المعارضة السورية واللقاءات الدولية

2021.06.22 | 06:26 دمشق

h_56967450.jpg
+A
حجم الخط
-A

ليس من المستغرب أن يكون العنوان بهذا الشكل غير المنطقي لدى القارئ، لأن اللقاءات الدولية هي التي تجري والسوريون بما فيهم المعارضة يتأثرون بها، ولكن انطلاقا من ما يهمنا كسوريين من هذه اللقاءات، فإن المركز والهدف دائما هم السوريون ومعاناتهم، ولذلك فإن العنوان هو الهم السوري وكيف يمكن التأثير على الرأي العام الدولي واستغلال الفرص السانحة في اللقاءات الدولية التي جرت وتجري ويمكن أن تجري مستقبلا، للاستمرار في الدفع بالقضية السورية وحقوق السوريين في مختلف المحافل الدولية لتشكيل رأي عام داعم وضاغط، ويجب الاستئناس بالجهود السابقة للجهات المختلفة حول العالم، والتي عملت على تشكيل لوبيات مؤثرة في هكذا اجتماعات، من أجل انتزاع بعض المكتسبات.

ولا يحتاج ذلك لأمثلة لأن منطقتنا حافلة بالجهات التي تبنت قضايا محددة، وعملت عليها وعلى حشد الرأي العام الدولي، فباتت لاعبا مؤثرا نتيجة الدفع المعلوم من قبلهم في مختلف المحافل المحلية والإقليمية والدولية.

لم يتحول الاعتراف السياسي إلى اعتراف قانوني حقوقي، وهذا بالطبع مرده لمصالح هذه الدول وتوازناتها الإقليمية والدولية

وقد يجد البعض أن المواقف الدولية تجاه المعارضة السورية واضحة جدا وجاءت في أكثر من مناسبة، وأن المعارضة عملت جهدها خلال السنوات السابقة من أجل اكتساب الشرعية اللازمة لها، وقدمت جميع البدائل والتطمينات لكل الدول التي لديها تحفظات محددة، سواء فيما يتعلق بالإيديولوجيات، أو تلك المرتبطة بالحقوق والحريات، وحفظ حياة الأقليات الدينية والعرقية، والتعهد بتأسيس دولة قانون شفافة ديمقراطية، وكل هذا كان على مدار سنوات جهدا حقيقا مقدما من المعارضة، ولكن حتى الآن لم يحصل ذلك الخرق الكبير في التأثير، رغم الدعم السياسي المقدم لها من قبل العواصم الغربية وكثير من العواصم العربية، ولم يتحول الاعتراف السياسي إلى اعتراف قانوني حقوقي، وهذا بالطبع مرده لمصالح هذه الدول وتوازناتها الإقليمية والدولية، ولكن حتى الآن لا تزال هذه الدول تعمل وفق مصالحها وهذا يعني أن الاهتمام بالملف السوري لا يزال حاضرا، ويجب ألا تتوقف هذه الجهود عن الاستمرار.

ويرافق الوضع القائم حاليا محاولات من بعض الدول غير المؤثرة طرح موضوع إعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام، سواء كانت دول عربية أو غيرها، وهذه الجهود يحاول النظام استغلالها بدعم من الدول المؤيدة له من أجل إعادة اكتساب الشرعية المفقودة منذ انطلاق الثورة السورية، وتسويق هذه المحاولات للتأثير على دول أخرى من أجل تغيير مواقفها من النظام، وكذلك تظهر بين الفترة والأخرى أصوات في بعض دول اللجوء السوري تطالب بإعادة السوريين اللاجئين وخاصة لما تعتبرها مناطق آمنة حاليا، بعد إتمام الانتخابات الهزلية الشهر الماضي، فضلا عن جهود بعض الدول لدعم الانفصاليين لتقسيم البلاد، وسرقة الثروات والنفط، وكل هذا يرتب على المعارضة مواصلة جهودها للتواصل مع مختلف دول العالم، من أجل قطع الطرق أمام هذه المحاولات والجهود، والتذكير دوما بحقيقة ما جرى من مأساة إنسانية تسببت بها صواريخ وطائرات وبراميل ودبابات النظام، وكيف ارتكبت قواته مجازر بحق الأطفال والنساء والشيوخ، وكيف استخدمت الأسلحة المحرمة دوليا وأهمها السلاح الكيمياوي، وكيف دمرت الصواريخ المرافق الحيوية والبيوت والبنية التحتية في المدن السورية، وكيف فعلت ذلك والمدنيون داخل هذه الأبنية، فضلا عن تعاون النظام مع العناصر الإرهابية سواء العناصر الراديكالية أو ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية.

على المعارضة أن تكون دائما مستعدة بملفاتها المحدثة وبأرقامها وبياناتها ووثائقها المثبتة بالصوت والصورة، من أجل إجراء اتصالاتها وحملاتها ضمن هذه اللقاءات الدولية، ويمكن للمعارضة أن تستغل تلاقي المصالح ولو بجزئيات قليلة مع هذه الدول الداعمة، فعلى سبيل المثال الدول الأوروبية تهتم دائما بالتهدئة بسوريا نتيجة خشيتها من موجات نزوح جديدة جراء هجمات النظام، وهذا الهم الأساسي لها، وفيما لا تزال تهديدات النظام مستمرة باتجاه إدلب، والتصعيد شبه يومي يستهدف البساتين والقرى والبيوت والمدنيين، يمكن استغلال هذه الفرص الناشئة عن المؤتمرات الدولية للتذكير والحديث بالمأساة التي تسببت بالنزوح السوري وموجات الهجرة، وما تبع ذلك من معاناة للسوريين وآلام كبيرة، قادتهم لركوب أمواج البحر وصولا إلى بر الأمان، حيث تستمر هذه الحالة منذ سنوات، وتوقع استمرارها في حال لم يتم التوصل لاتفاق نهائي في سوريا، يضمن حقوق المدنيين وحياتهم وأمنهم، ولذلك وعبر هذا المثال يمكن استغلال الجزئيات التي يمكن التلاقي فيها بالمصالح، ويمكن استغلال أيضا الحلفاء الذين تتلاقى مصالح السوريين معهم بشكل أكبر كالحليف التركي الذي لديه أكبر نقاط التلاقي مع السوريين، ويعمل بالفعل لترسيخ وقف إطلاق النار وضمان العودة الآمنة والطوعية للاجئين وتحقيق الانتقال السياسي ومنع مزيد من التقدم للنظام على الأرض، ويسعى للحفاظ على وحدة البلاد أمام محاولات التقسيم والانفصال.

تشكل الاجتماعات التي جرت وتجري وستجري فرصا مهمة للمعارضة من أجل العمل عليها لإحياء الملف السوري وحقيقة ما جرى خلال السنوات العشر الأخيرة

ومن المؤكد أن هناك ضرورات على المعارضة للتذكير الدائم بتنفيذ القرارات الدولية وإنجاز الحل السياسي الذي يتطلب مشاركة من النظام وتنازلات منه، لتشكيل حكم انتقالي وإعداد دستور جديد وتهيئة أجواء الانتخابات الشفافة والعدالة والانتقالية، والمعارضة تحاول الحديث عن ذلك في مؤتمراتها الصحفية وحواراتها وبياناتها وخاصة الائتلاف السوري، وهيئة التفاوض، ولكن هذا الحوار المحصور بالعملية السياسية، رغم الحصر الدولي والغربي له، هل يكفي من أجل الاستمرار بنقل حقائق ما يجري على الأرض؟ الدبلوماسية الغربية دائما تشهد تبدلا في الأسماء والمناصب، ولهذا يجب العمل على تشكيل اللوبي المناسب للتواصل الدائم على أعلى المستويات مع الدبلوماسية الغربية، لتكون المأساة السورية حاضرة، لأنه من المعلوم أن النظام لا يجنح للحل السياسي ولا تبدو عليه النية أبدا وهو يعلن ذلك وغير مستعد لا لتشكيل حكم انتقالي ولا لكتابة دستور جديد، وبالتالي لا يجب على المعارضة أن تبقى مكتوفة الأيدي وتكتفي بالحديث عن ضرورات الضغط على النظام من أجل الانصياع للقرارات الدولية والعودة لطاولة المفاوضات وإنجاز الحل السياسي، يجب العمل بالفعل على آليات لإحداث هذا الضغط المطلوب على النظام، سواء على الصعيد الإعلامي أو الدبلوماسي، واستغلال هذه الفرص السانحة عبر حلفاء لا يزالون يفتحون الباب أمام المعارضة عربيا وإقليميا.

ومن هذا المنطلق، تشكل الاجتماعات التي جرت وتجري وستجري فرصا مهمة للمعارضة من أجل العمل عليها لإحياء الملف السوري وحقيقة ما جرى خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث كانت هناك قمة للناتو وقمة دولية بين قطبي العالم واجتماعات ضمت دول الإقليم الحليفة، وقمة أميركية أوروبية، وخلال الأيام المقبلة هناك قمة أوروبية وكلها أحداث مهمة تأتي بعد فترة الإغلاق العام التي يشهدها العالم منذ العام الماضي بسبب جائحة كورونا، فشكلت فرصة تطرح سؤالا مهماً عن ماذا قدمت المعارضة لهذه الاجتماعات من أوراق وملفات ومواد تدعم مواقف السوريين؟ وماذا أعدت للاجتماعات المقبلة؟ وهل في جعبتها مخططات حول تعزيز اللوبي السوري الذي يستهدف حقوق الشعب وتوفير الأمن لهم وتشكيل الرأي العام المناسب والدعم الكامل.

بالتأكيد لن تكون الاجتماعات التي جرت خلال الشهر الجاري نهاية العالم، وثمة اجتماعات مقبلة خاصة في أيلول/سبتمبر المقبل على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، وفي ظل تعافي العالم من وباء كورونا، ستوفر الاجتماعات المقبلة فرصة مناسبة مع توقع حضور عدد كبير من زعماء العالم لهذه الاجتماعات، كما أن الجانب التركي سيكون حاضرا، وهو الأكثر تفهما لمتطلبات وحاجات السوريين، ولهذا على المعارضة السورية إعداد العدة لهذه الاجتماعات مجددا وإكساب ملف التواصل الدولي مزيدا من الزخم، لتدعيم مواقفها وتحديث الأرقام والمعطيات والملفات الفاضحة لممارسات النظام وحلفائه، والدفع باتجاه تعزيز وتحصين الموقف السوري، وخاصة أن الدول الغربية تعكف حاليا على إعداد اتفاق نووي مع إيران، ربما في حال إتمامه سيترك لها مزيدا من الحرية في المنطقة وسوريا، وهو ما ربما يفتح الباب على مزيد من التصعيد والآلام السورية.