النضال ضد العنصرية

2022.09.08 | 06:29 دمشق

العنصرية
+A
حجم الخط
-A

لقد هزّت قصة فارس العلي الطفل الذي قتل على يد شبّان أتراك يسكن قلبهم الكراهية والعنصرية، قلوب كثير من السوريين، فهو اليتيم الذي قتل أبوه في أتون الحرب السوريّة، على يد نظام الأسد وعاش يتيماً في ملجأ للأيتام ترعاه هيئة الإغاثة التركية (IHH)، فنشأ وداخله حلم كبير بالتفوّق ونجح في الوصول إلى كلية الطب بعد حصوله على العلامات شبة الكاملة.

لكن قبل التحاقه بالجامعة، أنهت حياته الكراهية والعنصرية التي بدأت تخيفنا - نحن السوريين في تركيا - وبدأت تنتشر، بتبنّي حزب سياسي خطا عنصريا واضحا قائما على العداوة ضد السوريين هو حزب الجيد، الذي برّر الواقعة بوقاحة أكبر.

يجب تجنيد كثير من الجهود الآن لمكافحة العنصرية التي بدأت تنتشر في تركيا ضد السوريين وعلى الحزب الحاكم القيام بالمزيد لمنع هذا الخطاب من الانتشار وعلى رجال الأعمال دور كبير أيضاً في هذا الإطار، الملايين من المهاجرين السوريين والنازحين واللاجئين خرجوا من بيوتهم وتركوا ممتلكاتهم الخاصة التي تشكل حياتهم وعمرهم وكل شيء بنوه وفعلوه من سنوات وعقود، لبدء حياة جديدة ليس من الصفر وإنما تحت الصفر، حيث لا يمتلكون شيئا لكنهم خسروا عمرهم الذي لن يعوض وعليهم البدء من جديد مع عمرهم الجديد.

إنها حياة صعبة وشاقة بكل المعايير مهما اعتقد بعضهم أنها تفتح فرصاً للبعض، لكن هذه الفرص تبقى محدودة جداً بقدر وحجم المعاناة التي يعيشها اللاجئ في أرض غريبة عنه وناس لا يتحدثون لغته وسوق جديدة لا دخل له فيها ولا رأسمال كي ينافس داخل هذه السوق حيث سوق العمل الجديدة متخمة مسبقاً.

هذه هي الحياة التي فُرضت على السوريين في تركيا، لكنها تعد نموذجاً إيجابياً مقارنة مع بلدان أخرى مثل لبنان والأردن، لكن قصة النجاح هذه بدأت تدمرها قصص العنصرية المنتشرة في كثير من المدن التركية، إذ يشهد اللاجئون السوريون العنصرية بكل أنواعها أينما حلوا وارتحلوا شرقاً وغرباً، لم يكن مرحباً بهم، اللهم إلا بعض البلدان من مثل كندا وألمانيا التي لعب فيها ترودو وميركل دورا رئيسيا في الدفاع عن لواء حقوق اللاجئين والترحيب بهم للبدء في حياة جديدة.

العنصرية التي تملأ اليمين المتشدد في أوروبا، والذي شن حملة عنصرية ضد اللاجئين السوريين على مدى سنوات بل وبنى شعاره الانتخابي قائماً على مهاجمتهم وطردهم من بلد اللجوء. الآن بدأت تتسلل وبقوة إلى داخل السياسة والمجتمع التركي

فالعنصرية التي تملأ اليمين المتشدد في أوروبا، والذي شن حملة عنصرية ضد اللاجئين السوريين على مدى سنوات بل وبنى شعاره الانتخابي قائماً على مهاجمتهم وطردهم من بلد اللجوء. الآن بدأت تتسلل وبقوة إلى داخل السياسة والمجتمع التركي، دون أن يكون للحزب الحاكم دور في الحد من هذه الظاهرة المخيفة التي بدأ يسقط ناس أبرياء ضحاياها لم يكن لهم ذنب سوى وجودهم في طريق الخطأ أمام عنصرية قاتلة تدمر صاحبها بالحقد قبل أن تقتل كل شيء أمامها.

قصة فارس كما هي قصة الكثيرين من اللاجئين السوريين من قبله الذين عانوا من خطاب الكراهية والعنف فقط لأنهم ينتمون إلى هذا البلد المنكوب الذي اسمه سوريا، فالانتساب له تهمة وحمل جوازه يحمل معه كثيرا من المشكلات، والتخلص من لاحته مسألة مستحيلة ولذلك سيحمل وزر الانتماء إلى هذا الوطن مدى الحياة، حيث لا حكومة تدافع عنه ولا بلد يمكن أن يلجأ إليه، إنهم بحق "المستضعفون في الأرض" حيث لا بلد يؤويهم ولا وطن يحميهم، وكل الفئات المستضعفة تكون عرضة للاتهام والتخوين وأكثر قابلية 1والكسر والهجوم والقتل والتدمير.

هذا ما يفرض علينا بناء جبهة واسعة ضد العنصرية بكل أشكالها للوقوف في وجه هذه الحملات الظالمة التي يروح ضحيتها أفضل أبنائنا كفارس وغيره، هذا أفضل شيء يمكن أن نقوم به من أجل الحفاظ على ذكرى فارس وتخليد حياته التي لم تطل.