالإمارات والبحرين في التطبيع مع نظام الأسد. والواقع أنه لا يمكن إنكار أن هناك جوا عاما مليئا بالمؤشرات على ذلك، لكن هل ينطبق ذلك على السعودية أو قطر تحديداً؟

لولا الفيتو الأميركي الواضح لوجدنا كثيرا من الدول تلتحق بالإمارات والبحرين في التطبيع مع نظام الأسد. والواقع أنه لا يمكن إنكار أن هناك جوا عاما مليئا بالمؤشرات على ذلك، لكن هل ينطبق ذلك على السعودية أو قطر تحديداً؟

في الإجابة على هذا السؤال تحضر غالباً المواقف المسبقة من الدولتين عند كل صاحب إجابة، فالمعارض والثائر المؤيد للسياسية القطرية يؤكد وبشكل قاطع أن الدوحة لا يمكن أن تتزحزح عن موقفها الرافض للنظام، وكذلك الأمر بالنسبة لمؤيدي السياسة السعودية من السوريين، فهم يرون أن موقف المملكة الجذري من ضرورة تغيير هذا النظام سيبقى كذلك حتى النهاية، وهنا لا يكون النقاش علمياً، والإجابات مبنية باستمرار على مواقف سياسية أو إيديولوجية مسبقة.

وعليه يكون تفنيد هذه الإجابات بشكل موضوعي صعباً، لكن ما يفوت الطرفين هو مناقشة كيف يمكن الضغط والعمل من أجل أن تحافظ الدولتين على موقفهما الصريح في الاستمرار بدعم من الثورة، وسبل العمل على إعادتهما للعمل معاً والتعاون في هذا الملف الذي يبدو الملف الوحيد الذي تتفقان عليه حتى الآن.

تعيدنا هذه الحقيقة، أو هذا ما يجب أن يحدث، إلى ضرورة الانتباه إلى أن الثورة ما يزال لديها حلفاء إقليميون أقوياء، وأن ما أضر بنا هي خلافات هؤلاء الحلفاء حول ملفات أخرى انعكست سلباً على دعمهم للثورة، وكان الثمن الأفدح الذي دفعناه هو في سقوط كثير منا في فخ الاستقطاب الذي حدث بينهم، وانخراطهم في صراع المحاور الذي اشتعل، في الوقت الذي كان عليهم فيه أن يتجنبوا ذلك تماماً، فإذا كنا عاجزين وفي موقف أضعف من أن يسمح لنا بالتدخل كوسيط بينهم، فعلى الأقل علينا ألا ننخرط في صراعاتهم، خاصة وأننا متفقون على أن هذه الخلافات والصراعات شديدة الضرر بقضيتنا.

وإذا كانت الأشهر الأخيرة الماضية قد شهدت تطورات إيجابية في العلاقة بين المحورين، السعودي المصري من جهة، والقطري التركي من جهة أخرى، فقد كان على قادة المعارضة وشخصياتها البارزة، وكذلك الناشطين والرأي العام، أن يضغطوا ما بوسعهم من أجل أن ينعكس هذا التقارب بشكل أسرع على الملف السوري، لكن اللافت أن أي مبادرة لم تحدث على هذا الصعيد، فلم نشاهد مسؤولين من الائتلاف أو هيئة التفاوض يزورون العواصم العربية ويلتقون قادتها، كما أن الجدل والتناحر الإعلامي بين مؤيدي كل محور استمر على وسائل الإعلام ووسائل التواصل!

الثورة ما يزال لديها حلفاء إقليميون أقوياء، وأن ما أضر بنا هي خلافات هؤلاء الحلفاء حول ملفات أخرى انعكست سلباً على دعمهم للثورة، وكان الثمن الأفدح الذي دفعناه هو في سقوط كثير منا في فخ الاستقطاب

إنه من الغريب حقاً أن نرى النظام، الذي بلغ العداء بينه وبين الدول الحليفة للثورة مستوى اللاعودة يطلق الغزل نحو هذه الدول، أو على الأقل بعضها، طمعاً بأموالها أو نفوذها أو تأثيرها، بينما لا يتردد كثير من الثوار والمعارضين، منذ سنوات طويلة للأسف، على مهاجمة هذه الدول بل وشتمها أحياناً!

لا شك أن هؤلاء الحلفاء ارتكبوا أخطاء كثيرة تجاه الثورة، وبالتأكيد تتحمل سياساتهم وخلافاتهم وصراعاتهم مسؤولية كبيرة في تراجعنا، وبالطبع كان من الواجب ولا يزال أن ننتقد هذه الأخطاء والسلبيات ونضع حلفاءنا بصورة ضررها، لكن أن يصل الأمر إلى التعامل معهم كأعداء وكأننا نملك فائضاً من الحلفاء والداعمين، فهنا الخطأ الكارثي.

إن الثورة لم تنته، والمعارضة لم تهزم بعد، ولا زلنا بحاجة إلى حلفاء أقوياء هم متوفرون إلى اليوم، فتركيا وقطر والسعودية دول لها وزنها وأهميتها وتأثيرها على الساحة الإقليمية، ومواقف هذه الدول كفيلة بأن تحافظ على واقع عدم انتصار النظام في أضعف الإيمان، ولذا فإن العمل المطلوب من جميع الثوار والمعارضين هو إيجاد الآليات التي تضمن عودة هؤلاء الحلفاء للتعاون الإيجابي فيما يتعلق بقضيتنا بأسرع ما يمكن.