المعارضة التركية تكتيكٌ جديد وعينٌ على السلطة

2021.09.08 | 06:56 دمشق

20190408100603afpp-afp_1fg7f0.h.jpg
+A
حجم الخط
-A

تعيش المعارضة التركية مرحلة تخبط وتناقضات من جراء تباين كبير من حيث الآراء والأفكار السياسية، والانشقاقات المتتالية التي عقدت المشهد السياسي في تركيا بشكل كبير.

هذه الحالة ليست غريبة عن بلدٍ كتركيا، التي عاصرت أزمات سياسية حادة انعكست بشكل ملحوظ على واقع وقوة تركيا وموقعها الإقليمي والقطبي.

ليس من المستغرب أنّ أحزاب المعارضة التركية التي فشلت في تسعينيات القرن المنصرم على مدار سنوات طويلة في تشكيل حكومات ائتلافية إبان النظام البرلماني في تركيا أن تكون اليوم قادرة على تطوير هياكلها وأفكارها بالتوازي مع الاستحقاقات القادمة.

يبدو أنّ عقدين من الزمن خارج السلطة غير كافية لتنضُج المعارضة التركية فما زالت الخلافات مستمرة حول قضايا عديدة، ولكن أبرزها وفقاً للواقع الحالي التوافق على مرشح مشترك للانتخابات الرئاسية القادمة عام 2023.

وفي غمار الأزمة المتصاعدة بشأن الاتفاق على مرشح واحد قدّم رئيس الحزب الجمهوري مقترحاً قد يكون نقطة انطلاق جديدة للمعارضة التركية.

مرشح واحد.. خلافات مستمرة:

استبق كمال كليتشدار رئيس حزب الشعب الجمهوري CHP، الانتخابات الرئاسية التي ستجري صيف عام 2023 وأعلن عن عدم رفضه للترشح كمنافس لأردوغان، أثار التصريح جدلاً كبيراً في الغرف الضيقة للمعارضة التركية التي في الأصل تعيش أزمة تنظيم حادة من جراء الانشقاقات المتتالية لبعض الأعضاء والكتل من حزب الشعب الجمهوري ولا سيما انشقاق محرم إنجه المرشح الرئاسي السابق وأبرز منافسي كليتشدار في الحزب والتي كان لها انعكاسات سياسية، فانخفض عدد أعضاء حزب الشعب الجمهوري في البرلمان التركي TBMM إلى 135/138.

وتبع ذلك، إعلان بعض شخصيات المعارضة أنّ مرشحها للانتخابات القادمة سيكون كليتشدار أوغلو، ولعلّ سبب عدم تصريح الأخير بنفسه بشكل مباشر عن هذه الغاية يعكس إدراكه لحالة التخبط التي تعيشها المعارضة التركية سواء داخلياً في الحزب الجمهوري CHP أو في تحالف الأمة Millet İttifakı أو في المعارضة التركية بالعموم، في إدراك تام لأنّ هذا الإعلان سيكون له إرهاصات مختلفة منها تشتت المعارضة بشكل أكبر.

يدرك كمال صعوبة حصوله على إجماع ضمن الحزب الجمهوري بوصفه شخصية خلافية وليست توافقية، تعمل بشكل دائم على تأطير المعارضين أو إقصائهم في حال تشكيل تهديد على سلطته التقليدية في الحزب التي تمتد لعقود في واقع يعكس شمولية أبرز أحزاب المعارضة على خلاف القيم الليبرالية التي تدعو لتطبيقها.

ومن غير المرجح أن توافق أحزاب تحالف الأمة على هذا الترشح، لأسباب عديدة يمكن تلخيص بعضها بالقول؛ كما لكمال رغبة جامحة في الوصول إلى السطلة فلدى رئيسة حزب الجيد İYİ PARTİ ميرال أكشنار نفس الغاية والأطماع.

كذلك، فإنّه من المؤكد ولأسباب متباينة سترفض أحزاب وشخصيات المعارضة التركية ترشح كمال كليتشدار كشخصية توافقية، لا سيما كل من؛ حزب محرم إنجه الجديد "حزب الموطن التركي" Memleket partisi \Homeland Party وحزب المستقبل التركي Gelecek Partisi وكل من إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول، ومنصور يافاش رئيس بلدية أنقرة.

إنّ الخلاف على سلطة "غير موجودة" يشكّل الصورة الأولية أو الانطباع الأول عن شكل تركيا المقبل في حال وصول المعارضة للسلطة/ الحكم.

تكتيك جديد.. تشتيت الأصوات:

لم يستبعد كمال في تصريح له تقديم المعارضة التركية أكثر من مرشح للانتخابات القادمة، وتبدو هذه الخطوة أنّها أتت من جراء عدم قدرة المعارضة -حتى الآن- في التوافق على مرشح مشترك.

ولكنها تأتي في سياق إدارة الخلافات والتناقضات في الوسط التركي المعارض على حساب تشتيت أحزاب السلطة "التحالف الجمهوري".

تنصب أهداف المعارضة التركية في هذه الآونة على تقليل الرصيد الشعبي لحزب العدالة والتنمية AK Parti، ولكن غايتها في الانتخابات القادمة ما عدا الوصول إلى السطلة، تكمن في منع تولّي أردوغان السلطة من الجولة الانتخابية الأولى وتحقيق خرق وتقّدم يرضي حاضنتها.

إنّ تقديم المعارضة التركية أكثر من مرشح يعني تشتيت الأصوات الانتخابية ولا سيما في حال استيعاب الحاضنة المعارضة العلمانية والمحافظة أيّ تقديم مرشحين محافظ وآخر علماني-قومي.

هذا التكتيك الجديد سيعيق الرئيس رجب طيب أردوغان من حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى وذلك لطبيعة النظام الرئاسي الجديد الذي يفرض حصول المرشح على 50+1 من مجمل عدد الأصوات.

كذلك، سيمكّن المعارضة التركية بعد الجولة الأولى على التوافق على مرشح واحد وفق الحاجة لذلك وما ستفرضه النتائج الانتخابية، ومن المهم القول إنّ المعارضة التركية تحظى بدعم وتأييد 48% من الحاضنة الشعبية وذلك في حال توحدها.

ففي انتخابات العام 2018 لم يتجاوز الرئيس التركي العتبة الانتخابية لرئاسة الجمهورية إلّا بشق الأنفس بفارق درجتين فقط أيّ 52%.

وكل هذا لا يلغي احتمالية أن تفرز الجولة الثانية من الانتخابات -في حال حصولها- خريطة تحالفات سياسية جديدة قد تنعكس على طبيعة السلطة السياسية في تركيا.

فهل يمكن أن تُساهم أحزاب المعارضة التركية (المحافظة) والتي كانت مقربة من الرئيس رجب طيب أردوغان -وفق هذه السيناريوهات- في إنهاء حكمه أم ستتحالف معه عند الشدة؟