الملف السوري قيد الانتظار إلا إذا..

2022.10.25 | 06:31 دمشق

الامبريالية
+A
حجم الخط
-A

بالتأكيد تحتل الحرب الدائرة في أوكرانيا صدارة الاهتمام الدولي، فهي ليست معركة أوكرانيا وروسيا فقط، وليست معركة روسيا وأوروبا فقط.. إنها معركة العالم التي ستحدد نتائجها صيغة جديدة للنظام العالمي، وعليه، فإنها تستحق بحق أن تسمى معركة النظام العالمي الجديد.

خلال الأشهر التي انصرمت من عمر هذا الحرب انقلب العالم كلّه، وما كان يملأ الدنيا ويشغل الناس تراجع حتى أصبح بالكاد حاضراً في يومياتهم، ليس هذا فحسب، بل إن ما يطفو على السطح هو الآخر، لم يكن في حسبان أحد، فها هي أوروبا تتخبط، ويجتاحها التضخم والركود وارتفاع الأسعار، وتعيش في رعب شتاء بارد، وها هو الرئيس الفرنسي يرفع صوته متهماً أمريكا بلعب دور التاجر المستغل والجشع في بيعها للغاز، ثم متهما ألمانيا بالأنانية والبحث عن حل منفرد لها خارج السرب الأوروبي، وها هي السويد تغادر حيادها الطويل لتصبح عضواً في الناتو، وها هي السعودية تتمرد على الوصاية الأميركية، وتتبعها الإمارات، وها هي فيينا التي كانت مركز الاهتمام بانتظار توقيع الاتفاق النووي الإيراني، تكاد تطفئ أنوار قاعة الاجتماع إلى أجل غير مسمى.

خلال الأشهر التي انصرمت من عمر هذا الحرب انقلب العالم كلّه، وما كان يملأ الدنيا ويشغل الناس تراجع حتى أصبح بالكاد حاضراً في يومياتهم، ليس هذا فحسب، بل إن ما يطفو على السطح هو الآخر، لم يكن في حسبان أحد

في كل هذه الفوضى العارمة التي تجتاح العالم، وعلى ضوء كل الاحتمالات المفتوحة بلا حدود، وفي ظل الرعب العالمي من احتمال حرب نووية، كيف سيكون حضور الصراع السوري على طاولة الكبار، ومن سيهتم بصراع ما يزال مستمراً منذ أكثر من عقد، وتعقدت شروطه، وتداخلت مصالح أطرافه، وأصبح مجرد حلقة ضعيفة في حلقات أكبر بكثير، وأكثر أهمية، وأشد سخونة.

ليس الجواب صعباً، لا سيما وأن كل ما ذُكر يشير إلى أنه من البديهي أن يتراجع الاهتمام بالملف السوري، وأن يوضع على الرف، كملفات كثيرة لصراعات متعددة في أنحاء هذا العالم، الذي يغلي من بابه إلى محرابه، وأن يستمر السوريون في انتظارهم المرّ والطويل، طالما أن من يتحدثون باسمهم ينفذون تعليمات الآخرين، ويسكتون على تجاهل ملف سوريا رغم كل فاجعتها، ويصبحون مجرد ندّابين في هذا الهولوكوست السوري الفظيع، ولا يفعلون سوى أن يتناقلوا أخبار السوريين المتعلقة بجوعهم، أو غرقهم في محاولاتهم للوصول إلى أماكن أخرى تمنحهم بعض الحياة، بعد أن أصبحت سوريا بلدا للموت، أو في أخبار الكوليرا التي تجتاحهم، أو شحنات المخدرات والكبتاغون التي تخرج من كل منافذ دولتهم، أو في الأخبار المهزلة التي يتناقلها الإعلام الرسمي لعائلة الأسد، والتي تنحصر في استقبال وفود حماس، والحشد الشعبي، وحزب الله وكل تلك التسميات الفضيحة.

كيف سيكون حضور الصراع السوري على طاولة الكبار، ومن سيهتم بصراع ما يزال مستمراً منذ أكثر من عقد، وتعقدت شروطه، وتداخلت مصالح أطرافه، وأصبح مجرد حلقة ضعيفة في حلقات أكبر بكثير، وأكثر أهمية، وأشد سخونة

أما في المعركة المحتدمة في العالم، فإن الحضور السوري يثير الغثيان، ففي الوقت الذي تحاول كل دول المنطقة أن تجد لها دوراً في معركة النظام العالمي الذي يتشكّل فإن حضور سوريا يقتصر على معارك الآخرين على أرضها، والقصف الإسرائيلي المتكرر حتى غدا مألوفاً، أو في اقتتال الإخوة الأعداء، والذي هو أيضاً غدا مألوفا، أو في مهزلة التبعية السياسية المذلّة لروسيا، فسوريا من الدول الخمسة فقط في العالم التي اعترفت بضم الأقاليم الأوكرانية الأربع إلى الاتحاد الروسي، وكانت سابقاً – وما تزال - من الدول القليلة في العالم التي كلّما أراد بوتين أن يفصّل دولة جديدة ليضيفها إلى قائمة تابعيه، سارعت للاعتراف بها، حتى قبل اعتراف إدارة بوتين ذاتها أحياناً، فهي من الدول الخمس أو الست في العالم التي اعترفت باستقلال «جمهورية» أوسيتيا الجنوبية، وهي أيضاً من الدول الخمس أو الست التي اعترفت بأبخازيا، التي اقتطعها بوتين بقوة السلاح من جيورجيا، وتبادلت السفارات معها، لا بل إن بشار الأسد قلّد رئيسها أعلى وسام في سوريا، وتم توقيع اتفاقيات "استراتيجية" معها، ولا بدّ من إشارة استفهام كبيرة حول معنى العلاقة الاسترتيجية مع دولة مسخ، يقل عدد سكانها عن ثلث عدد سكان اللاذقية، ويقبض موظفوها رواتبهم من موسكو، ولا تشتهر بشيء، سوى أنها تزرع الدخان!!

باختصار، لا يمكن أن يحظى الملف السوري في الوضع العالمي الراهن على اهتمام يستجيب للحد الأدنى من حاجة السوريين للخروج من النفق المؤلم، والذي يعيشون فيه منذ زمن طويل، والذي يهدّد وجودهم، ووجود وطنهم، إن استمر طويلاً على هذا النحو، وإذا كان العالم مشغولاً بقضّه وقضيضه، في الأزمات الكبرى التي تنفجر هنا وهناك، بعد الحرب الروسية الأوكرانية، فلماذا يقبل السوريون أن يموتوا هكذا بكل هذا الإهمال والصمت، ولماذا يقبلون أن يكون الحل الوحيد أمامهم هو الانتظار..؟

باختصار، لا يمكن أن يحظى الملف السوري في الوضع العالمي الراهن على اهتمام يستجيب للحد الأدنى من حاجة السوريين للخروج من النفق المؤلم، والذي يعيشون فيه منذ زمن طويل، والذي يهدّد وجودهم، ووجود وطنهم، إن استمر طويلاً على هذا النحو

من زرع في عقول السوريين أنهم عاجزون عن أي فعل، وأنهم مجرد عبيد ينتظرون ما يقرره الآخرون، وأن عصابة هنا أو هناك يمكن لها أن تحتكر تمثيلهم، وأن تقرر متى وكيف تبيعهم وتشتري بهم؟؟!!

ليس للسوريين إلا طريق واحد أمامهم، وهو أن يعيدوا فرض حضور قضيتهم على الجميع، وإذا كان الآخرون منشغلين بهمومهم وملفاتهم، ولا يأبهون لهذه المأساة السورية، فلماذا لا يحاول السوريون أن يكونوا أصحاب الأمر، طالما أن الأرض أرضهم، والقضية قضيتهم، وأنهم هم من يموت ويجوع ويدفع الثمن كاملاً، فلماذا لا يحاولون أن يجدوا طريقهم بأنفسهم؟؟!!

قد يبدو هذا الرأي ضرباً من ضروب الخيال، لكن من هو الذي اشتغل على ممكناته أولاً كي يقرر استحالته؟ وهل هناك أي أمل لهم في انتظار قد يمتد لسنوات طويلة وسيكون ثمنه باهظاً،  وهل بخلت سنوات محنة السوريين عليهم بدرسها الذي كرّرته مراراً، أن الارتهان للآخرين لن يجلب إلا الدمار وضياع الوطن؟

ليس هناك حل آخر، لا بدّ للسوريين من كسر حلقة يأسهم، والتخلي عن عجزهم، وعن وهم الرهان على الآخرين، وأن يبدؤوا طريق خلاصهم بأيديهم، وإن كان للسوريين الذين خرجوا من سوريا، وتشردوا في أصقاع العالم، بعض من أمل في شتاتهم الجديد، فما الذي تبقى للسوريين في الداخل؟!

ليس هناك حل آخر، لا بدّ للسوريين من كسر حلقة يأسهم، والتخلي عن عجزهم، وعن وهم الرهان على الآخرين، وأن يبدؤوا طريق خلاصهم بأيديهم

خلاص سوريا يبدأ من داخل سوريا، وإذا ما قرر الداخل السوري أن يرفض واقعه المرّ، فإن حسابات كثيرة سيُعاد النظر فيها، سواء من الأطراف الدولية، أو من السوريين اليائسين في الداخل والخارج، وسوف يستعيد السوريون كلهم زخم حلمهم أينما كانوا.

لقد قدمت السنوات العشر الأخيرة الكثير للسوريين، فهي فضحت حقيقة السلطة التي تحكمهم، وفضحت من تزّعموا المقلب الآخر ضد هذه السلطة، وفضحت أمراء الحرب على جانبيها، وعلمتهم أين أخطأت الثورة، وكيف لعبت الأطراف الدولية بهم وبمصيرهم، وعلمتهم كيف يرتبون الأولويات، والأهم من كل هذا، أنها علمتهم أن سوريا لن تكون كما يريد السوريون، إن لم يكونوا هم من يقرّر فيها، وليس الآخرين.