المعارضة السورية تعد العصي

2021.11.28 | 06:02 دمشق

24_8.jpg
+A
حجم الخط
-A

مخاوف في أوساط المعارضة السورية من تخفيف العقوبات الأميركية على النظام، من خلال قرار واشنطن توسيع الاستثناءات الممنوحة للمنظمات غير الحكومية، من أجل العمل في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام. وأثار هذا القرار جدلا واسعا في أوساط المعارضة، التي اعتبرت أن هذا القرار يشكل أكبر خطوة معلنة من جانب أميركا على طريق فك العزلة عن النظام.

هذا التشخيص ليس دقيقا، فقد سبقته خطوات أخرى أكثر خطورة. وكانت الإدارة الأميركية قد سارت في هذا الطريق منذ حزيران الماضي، حينما رفعت العقوبات المفروضة على عدد من رجال الأعمال المرتبطين بشبكة رئيس النظام بشار الأسد وإيران المالية، وأزالت الخزانة الأميركية، في العاشر من حزيران الماضي، شركتين تتبعان لرجل الأعمال السوري سامر فوز، المعروف بقربه من النظام، من قوائم العقوبات. وتلاها رفع واشنطن جزءاً من العقوبات الاقتصادية، لتسهيل صفقة استجرار الطاقة إلى لبنان عبر مصر والأردن، أو ما يسمى مشروع الغاز، والتي من شأنها أن توفر لنظام الأسد شريان حياة ماليا وسياسيا، ومن أجل تسهيل هذه الصفقة، تدخل منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بريت ماكغورك لدى السلطات المصرية لبيع الغاز إلى لبنان، عبر خط أنابيب يمتد في الأراضي السورية.

لم تولِ الإدارة الأميركية الملف السوري الاهتمام الكافي حتى الآن، ولا يبدو أنها ستغير من طريقة تعاطيها مع القضية السورية

وليس سرا أن القمة التي جمعت الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين في السادس عشر من حزيران الماضي، دخلت في مساومات، تعهدت بموجبها واشنطن تخفيف عقوبات "قيصر" على النظام، مقابل عدم عرقلة موسكو تجديد آلية دخول المساعدات الإنسانية إلى سوريا لمدة عام. وهذه مقايضة غير إخلاقية، بل ترقى في نهاية المطاف إلى مكافئة بوتين على تجويع السوريين، وهي في كل الأحوال عمل شنيع، يتجاوز التنازل من جانب واشنطن إلى السقوط في الحضيض الروسي.

هذا في الوقت الذي لم تول الإدارة الأميركية الملف السوري الاهتمام الكافي حتى الآن، ولا يبدو أنها ستغير من طريقة تعاطيها مع القضية السورية. وما تقوم به في الوقت الحالي يبدو أنه أقصى ما يمكن أن يصدر عنها، وهو يمثل الحد الأدنى الذي يقف عند الشأن الإنساني. أما فيما يخص العقوبات، فإن الإدارة لم تفرض أي عقوبات على النظام بحسب "قانون قيصر" منذ وصولها حتى الآن، وذلك على غير ما درجت عليه إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب التي كانت صارمة، ولها يعود الفضل في سن "قانون قيصر" ومتابعة تطبيقه، ولذلك تدخلت عدة مرات كي تردع محاولات التطبيع، ومنعت شركات إماراتية من الانفتاح على النظام، ثم إن زيارة وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد إلى دمشق مؤخرا، ما كانت ستتم في عهد إدارة ترامب.

ومن المؤكد، أن ما تقوم به إدارة بايدن ليست خطوات بلا دراسة وتخطيط، وإنما هي في سياق منهج الانفتاح التدريجي على النظام بوسائل ملتوية، وسيزداد الموقف سوءا في حال تم توقيع الاتفاق النووي مع إيران، وأفرجت واشنطن عن جزء من الأموال الإيرانية، والتي ستمول نظام الأسد من جديد. وحينذاك سيستكمل كل حروبه التي تعاني بسبب شح الموارد المالية.

كان في وسع المعارضة أن تستفيد من هذا الزخم، وتوظفه، وفي وسعها أن تعتمد على الهيئات السورية في الولايات المتحدة من أجل عدم تخفيف العقوبات الأميركية على النظام

المعارضة ليس لها سوى إبداء المخاوف والقلق والحديث بصوت خافت، بعد أن صارت هامشية وموزعة الولاءات وبلا تأثير، بل هناك من بين فروعها من يبيع السوريين الأوهام. ففي الوقت الذي تنازلت الإدارة الأميركية عن العقوبات على النظام، تتحدث المعارضة عكس ذلك. وطبعا هي قادرة على التأثير في الموقف الأميركي لو تحركت وعملت ضمن الهوامش المتاحة وهي واسعة، ومثال ذلك في آذار الماضي، حثّ أكثر من 100 عضو في "الكونغرس" من كلا الحزبين إدارة بايدن على استخدام نفوذها للضغط على إيران التي تبسط يدها العسكرية في سوريا. وكان في وسع المعارضة أن تستفيد من هذا الزخم، وتوظفه، وفي وسعها أن تعتمد على الهيئات السورية في الولايات المتحدة من أجل عدم تخفيف العقوبات الأميركية على النظام.