الموقف الإيراني المتناقض بين البعث العراقي والسوري

2020.12.03 | 23:27 دمشق

sdam_whafz.png
+A
حجم الخط
-A

تعرف الأنظمة الإيديولوجية بأنها ذات مواقف ثابتة دون النظر إلى الأشخاص الذين يحملونها لأنها تتعامل مع الأفكار، وهذه الأفكار ينبغي أن تكون واضحة وغير متقلبة، وهذا الأمر لا خلاف عليه في العلوم الشرعية والسياسية والعقلية وحتى الإنسانية.

ومع نجاح ما تسمى الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979 ظهرت، ومنذ الأيام الأول، بوادر العداء الإيراني لحزب البعث العربي الاشتراكي في العراق وقد تنامى الأمر سريعاً، ونشبت بينهما حرب ضروس امتدت لثمان سنوات!

وذكر الموقع الرسمي لـ (روح الله الموسوي الخميني) حول ما قاله ( الإمام الخميني في الأسبوع الأول من الحرب المفروضة على إيران)، أي، يوم (24 أيلول 1980م) حيث وجه نداءً، مخاطباً فيه الجيش والشعب العراقي، للانتفاضة الشاملة ضد النظام البعثي في العراق:

‏" أيها الشعب العراقي المسلم المجاهد الشريف، أيتها القوات المسلحة العراقية المسلمة، ضباطاً، وجنوداً، أيها العمال والموظفون، لقد شاهدتم بأمّ أعينكم، وما زلتم تشاهدون، ما يرتكبه حزب البعث الكافر من جرائم وفظائع وخيانات، وذقتم مرارة هذه الحكومة البعثية الكافرة، وتعلمون أن صدام حسين وعصابته أتباع ميشيل عفلق الملحد، وأزلام الصهيونية والإمبريالية، وبأمرٍ من ساداتهم مصاصي دماء الشعوب، قد هاجموا إيران وشعبها المسلم، وراحوا يرتكبون القتل بلا رحمة في إخوانكم الإيرانيين المسلمين.

وأنكم تعلمون، أنّ هذه الحرب بين بعثيّي العراق وإيران، هي حرب بين الكفر والإسلام، بين القرآن والإلحاد، لذا، ويجب عليكم وعلى جميع مسلمي العالم، أن ينهضوا للذود عن الإسلام، والقرآن العزيز، وللقضاء على هؤلاء الخونة، وتطهير الأرض منهم").

وختم الخميني كلامه بالقول: " وعلى الشعب العراقي الامتناع عن دفع الضرائب ورسوم الماء والكهرباء لهذه الحكومة الكافرة، لأن في ذلك عوناً لحكومة كافرة غير شرعية هي في حال حرب مع الإسلام، والقيام بتظاهرات ومسيرات مليونية، يُعلن فيها عن رفضه وإدانته للأعمال الإجرامية التي يمارسها هذا النظام الجائر"!

وأمام حالة (التكفير) الإيراني لحزب البعث العربي الاشتراكي العراقي نجد أن الأمر مختلف تماماً مع حزب البعث السوري، وكانت هنالك العديد من المواقف الإيرانية الداعمة لسوريا، أو السورية المؤيدة لإيران.

وقد كانت العلاقة الإيرانية مع سوريا علنية، وصريحة في الوقت ذاته الذي تشن فيه حرباً ضد العراق البعثي (الكافر)!

وبالمقابل وقف النظام السوري موقفاً غريباً بالوقوف مع إيران في حربها ضد العراق، ودعمها بالصواريخ والخبرات العسكرية، وفي العام 1990 زار رئيس النظام السوري حافظ الأسد طهران.

أما رئيس النظام السوري الحالي بشار الأسد فقط زار إيران أكثر من خمس مرات بصورة علنية، وكانت في السنوات (2001، 2007، 2008، 2010، في العام 2019 بعد الثورة السورية).

وبعد الثورة الشعبية السورية في العام 2011 ضد نظام الأسد كانت إيران هي الدرع الحصين للنظام السوري، وربما هنالك من يتساءل لماذا هذا الموقف الإيراني المتناقض من كلا الحزبين في بغداد ودمشق، مع العلم أنهما من المدرسة الفكرية والإيديولوجية ذاتها؟

وهذا السؤال كبير جداً، وسنحاول مناقشته كما يلي:

  1. إن الخلاف بين حزبي البعث العراقي والسوري هو خلاف شخصي مصلحي، ألبس ثياباً سياسية، وبالتالي الفكر البعثي واحد في كلا البلدين والحزبين، ومن الغريب التفريق بينهما فكرياً وعقائدياً!
  2. بناءً على ما تقدم في النقطة السابقة: هل البعث السوري يختلف عن البعث العراقي في نظر القيادة الإيرانية، ومن أين جاؤوا بهذا التفريق بين الحزبين، وما هي معايير هذا التمييز بينهما؟
  3. هل التنسيق السوري الإيراني يؤكد هشاشة، أو زيف الشعارات القومية التي يطرحها حزب البعث السوري بدليل وقوفه مع إيران ضد العراق في حرب الثمان سنوات، أم أن للحزب السوري غايات أخرى غير معلنة؟
  4. هل حاول النظام السوري بوقوفه مع إيران في حربها ضد العراق أن ينتقم من البعث العراقي بأموال وأسلحة إيرانية، حتى يتخلص من منافسه التقليدي والاستراتيجي في الفكر والقوة في المنطقة، وبدليل آخر وقوف الجيش السوري في حرب الخليج الثانية مع القوات الأميركية والأوروبية في حرب احتلال العراق، وهذا موقف يضرب كل الشعارات القومية للحزب السوري ولآل الأسد ويؤكد محاولتهم للتخلص من حزب البعث العراقي، وبالتحديد من الرئيس العراقي صدام حسين؟
  5. مقابل دعم إيران لواشنطن في احتلال العراق نجد أنها نجحت عبر أجنحتها الحاكمة في العراق باجتثاث حزب البعث العراقي من الدولة، وقد ذكر قانون حظر حزب البعث في المادة -3- يهدف هذا القانون إلى:"منع عودة حزب البعث تحت أي مسمى إلى السلطة أو الحياة السياسية ومنع قياداته ورموزه من تشكيل حزب وأي ممارسة أو نشاط سياسي وعدم السماح له في أن يكون ضمن التعددية السياسية والحزبية في العراق. المادة-5- يشمل الحظر المفروض على حزب البعث وأفراده بموجب هذا القانون الأعمال الآتية:

أولاً- الانتماء إلى حزب البعث وتحت أي مسمى كان.

ثانياً- إجبار أو تهديد أو كسب أي شخص للانتماء إلى حزب البعث.

ثالثاً- القيام بأي نشاط سياسي، أو فكري من شأنه التشجيع، أو الترويج، أو التمجيد لفكر حزب البعث، أو التشجيع على الانتماء إليه".

وبهذا تكون إيران قد حاصرت البعث العراقي قانونياً!

  1. السؤال المهم هنا، والذي يقود لإجابة مهمة عن أسباب العداء بين إيران والبعث العراقي: هل التحالف بين إيران وسوريا هو تحالف ديني مذهبي، عقائدي، وبالذات مع رئيس النظام السوري، دون النظر إلى فكر الحزب (الكافر في نظر إمام الثورة الإيرانية، الخميني)؟

أعتقد أن قضية التنسيق والتلاحم السوري الإيراني هي مخططات سياسية، ومصالح متبادلة ألبست ثياباً دينية وإيديولوجية، وإلا لا يمكن لعاقل أن يبرر هذا الاختلاف في الموقف الإيراني المتناقض من الحزبين في سوريا والعراق، أو الموقف السوري الداعم لإيران والمعادي لحزب البعث العراق، وهو تحالف يتناقض مع شعارات الثورة الإيرانية بالنسبة لإيران، ويتناقض مع شعارات الحزب بالنسبة للنظام السوري!

أخيراً: ستبقى قضية التلاحم الإيراني السوري وكذلك العداء الإيراني للعراق من أكثر القضايا المتناقضة في السياسات الإيرانية والسورية على حد سواء، والتي تؤكد أن الشعارات المرفوعة ليس بالضرورة يجب تطبيقها، بل، ربما، هي للاستهلاك المحلي وخداع الجماهير!