الناخب التركي قد يصدم الجميع!

2023.05.07 | 06:38 دمشق

الناخب التركي قد يصدم الجميع!
+A
حجم الخط
-A

تبدأ عملية الاقتراع للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا، صباح الأحد المقبل. حول المعركة البرلمانية سيتم تقاسم المقاعد حسب النسب التي تعلنها الصناديق مصحوبة بشرط تجاوز نسبة 7 بالمئة من الأصوات لمن هم خارج التحالفات الحزبية. شبه إجماع على أن تحالف المعارضة بالتنسيق مع حزب الشعوب الديمقراطية ستكون له الأغلبية البرلمانية، لكنها ستكون أغلبية ضعيفة لا تمنحه تعديل الدستور أو حتى الذهاب إلى استفتاء شعبي . المنافسة الحقيقية ستكون في الانتخابات الرئاسية. ففي حال عدم تمكن أحد المرشحين الأربعة لمعركة الرئاسة من الحصول على نسبة 50 +1، من مجموع الأصوات في الجولة الأولى ستكون هناك مواجهة الإعادة بين المتنافسين اللذين حصلا على أكثر نسبة من الأصوات في 28 أيار المقبل. المعني هنا هو الرئيس رجب طيب أردوغان مرشح تحالف الجمهور وكمال كيلتشدار أوغلو مرشح تحالف الأمة والمدعوم من قبل حزب الشعوب الديمقراطية صاحب النفوذ الشعبي الأوسع في مناطق جنوب شرق تركيا.

خصوصية الانتخابات هذه المرة تتقدمها المنافسة الحزبية والقيادية ولكن تحت عنوان التحالفات الواسعة ومطلب التمسك بالنظام الرئاسي كما يريد تحالف الجمهور، أو العودة إلى النظام البرلماني كما تريد قوى المعارضة. لكن بين خصوصياتها أيضا وجود شريحة الشباب التي تريد أن تكون كتلة انتخابية ثالثة حيث يصل عددها إلى نحو 13 مليون ناخب تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاما ويشكلون نسبة 18 بالمئة من مجموع الأصوات، تبحث عن فرصة تسجيل اختراق انتخابي بين لعبة توازنات الناخب التقليدي اليميني المحافظ واليساري الأتاتوركي.

إذا لم تحدث مفاجأة آخر لحظة وقرر محرم إينجة الانسحاب من المعركة الرئاسية مساء الجمعة المقبل لصالح كمال كليتشدار أوغلو بعدما تأكد له أن شعبيته تراجعت في الأسابيع الأخيرة، وأنه سيدفع ثمنا سياسيا باهظا وهو يغضب شركاء الأمس اليساريين والعلمانيين والأتاتوركيين في حزب الشعب الجمهوري.

وإذا لم يقرر سنان أوغان أن تمسكه بالمضي وراء معركة خاسرة لن يعطيه فرصة كسب القواعد القومية واليمينية المحافظة وسط كل هذه الأجواء المشحونة، وأن عليه التخلي عن المنافسة لصالح رجب طيب أردوغان.

وإذا بقيت أصوات حزب "إيي" الذي تقوده ميرال أكشينار (على حالها وفي تراجع) مخيبة آمال تكتل المعارضة في وصولها إلى الأرقام التي حصلت عليها قبل 5 سنوات بنسبة 10 بالمئة تحت سقف البرلمان أو 12 بالمئة في المعركة الرئاسية.

وإذا لم تلتزم قواعد حزب الشعوب الديمقراطية التي تحظى بنسبة 10 بالمئة من الأصوات بقرار قياداتها بدعم كليتشدار أوغلو وتبعثرت أصواتها في المعركة الرئاسية.

وإذا عجز أحد الطرفين في استمالة أصوات الممتنعين والمترددين والتي تصل إلى نحو 5 بالمئة وهي عادة لا تحسم قرارها سوى في اليومين الأخيرين.

نتيجة الجولة الثانية كما يبدو ستكون لصالح أردوغان بفارق 3 نقاط على أقل تقدير

وإذا ما احتسبنا نسبة الأخطاء الفنية وأصوات المرشحين الآخرين محرم إينجة وسنان أوغان وما أعلن حول متوسط 12 استطلاع رأي أجريت في شهر نيسان المنصرم تحدثت عن احتمال تقدم كليتشدار أوغلو على أردوغان بفارق أقل من نقطة من مجموع الأصوات.

(إذا كان ما سبق)فإن عدم حسم النتائج من الجولة الأولى قد يتحقق ونذهب مجددا إلى صناديق الاقتراع صباح 28 أيار المقبل للتصويت لأحد المرشحين أردوغان أو كليتشدار أوغلو.

نتيجة الجولة الثانية كما يبدو ستكون لصالح أردوغان بفارق 3 نقاط على أقل تقدير. فلماذا سترتفع أسهم أردوغان في الجولة الثانية؟

لأن المعارضة داخل المعارضة ما زالت قائمة خصوصا في صفوف أنصار محرم إينجة المعارضين لقرار ترشيح كليتشدار أوغلو منذ البداية ولرفض الأخير التنسيق مع إينجة ودعوته للمشاركة في الطاولة السداسية.

ولأن الناخب الداعم لإينجة قد يمتنع عن الذهاب إلى الصناديق في الجولة الثانية تحت ذريعة أن من دعمه في الجولة الأولى لم يفز. وهو ما قد لا يحصل بالنسبة لأنصار أوغان لأن غالبيتهم من اليمين المحافظ والقومي الذي لن يتردد في دعم أردوغان طالما أن المواجهة هي مع حزب الشعوب الذي يقف إلى جانب كليتشدار أوغلو ويعول عليه ليعطيه تنازلات سياسية مقلقة ومنفتحة على أكثر من احتمال.

ولأن نتائج الانتخابات البرلمانية ستكون قد حسمت وعرف كل حزب حصته تحت سقف مجلس النواب، ولم يعد هناك ما يلزم أنصار حزب ميرال أكشينار بدعم كليتشدار أوغلو، كما حصل في الانتخابات البرلمانية وشرط الوقوف وراء اللوائح المشتركة للحزبين. قواعد حزب "إيي" حتى ولو لم تصوت لأردوغان فهي قد تترك كليتشدار أوغلو وحيدا بسبب انفتاحه السياسي الواسع على حزب الشعوب الديمقراطية.

ولأن الناخب الداعم لتكتل المعارضة قد يرى ضرورة في وجود أردوغان على رأس الدولة حتى ولو لم يدعمه في الجولة الأولى. فاحتمال الذهاب وراء سيناريو توازن السلطات وتقاسم الأدوار وشراكة "الأخوة الأعداء" قد يكون مطلب الناخب في جولة الإعادة خصوصا إذا ما فازت المعارضة في الأغلبية البرلمانية. وهنا ستعلن الصناديق أنها تريد أن ترى "التعايش الحزبي والسياسي" بين التكتلين لأن مصلحة البلاد تتطلب هذا التنسيق والتفاهم.

وبهذا يكون الناخب التركي قد حسم قراره على مرحلتين: الأولى مع الانتخابات البرلمانية في 14 أيار لصالح المعارضة. والثانية في معركة الإياب الرئاسية في 28 أيار لصالح أردوغان. الناخب بهذا الشكل يكون قد أجبر الطرفين على التقارب بعيدا عن الاصطفافات الحزبية والسياسية التي يرى أنها ستنعكس سلبا على مصالح البلاد إذا ما بقيت الأمور كما هي اليوم أولا. ثم يكون بذلك قد فتح الطريق أمام تعديلات دستورية مشتركة باتجاه مراجعة نواقص ومشكلات بنية النظام الرئاسي ثانيا، وألزم المعارضة بتقديم تنازلات تحول دون العودة إلى أخطاء ومشكلات النظام البرلماني قبل العام 2002 ثالثا.

الاعتراض على قرار الناخب كما رسم هو الخطة، ومحاولة "التمرد" عبر رفض هذا الخيار والذهاب وراء تأزيم الوضع السياسي والدعوة لانتخابات مبكرة خلال فترة زمنية قصيرة، سيحمل الطرف المسؤول عن ذلك الثمن الباهظ. على الداخل التركي أن يتريث لعامين على الأقل قبل الحديث عن انتخابات سابقة لموعدها. فالناخب يريد أن يرى تنسيقا رئاسيا وبرلمانيا واسعا لإخراج البلاد من أزماتها ولاختبار حالة سياسية حزبية في إطار هدنة تواكبها تفاهمات على الكثير من التغييرات والتعديلات الدستورية والإصلاحية في ملفات اقتصادية واجتماعية وحقوقية.

عشرات الانتخابات جرت في تركيا واكبها الكثير من الرفض والانتقاد، لكنها انتهت بالخضوع لقرار الصناديق في النهاية

يشبه الناخب التركي على ضوء التجارب والحالات السابقة وإلى حد بعيد أنصار الفرق الرياضية. لا يعترفون سوى بمن يشجعون ويدعمون، وعند الخسارة يبحثون عن الأعذار والتبريرات بين تحميل المسؤولية للحكم ولساحة اللعب وللعارضة أحيانا. يخرجون من أجواء المباريات وبعد ساعات وأيام قليلة تهدأ الأمور ويتقبلون النتيجة ويبدؤون الاستعداد للمباريات المقبلة. عشرات الانتخابات جرت في تركيا واكبها الكثير من الرفض والانتقاد، لكنها انتهت بالخضوع لقرار الصناديق في النهاية. هذه المرة أيضا ورغم كل أجواء الشحن والتعبئة والتصعيد السياسي والإعلامي والاصطفافات الحزبية، سيرضخ الجميع لما تعلنه الهيئة العليا للانتخابات من أرقام رسمية بعد انتهاء عمليات الطعن والاعتراض. غير ذلك سيعني الخروج عن قرار الإرادة الشعبية وعدم احترام رغبة الأغلبية وتعكير الأجواء، وهو ما لن يغامر أي من الطرفين باللجوء إليه لأن ارتدادات ذلك ستكون مكلفة.