النظام الطراميحي

2022.12.31 | 07:21 دمشق

النظام الطراميحي
+A
حجم الخط
-A

الظرف والطرائف والنكتة والضحكة والكوميديا، أسلحة يستخدمها النظام ضد معارضيه، ومراهم يعالج بها جراح الشعب، كما يُستخدم الكبتاغون. الضحكة سلاح ذو وجهين، وكان سلاحًا ضد الطغيان قديمًا، لكنه بات يُستخدم ضد الشعب. كتب الناقد الروسي ميخائيل باختين: الضحك يدمّر الطغيان. وكان الطغيان قديمًا حييًّا وغيورًا، تجرحه الضحكة والسخرية، ويستحي من الهجاء، ويخجل من الساخرين، لكن لا يثبت على حالٍ زمان.

 وتمتلئ كتب التراث بأبيات شِعر أذلّتْ أقوامًا ورفعت أقوامًا، ويمكن تذكّر الكتاب الذي كتبه محمد حيان السمان  عن خطاب الجنون، فقد كان المجنون أحد المعارضين الذين تتغافل عنهم الأنظمة الحاكمة والسلاطين، فيقولون ما يشاؤون، مدركين معنى المثل العربي: ما قلّ سفهاء قوم إلا ذلّوا، وذلَّ من لا سفيه له، والذي نسميه في أيامنا التنفيس، لكن الأنظمة المعاصرة تطورت وباتت تستخدم السفهاء ضد الشعب، وتستعمل الضحك في تدمير الشعب أو إلهائه عن حاجاته وشؤونه، وقد كانت مسرحية مدرسة المشاغبين ملهيًا كبيرًا في مصر، يبثها النظام المصري عند الحاجة، إلى أن قالت منى (مثلّت دورها ميرفت أمين) في فيلم "زوجة رجل مهم": "إنها ما عادتش تدّحك"، وكان جلّ الشعب السوري يعتبر دريد لحام مناضلًا وناقدًا كبيرًا يسخر من المخابرات، وكان معارضًا في أثناء العرض، وبعد العرض مواليًا، يصفّق للنظام، أي أن مدّة معارضته، وهي تمثيل، لا تكاد ترى بالعين زمنيًا.

أشهر الناقدين هو الفنان بشار إسماعيل، انتشر له منشور ساخر من فقدان الماء الساخن واضطراره إلى الاستحمام بالطنجرة

المعارضون السوريون في الداخل، أظهرهم من الفنانين والممثلين والمطربين، يظهر منشور فيسبوكي للمعارض الفنان، فينتشر ويشيع، ويطرب به الناس، وليس مؤكًدا أن الفنان مكلّف بالنقد وفق السيناريو المكتوب من قبل جهات أمنية. وأشهر الناقدين هو الفنان بشار إسماعيل، انتشر له منشور ساخر من فقدان الماء الساخن واضطراره إلى الاستحمام بالطنجرة، كما كانت الناس تستحم قبل قرن من الزمان. وله "إيفيهات" كثيرة يقول في أحدها: إنه سيتبرع بأعضائه كلها لمجلس الشعب السوري إلا عضوًا واحدًا، وفي تصريح ثانٍ مضاد يقول: إن الله نصر بشار الأسد بالإمام علي، وفي ثالث: إنه لكان هاجر، لولا أنه لا يملك أجرة السفر، وفي رابع: إنه يشغل أربعة فنانين عنده عمالًا لقلة الأجور وعدم توفر أعمال فنية...

وقد ذهلت شكران مرتجى، وهي ممثلة من الطبقة الثانية، بانتشار منشور لها انتقدت فيه انقطاع الكهرباء، وحاجة المتزوجين إلى الاستحمام، أما العزّاب فيستطيعون الصبر، فطربَ الشعب، وأمل في انشقاقها عن النظام، ومنحتها تلك التعليقات مجدًا ليومين، فأتبعته بمنشور نقدت فيه وزارة النفط السورية، بقولها إنها تنوي بيع سيارتها وشراء عربة يجرها حمار. أما انتقادات أبو عصام (عباس النوري) من الطبقة الأولى، فهي كثيرة، وبات محترفًا مثل توفيق عكاشة، فقد غدا عكاشة إمامًا في فنه، وصاحب طريقة ومدرسة لها أتباع في سوريا، وهو أشهر إعلامي كوميدي سياسي في مصر. ولا يزال يظهر إبان الملمّات والخطوب الكبيرة يخذل فيها عن النظام، وكانت له قناة بساعات بثِّ معدودة اسمها الفراعين، ليس فيها سوى مذيعة واحدة، يحاروها وتحاوره ويخاصمها وتخاصمه، وله طريقة في الخطاب طريفة وشهيرة، اشتهرت أكثر من إفيهيات الزعيم عادل إمام، وقد تزوج مذيعة قناته الوحيدة لاحقًا على طريقة الحكايات السعيدة، وأغلقت القناة بعد انقطاع المدد عنها أو انتهاء الحاجة إليها، لكن عكاشة لا يزال يظهر بين الفينة والأخرى، يخذِّل عن النظام المصري، إما بنقده، وإما بالدفاع عنه.

نعود إلى "أبو عصام"  النوري وتعليقاته الجريئة التي تجاوزت انتقاد الوزارات إلى السياسة العامة، فهو حلاق باب الحارة وطبيبها المداوي، وليس مثل شكران مرتجى، ولا أم زكي التي توسلت الرحمة ضد الفساد في لقاء إذاعي، فقد انتقد السياسة العامة في لقاء إذاعي أيضا، فكل الانتقادات سماعية من عهد الراديو، وأبدى حسدًا للفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال في مناطق السلطة الفلسطينية، بل إنه انتقد شقيق الرئيس ونائبه، مذكّرًا بنهبه محتويات البنك المركزي، فثارت ثائرة الموالين والأقربين، واضطّروه إلى التنصّل من تصريحاته والاعتذار عنها.

المسلسل الذي تحوّل إلى سلسلة ومواسم، اضطر أم زكي الدّاية إلى الشكوى، وقالت في لقاء إذاعي أيضًا إنها رأت رجلًا يبيع ابنه الصغير من غير إحضار شاهدين عدلين

أما سبب اعتبارنا حلاق باب الحارة من الطبقة الأولى، فلأنه يمثّل في أدوار البطولة، ولأنه حلاق وطبيب شعبي، أنقذ أبو غالب من الموت، وعفا عن غدراته عند المقدرة، ولأنه كبر كثيرًا بعد مسلسل باب الحارة، حتى غدا بطلًا قوميًا، ومؤرخا يصوب التاريخ، ويكشف عثرات صلاح الدين الأيوبي، ويعتبره بطلا ورقيا، أو خائنا، وأغلب الأبطال المعارضين هم من باب الحارة، المسلسل الذي تحوّل إلى سلسلة ومواسم، اضطر أم زكي الدّاية إلى الشكوى، وقالت في لقاء إذاعي أيضًا إنها رأت رجلًا يبيع ابنه الصغير من غير إحضار شاهدين عدلين.

وظهر ممثل اسمه وضاح حلوم يتوّسل الرئيس نفسه في البحث عن حلّ. النجم الوحيد الذي يلمع في مجموعة الدب الأكبر هو بشار أبو إسماعيل، إنها ثورة ممثلين في العموم، قد ينضم إليها أحيانًا قائد شجاع عظيم، باسل، مثل سهيل النمر، وهو يضع خوذة، وأجهزة إضاءة ليلية فوق رأسه من أفلام الخيال العلمي، وينطق باللغة العربية الفصحى، قائد فوج الطراميح، ويهيب رفيق السلاح الطرماح، والأشتر، بالاستعداد للحرب، فننتقل إلى مسلسل من مسلسلات الفانتازيا التاريخية.

يمكن أن نختم فنقول: إن النظام المصري اقتدى بالنظام السوري في الإجراءات الأمنية الاقتصادية التي صدرت منذ عدة أيام، وإن النظام السوري يقتدي بإعلاميي النظام المصري أمثال عكاشة في الإعلام والإضحاك.